السعودية تتصدر الأسواق الناشئة في إصدار الديون

السعودية تتصدر الأسواق الناشئة في إصدار الديون

أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

تحليل للدوافع والتحديات والآفاق المستقبلية في ظل رؤية 2030

شهدت السعودية هذا العام تحولاً هاما على صعيد الاقتراض الدولي، حيث تجاوزت الصين لتصبح أكثر الدول إصداراً للديون بين الأسواق الناشئة، منهية بذلك هيمنة بكين على هذه المكانة على مدى 12 عاما متتالية.

فقد كشفت بيانات مبيعات السندات الجديدة الصادرة عن الحكومات والشركات هذا العام أن المملكة تقترض بوتيرة قياسية، في ظل بدء المستثمرين الدوليين في سوق الديون بتأييد خطة رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

و في المقابل، يشهد المقترضون الصينيون إقبالا كبيراً على السندات المقومة بالعملة المحلية وقد خفضوا إصدارات الديون الدولية إلى واحد من أبطأ المعدلات في السنوات الأخيرة حيث أن تجاوز الصين يمثل أهمية كبيرة للسعودية التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 16/1 من نظيره في الصين، وتسعى لأن تصبح مركزاً تجارياً عالمياً بحلول نهاية العقد الحالي.

وتشير أحدث البيانات إلى تحسن المعنويات مع سعي الرياض للحصول على تمويل لمشاريع تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وتعزيز موقعها كحلقة وصل بين آسيا وأوروبا، وفي الوقت نفسه تشهد بقية الأسواق الناشئة أيضا عاما استثنائيا لإصدارات السندات، وسط تراجع تكاليف الاقتراض والسعي لتحقيق عوائد مجزية. وقال “أبوستولوس بانتيس” المدير الإداري للاستشارات في الدخل الثابت في يونيون بانكير بريفي في زيوريخ: “المعنويات اتجاه السندات السعودية صحية للغاية، وليس من المستغرب أن تصبح المملكة أكبر مصدر للسندات في الأسواق الناشئة نظراً لاحتياجاتها التمويلية الكبيرة للمشاريع الضخمة للبنية التحتية”.

وارتفعت مبيعات السندات من الكيانات السعودية بنسبة 8% حتى الآن هذا العام وتجاوزت 33 مليار دولار، وتمثل الحكومة أكثر من نصف هذا المبلغ بما في ذلك صفقة صكوك مقومة بالدولار بقيمة 5 مليارات دولار الشهر الماضي، وتعمل المملكة على إيجاد مصادر بديلة للتمويل للمساعدة في تغطية العجز المالي المتوقع والبالغ حوالي 21 مليار دولار هذا العام وتتوقع أن تصل إجمالي أنشطة التمويل للعام إلى حوالي 37 مليار دولار.

وعلى الرغم من التفاؤل الحالي، ومن وجهة نظري الشخصية لا تزال هناك تحديات وشكوك قائمة، فمن ناحية لا تزال المملكة تواجه عجزاً كبيراً في الميزانية يتطلب تمويلاً مستمراً، كما تواجه المشاريع الاستثمارية الضخمة تحديات في التنفيذ وتجاوز التكاليف والجداول الزمنية، وهناك أيضا مخاطر جيوسياسية في المنطقة قد تؤثر على جاذبية الاستثمار. ومن ناحية أخرى يمكن القول أن اتجاه السعودية لزيادة الاقتراض يعد خطوة استراتيجية وإيجابية لتمويل خطط التنويع الاقتصادي والتحول الهيكلي لتقليل الاعتماد على النفط، فالمشاريع الضخمة مثل مدينة نيوم والقدية والبحر الأحمر تهدف إلى تنمية قطاعات جديدة مثل السياحة والترفيه والتقنية وجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل للشباب السعودي، ومع تحسن أسعار النفط وتعافي الاقتصاد العالمي نسبيا أتوقع أن تستمر السعودية في الحصول على تمويل جيد لخططها الطموحة لكن ذلك يتطلب مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، وتقوية الإطار المؤسسي والتنظيمي لتعزيز ثقة المستثمرين إلى جانب الجهود المتواصلة لتقليص العجز وزيادة الإيرادات غير النفطية والاستدامة المالية على المدى الطويل.

وفي الختام يشكل تجاوز السعودية للصين كأكبر مقترض في الأسواق الناشئة تحولاً لافتاً يعكس الفرص والتحديات التي تواجه المملكة في مسيرتها لتحقيق رؤية 2030 وسيتطلب ذلك مزيجاً من الاستثمارات الضخمة والإصلاحات العميقة والانضباط المالي لضمان الاستدامة والازدهار على المدى الطويل.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

اترك تعليقاً