قبل أن أبدأ فى مقالتى رأيت أن أنوه عن الخبر الذى نشرته وسائل الإعلام بخصوص إقامة السادة أعضاء المجلس الوطنى بفندق (ريكسوس) بالعاصمة طرابلس طيلة مدة 18 شهراً والذين نتمنوا لهم إقامة طيبة ومُريحة ، غير أنه سألنى أحد المهتمين الذين لم يسبق لهم الإقامة فى فنادق خمسة نجوم ولا يعلمون عن تكلفة الإقامة بها شيئاً ولذلك رأيت من واجبى ألا أحرم القارئ الكريم الذى هو مثل صاحبنا السائل من معرفة التكلفة بهذه الفنادق … فمن خلال الحسابات المبدئية للتكلفة الإجمالية لهذا الحشد غير المسبوق من نواب الشعب من إقامة كاملة ومواصلات وإتصالات وإجتماعات وزيارات بالداخل والخارج وتنقلات وإعلام وصحافة ومراسلين وتكليف خبراء لوضع الدستور ومقابلات مرئية ومسموعة وغيرها من المصاريف غير المنظورة ستُكلف وزارة المالية بالحكومة الليبية المؤقته فى حدود (إثنان مليار دينار ليبى ) أى ألفى مليون دينار !!!فما رأيكم …؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ( 80 ) فأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا 82) صدق الله العظيم .. سورة الكهف.
رُبما يتساءل البعض لماذا بدأتُ مقالتى بهذه الآيات الكريمة من سورة الكهف ؟ ، أقول نحن فى شهر القرآن وما أفضل الكلام الذى يبدأ بكلام الله … أن هذه الأيات لها دلالات علمية وإتساع فى الأفق والمدارك فهى تؤكد أن العلماء الذين يُلهمهم الله تعالى قول الحق فى زمن المجتمعات التى تعودت على قول الزور والغش والكذب هم خير عباد الله ، ويعطيهم القدرة على مواجهة الباطل ورد المظالم والدفاع عن المظلومين والمُعدمين فى زمن تبادل المصالح وإختفاء الثوابت الوطنية والقيم الإنسانية ورفع شعار هاك وهيت (كم نسبتى المئوية من الصفقة ؟ !!) ، فهم العلماء الذين كرّمهم الله بالعقل الراجح وسُرعة البديهة وجعلهم أهلاً للخبرة فى أمور الدنيا ، فأحياناً يأخذ عنهم الأنبياء وينهلون من علمهم بقدرة الخالق ولا يتسعون صبراً على تصرفاتهم لأنهم لا يحكمون بظواهر الأمور بل ببواطنها وهم من يخشون الله كما ذكر فى القرآن الكريم.
فإن ما حدث مع سُيدنا موسى عليه السلام وسُيدنا الخضر وكما جاء فى سُورة الكهف لهو دليل قاطع على أن العلماء الذين يخافون رب العالمين ويعرفونه حق قدره لهم مكانتهم عند الله ، وهنا لزاماً علينا أن نعى ما جاء فى الأيات التى ذكرتها سالفاً ، فإن خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لم يكن فعلاً إختيارياً ولكن بأمر إلهام من الله سبحانه وتعالى . والشهادات العليا وحدها مهما كانت درجاتها فى هذا الزمن قد لا تنفع الإنسان إذا لم يكن لها أساساً من الصدق فى الوصول إليها أو إذا كان صاحبها بدون إيمان قوى بالله تعالى وثقة فيه وبدون تفقه فى كلام الله وإلتزام دينى أو بدون خبرة فى الحياة ورؤية ثاقبة فى فهم الأمور عامة أو بدون قدرة على تحليل هذه الأمور . وهنا أقول أن ولاة الأمر لدينا وساستنا الجدد كانوا يرددون دائماً أن ثورة فبراير هى (ثورة الله) فقد جاء اليوم الذى نثبت فيه ذلك من خلال المؤتمر الوطنى العام ليكون بداية لطى صفحات الماضى السوداء إذا كان لدينا علماء وعواقل وحكماء فى المؤتمر الوطنى (مجموعة المئاتين) ولفتح صفحات بيضاء خالية من الشوائب والعوالق والأحقاد والكراهية تستوعب الجميع دونما إقصاء أو تهميش قبلى أو جهوى أو عقائدى أو أيدولوجى … فهل سيخرج علينا علماء وأصحاب خبرة فى قيادة هذا الشعب أم أن الشهادات التى كنا نسمع عنها فى سوق عكاظ مجرد أوراق تُوصل صاحبها إلى ساحة الغنائم ليأخذ حصته مثله مثل غيرة ويجلس على أحد الكراسى بقاعة المؤتمر الوطنى وحتى تنتهى المدة المقررة وندخل فى المرحلة الإنتقالية الثالثة وهكذا … وتتحقق العبارة المشهورة لأحد مشائخنا وعواقلنا فى منطقة درنه يوماً ما حيث قال (الجامعات لا تمنح عقولاً بل أوراقاً لا قيمة لها فهناك من ترفع من شأنه وهناك من يرفع من شأنها !!).
فنحن اليوم فى حاجة لمن يلم الشمل ويفتح أبواب السفينة التى تتلقفها الأمواج العاتية ليركب جميع الليبيين على ظهرها عبر جسر المصالحة والتصافح ولو أننا تركنا جزءً من أهلنا على اليابسة فسوف تُخرق سفينتا ويتلقفها أعداؤنا وينهبون خيراتنا أمام عيوننا ووقتها نخسر أنفسنا ومن جعلنا بيننا وبينهم سداً من أهلنا حتى إشعار آخر !! ولا شك أننا اليوم فى حاجة إلى الحوار مع شبابنا الصغار الذين لم تتاح لهم فرصة التفقه فى الدين والتعليم بالطريقة الصحيحة وهم الذين تركناهم وحدهم يعانون الأفكار التى دخلت عليهم من كل جهة تُهيمن عليهم وتسيطر على مستقبلهم المُظلم ، فهم فى أمس الحاجة إلى إحتضاننا لهم ولا نواجههم بالقوة حتى نجعل من أنفسنا عدواً لهم فى غفلة منا ، أما بناء الجدار فهو الذى سيُضرب حول (كنزنا) وهو نفطنا الذى كثُر طامعيه من حولنا فالمؤتمر الوطنى وجب عليه أولاً إصدار القرارات الرادعة لصون المال العام والضرب بيد من حديد على كل من تسّول له نفسه أن ينهب ويختلس هذا (الكنز) الذى وهبه الله لنا من أجل أن يتمتع به الفقراء واليتامى والمحرومين لا أن ينهبه الدخلاء واللصوص وسُراق الماضى والحاضر كذلك . وأتمنى أن يكون أول قرار هو تشكيل لجنة محاسبة لأعضاء المجلس الوطنى الإنتقالى والمكتب التنفيذى والحكومة المؤقتة لإسترداد أى أموال نُهبت فى غفلة من الليبيين الذين يبدو أن النهب والإختلاس قد كُتب عليهم فى قاموس حكامهم منذ زمن طويل . ولجنة أخرى تستلم إقرار الذمة المالية وبسرعة من أعضاء المؤتمر الوطنى العام حتى لا تتكرر مأساة الإنتقالى الذين بدأوا ينشرون غسيل بعضهم البعض.
أقول …. لقد نجح الليبيون فى إنتخاب مئاتين من المٌرشحين المتقدمين لعضوية المؤتمر الوطنى العام وقد إحتكموا فى إنتخاباتهم إلى الظاهر فقط أى من خلال الدعايات الإنتخابية والإعلانات التى إمتلآت بها جدران المبانى فى جميع المدن والقرى الليبية حتى أن البعض قام بإلصاق إعلاناته على إعلانات غيره ، وقد كانت اللقاءات المباشرة فى القنوات الفضائية متاحة للجميع وكذلك الإذاعات المسموعة فى كل المدن تُتيح المساحات للكل حتى أصبحت قنواتنا وإذاعاتنا وكأنها سوق عُكاظ ليتحدث فيه من شاء من المرشحين ليشيد ببطولاته وأمجاده وشهاداته وخبراته وتاريخه الجهادى وكفاحه ضد النظام السابق بالرغم من أننا لم نسمع عنه شيئاً فى ذلك الزمن ، الكل تحدث كما شاء وأعلن عن برنامجه وأهدافه وأسلوب عمله سواءً كان مستقلاً أو تحت مضلة كيان سياسى ، المهم أن كل شئ مر بسلام والحمد لله وأن أى ناخب ليبى إنتخب مُمثله أو من وثق فيه من خلال (الظاهر والظاهر فقط) فالحكم كان بالظاهر والله يتولى السرائر.
هذه الأيام تتسابق الكيانات السياسية وكانها فى سباق ماراثونى للوصول إلى المستقلين أو ما يسمى بالمستقلين لإستقطابهم وإدخالهم فى الكيانات السياسية فالهواتف النقالة للكيانات السياسية تعمل ليل نهار من أجل الحصول على مكالمة مع هذا المستقل أو ذاك لدغدعة عواطفه برفع شعار الوطنية والإنتماء الوطنى ناهيك عن الحديث عن بعض الإمتيازات التى سيمنحها الحزب أو الكيان لهذا المستقل وخصوصاً أولئك الذين لم تكن لهم دراية بالطرح السياسى الجديد القادم فى ليبيا فلا شك أن الكثير منهم وأعنى هنا المستقلين قد وقعوا فى مصائد الكيانات السياسية لأن الإغراءات المادية لا يصمد أمامها ولا يتصدى لها سوى العصارى من أهل البيتية والنزاهة . ونحن نتابع من أقسموا أنهم مستقلون للنهاية والله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
كل من إنتخب دون أن يحكّم عقله وإنتخب لمجرد أن هناك إنتخاب عام ويخرج فرحاً من قاعة الإنتخاب وإصبعه السبابة مرفوعة وبها اللون الأسود يعتبر نفسه أنه أدى ما عليه من مهمة بقوله (ضعها فى رأس عالم وأخرج منها سالم) ولكن البعض قد صُدم لأنهم حكموا بالظاهر وتأكدوا اليوم أن من إنتخبوهم قد ودعوا كلمة (مستقل) وإندمجوا مع كيانات سياسية (بثمن لاشك فى ذلك) إما أن يكون أمراً (دٌبّر بليل) وأصحابهم الذين إنتخبوهم لم يكونوا مستقلين أصلاً أو أن الإغراءات (ونشر القمح على الحصير.. كما يقال فى المثل ) قد جعلهم نسوا كلمة المستقل وعادوا بنا لأيام الماضى البغيض حين كان ما يسمى بالتصعيد ومقولاته الشهيرة من خلال فرسان المرابيع الذين طالما عان منهم الليبيون فى الإستحواذ على ما يسمى السلطة الشعبية المحلية أو التى كانت تٌشكل مؤتمر الشعب العام من خلال قصاصات ورق توزع على الحجرات فى فنادق سرت أو طرابلس من أجل وضع هذا أو ذاك فقد كانت الجهوية ضاربة أطنابها والمناطقية سائدة تحت شعار اليوم عندكم وبكره عندنا والقبلية حدث ولا حرج رافعة شعار (أشرب ومد القدح) .. وفى الختام أقول أن أى عضو مستقل تم إنتخابه بالمؤتمر الوطنى على أساس أنه مستقل وإتضح إنضمامه أو تم إستقطابه من قبل كيان سياسى أو بيّت النية منذ البداية فقد خان الله والوطن وخان مواطنيه الذين إنتخبوه على أساس أنه مستقل وجب على دائرته إسقاطه وإبعاده من المؤتمر والتشهير به أمام الليبيين جميعاً ثم تقديم الفائز الذى بعده فى نتائج دائرته للمؤتمر … أقول هذا … والله من وراء القصد.
آسف على الإطالة فالمواضيع متسلسلة وتتطلب ذلك
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً