الرضا هو طريق للبناء، فالرضا بالإمكانيات التي من حولك والمقدرات التي تملكها يجعلك تخطط لتحقيق أهدافك وفق ما تملك أما عدم الرضا والتواكل على قلة الإمكانيات يجعلك تعيش في دائرة من العجز تقف حائلا دون تحقيق أهدافك. وفي الرضا شيئان لابد للإنسان منهما إما الحياة في طاعة الله أو في غيره وفي ذلك يكون حال الإنسان متقلبا بين السهل والصعب أو بين النعومة والخشونة أو بين الفقر والغنى قبل الإنسان أم لم يقبل فالأمر نافذٌ لا محالة. فإذا خسر الإنسان مثلا في تجارة يديرها فهل ينفع هنا البكاء والحسرة والندم والعيش في حالة من الإحباط قد لا يستطيع الإنسان تجاوزها أم أن النفع هنا يكمن في الإنطلاق من قاعدة أن الخسارة قد حدثت ولن ينفع هنا إلا الوقوف والتفكر بتمعن وعرض وتحليل ما حدث ومحاولة الوصول لانطلاقة جديدة قد تكون بسبُل ووسائل مختلفة لمحاولة تجاوز وتلافي أسباب الخسارة وتحقيق الربح المنشود.
وحال المؤمن رآه خيرا أم شرا فهو بإذن الله وعنده خير، فكل الحالات التي يتقلب فيها المؤمن خير وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له”. فكل أحوال الإنسان التي يتقلب فيها دنيويا ما هي إلا إختبارات ينقّى فيها قلبه ونفسه من الأمراض والخطايا رحمة به من الله “ولك أن تتخيل النجاح بأن تأتي لتخطيط وبناء مشروع بقلب ونفس صافيتين” وما تزيده هذه التنقية إلا قوةً وليس ذلك إلا للمؤمن والشرط في ذلك الشكر والصبر في كلتا الحالتين كلٌ حسب الإختبار والحالة. فالعقل يقول الرضا بالحالتين ومحاولة التعايش مع الحالة التي يمر بها سلبية في رأينا أم إيجابية بمنظورنا العقلي المحدود قدرةً هو الطريق لتحقيق الإستقرار النفسي للفرد والأسرة والذي لا شك فيه أن هذا الإستقرار النفسي سينعكس إيجابا على المكونات الإجتماعية والإدارية للمجتمع لترقى به نحو التآخي، فالمودة والحب طريق الإستقرار والتقدم المنشود. فاذهب أينما شئت فلن تنال إلا ما كُتب لك فتعايش واستمتع بكل حال أنت عليه وشارك الآخرين حولك هذه القيم لتعم الفائدة واعلم أنه لن يغير حذر من قدر فذاك هو الرضا وأن الإستقرار طريقٌ للبناء.
أما عدم الرضا على ما قد يصيب المؤمن من ضنك في الحياة وما يمر به ويعترضه من حالات كمرض أو ضيق أو كرب وغيرها من الهموم والمشاكل التي تعتري كل إنسان مهما كان غنيا أو فقيرا ذا منصب ووجاهة أو من العامة كلٌ له نصيب وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما إبتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط” فلن يغير غضبك لما تصاب به شيئا بل قد يزيد الحالة حدّةً لأنه حينها يفقد الإنسان جزءا ليس بالقليل من التركيز والإتزان في القدرتين العقلية والنفسية الأمر الذي يصبح معه البحث عن حل وتذليل العراقيل والمشاكل صعبا لانخفاظ القدرتين والأمر وقع ولن يغنيه عدم الرضا شيئا بل الذي يغني هو الرضا والتفكر فيما حدث لإيجاد الحلول وتجنب الوقوع فيها مرة أخرى ما أمكن ذلك. والفرق هنا بين المؤمن وغيره أن المؤمن يرجوا الثواب في السرّاء والضرّاء فما يصاب المؤمن كله خير إذا ما أحسن التدبير وكيفية التعامل مع الوقائع التي تلم به، أما غيره فلا يرجوا ذلك قال تعالى:”إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ” النساء: 104. فالألم لامحالة واقع بوقوع الحدث الأليم حسب نوعه ودرجته وأن الألم يؤثر على القدرات وإنما الإختلاف في القدرة على مواجهة الأحداث وحسن تقديرها وتدبرها للخروج منها بفوائد تزيد صاحبها إصرارا على مواصلة الطريق.
إن ما يصيبنا الآن على المستوى الفردي من مصائب كثيرة متنوعة متعددة في أموالنا وأنفسنا وأهلينا وتنتقل هذه المصائب أو الإبتلاءات لتتسع دائرتها فتصيبنا جماعات ودول لتؤثر في عملية بناء مجتمعاتنا ودولنا لحريّةٌ بالتفكير ومراجعة ما نحن فيه ومراجعة علاقتنا مع الله التي لا تنفصل عن التفكر في علاقتنا مع بعضنا البعض وهذا لا يتعارض مطلقا مع التسليم بقدر الله فهاتين العلاقتين يشوبهما كثير من الخلل والتقصير فإذا ما عالجنا علاقتنا بالله فحسنت فذاك هو رأس تحسين العلاقة فيما بيننا فالذي يخاف الله ويراعيه في كل صغيرة وكبيرة سيخاف على أخيه ويشاركه في غناه وفقره في سلمه وحربه في سرّائه وضرّائه ومن هنا تصل العلاقة بيننا إلى مرحلة متقدمة يشعر ويعيش فيها كل فرد منا مع وبالآخر تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”، ولاشك أن دائرة هذا النمط من الشعور بالغير والتعايش معه والحرص عليه لهذا الحد تتسع لتعزز الأمن الإجتماعي المفقود في مجتماعاتنا ودولنا وما يرتبط ذلك من تقدم. إن هذا النمط من التكافل والتعايش السلمي بيننا ليس مستحيلا ولكن تحقيقه يحتاج إلى إرادة تغيير قوية وعمل دؤوب جادٍّ من القادة ثم من الأفراد عامة يُطمح فيها لتكوين مجتمعات ودول قوية متقدمة آمنه. وبداية التغيير من النفس أولا قال تعالى:”إنّ الله لايغيّرُ ما بقومٍ حتّى يُغيّرُوا ما بأنفُسهم” الرعد 11، فلنبدأ عملية تغيير النفس فنحن قوم كثيري الكلام قليلي العمل فلنجعل هدا التغيير واقعا قيّما يلمس خيره المحيطين بنا والآخرين من حولنا حينها قد نساهم في وضع بناء مجتمعاتنا في طريقه الصحيح، فما أحوج أوطاننا لذلك.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً