لا شك أن وقوف الحشود في شوارع وميادين طرابلس بداية من منتصف شهر سبتمبر الحالي، رافعة أصواتها، ومطالبة برحيل الأجسام السياسية الحالية، معبرة عن قطاع كبير من الشعب الليبي الذي ذاق الأمرين خلال السنوات الأربع العجاف، فلقد آن الأوان لتغيير القيادات الرئاسية والبرلمانية وبناء الدولة على أسس مغايرة للواقع المؤلم وإنهاء العبث الذي دام سنوات وأشبع الليبيون نيران البؤس ولضى الفاقة.
زمن الرحيل الاول في سنة 2011 م كان النظام على أشد سطوته، والشعب في غيبوبة كاملة، وبذلك أفتى الحُواة للجماهير ووصلت رسالتهم فكانت الفتنة الكبرى قتال دام ثمانية أشهر، أفتى القوميون بعدم الخروج عن الحاكم ولي نعمتهم وملاذ مكاسبهم، وأفتى السلفيون لإعتقادهم أنه ولي أمرهم، وأفتى الأفارقة حتى لا تنقطع المعونة عليهم، ووقف اصحاب القبعات والعمائم البيضاء مع النظام خوفا من العوز (ولا يعلمون أنهم غارقين فيه حتى الثمالة).
رغم ذلك ذهب النظام السابق بلجانه الثورية وبمخابراته زوار الليل، ولاعقي أحّذية القيادة، والمطبلين للتوريث، والمنظرين للنظرية العالمية الثالثة والحمقى الذين قدموا أرواحهم نُذرا للصنم، ولم يبقى سوى حفنة من حراس المعبد ينغصون حياة الشعب بما أؤتيو من المال الفاسد.
من الواضح أن القيادات الحالية (قيادات الغفلة) أكثر ضعفا وتمترسا من قيادات العهد السابق، وإزالتها أسهل وأهون على الأمة، وتقبل الشعب الليبي للتغيير أكثر تفهما. ثم أن تفتتها وتشردمها أخرس أفواه الفتاوي، فلا ولي أمر موحد ولا ولي نعمة ولا كريزما قادرة على لملمة شتات الوطن. أضافة أن الهانات المتكررة على هذه القيادات أضعف موقفها محليا ودوليا.
الموقف الدولي واضح أنه قد حزم أمره إلى غير رجعة، فتوقيع برنامج الإصلاحات الإقتصادية بلا مشاركة لمجلس النواب يعني أن ذلك المجلس اصبح في حكم العدم، وتستمر لعبة الدومينو فتكون الحكومة المؤقته في خبر كان، ولا شك ان قيادة الجيش في الشرق الليبي ستبحث لها عن مرجعية بديلة للإستمرار إن لم يتم تفكيكها.
الموقف الدولي تزامن (ربما عمداً) مع تقرير اللجنة الأممية الخاصة بليبيا حول الفساد في الخامس من سبتمبر الجاري، والذي كشف أن المرشحين للسقوط السياسي هم أنفسهم من تورط في عرقلة بناء المؤسسات أو قام بجرائم إقتصادية في حق الدولة أو دعم أطراف ضالعة في الفساد المالي ونهب ثروات الأمة، وبذلك تم التشهير بهم على شتى المنابر، وقد تتعالى أصوات حقوقية من أجل إمتثالهم أمام النائب العام.
الرحيل الثاني سيوحد مؤسسات الدولة السيادية وسينهي الإنقسام السياسي والمجتمعي وسيبعد الحداق ورجالات النهب عن المشهد الليبي، وسيقلص من التدخل الإقليمي والحرب بالوكالة، والأكثر من ذلك إنهاء فكرة العودة إلى دكتاتورية العسكر، وإخراج القواعد الإقليمية والأجنبية، وإفشال مشروع التبعية الدينية الممولة بالبترودولار، وتوجيه القوات القتالية المحلية لمحاربة العصابات التشادية والسودانية بالجنوب الليبي، هذا فضلا عن حل مشكلة السيولة وغلاء الاسعار.
الزعم القائل بأهمية سد الفراغ السياسي، أو إصدار قانون الإنتخابات من مجلس النواب، زعم لا أساس له، وإن تم إنتظاره لن يتحقق، والإستفتاء عن الدستور مجرد وسيلة لإطالة ماسي الوضع الراهن، فالإنتخابات يمكن أن تجرى بقانون إنتخابي تم تجهيزه من المفوضية الوطنية للإنتخابات بدائرة إنتخابية واحدة بدل الركون إلى ضغط الفئة القليلة من الفيدراليين الراغبين في ثلاث دوائر إنتخابية.
لا شك أن ليبيا اليوم تمارس كما يقولون سنة أولى حرية وديموقراطية، وهو إشكال ثقافي وطريق طويل وشاق يحتاج إلى تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة والمتجذرة عبر العصور، ولا ضير أن نتعلم بتغيير القيادات والحكومات حتى نصل إلى مفاهيم ثقافية حدثية موحدة تكفل الحرية للجميع والتداول السلمي للسلطة والشفافية وتتجه نحو التنمية من أجل بناء مجتمع جديد على اسس حضارية سليمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً