أمير يُجبَر على الاجتماع مع طلبة يصرّون على إقالة عميد جامعتهم، طلبة محتجّون يُطلق سراحهم بعد سُويعات من إعتقالهم، جامعات تتسابق للإعلان عن حزمات من الإصلاحات… يبدو أن الطّلبة في المملكة العربية السعودية قد استوعبوا أهمّ دروس “الربيع العربي” بأن الحقوق لا تُنتزع إلا بالعمل الميداني الفعّال.
الأمر اللّافت للنظر هو أن طالبات جامعة الملك خالد في مدينة أبها جنوب غربي المملكة هنّ اللاّتي فجّرن هذه “الثّورة” عندما أضربن في 10 مارس عن الدراسة عقب قمع قوى الأمن تظاهرة نظمها نحو ثمانية آلاف طالبة احتجاجاً على قرار أصدرته إدارة الجامعة بسحب عمال النـظافة بحجة أن الطالبات لا يبذلن ما يكفي من الجهد لمراعاة نظافـة الأماكن التي يستخدمنها.
وأثبتت الفتاة السعودية بمبادرتها هذه أن الكرامة ومكافحة الفساد تهمّها في المقام الأول، وليس فقط قيادة السيارة، شأنها شأن الرجال.
“إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”
فتحرّك الشباب. وأثبت الطّلاب والطالبات أنهم “ليسوا مجرد أجساد تملأ المقاعد أو قطيع أعمى يقاد بصوت الراعي وجرس الكلب”، كما قال الكاتب جاسر الجاسر في صحيفة “الشّرق”.
وقد خصّت “الشّرق” حادثة الجامعة بتغطية واسعة، شأنها شأن الصحف السعودية الأخرى، شبه الرّسمية منها والرّسمية التي لم تستطع تجاهل هذا الحدث غير المسبوق.
وتسارعت الأحداث. فاجتمع أمير منطقة عسير فيصل بن خالد مع طلاب وطالبات الجامعة وشدّد على حرصه على تحقيق مطالبهم وأن مكتبه وبيته وهاتفه “مفتوح للجميع”.
وأكد الطلاب والطالبات على مطلبهم الأساسي ألا وهو إقالة مدير الجامعة الذي لم يحضر اللقاء. ووعدهم الأمير برفع الطلب للملك عبدالله بن عبدالعزيز.
وتم الاتفاق على لقاء سنوي يجمع طلاب الجامعة بالأمير لبحث مشاكلهم. وطالب الطلبة بوضع جدول زمني محدد لتنفيذ طلباتهم. فردّ الأمير بأن مطالبهم “سوف تتحقق في القريب العاجل”.
بعدها تمَ إطلاق سراح جميع الطلبة المعتقلين، نتيجة لإصرار الطلبة واستعدادهم لرفع سقف مطالبهم وكذلك لخشية السلطات من التصعيد بعد انتشار “حمّى جامعة الملك خالد”، بدأت الجامعات تتسابق للإعلان عن حزمات من القرارات المتتابعة التي كانت حبيسة الأدراج لسنوات.
وتفاوتت الطلبات ما بين الجوهرية والسّطحية. فمن مطالب بتحسين البيئة والكوادر التعليمية، إلى أخرى وصلت إلى الدعوة بالسماح بدخول حافظات الشاي والقهوة، والهواتف الذكية إلى رحاب الجامعة. وتجاوزت ذلك إلى مطالبة بعضهن بتغيير شكل اللباس الرسمي والسماح لهن بلبس … البناطيل، كما أفادت صحيفة “الوطن”.
وقرّرت إمارة منطقة عسير، لأول مرة، إشراك عشر طالبات من منسوبات جامعة الملك خالد والكليات والمعاهد في مجلس شباب المنطقة.
وتقرّر قيام وفد من وزارة التعليم العالي بزيارة لعدد من الكليات التابعة لجامعة الملك خالد في محافظات منطقة عسير لمعرفة احتياجات تلك الكليات.
ووعد وزير التربية والتعليم، الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، بدراسة مشكلة خريجات دبلوم الكلية المتوسطة وإنهاء معاناة أكثر من تسعة آلاف خرّيجة تقدمن بطلبات توظيف.
من جانبها تحرّكت “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان” لتدرس ملف أوضاع جامعة الملك خالد وتداعيات احتجاجات الطلاب والطالبات… والحبل على الجرّار.
إجراءات “تخديريّة”؟
وتتواصل المقالات الصحفية تتهاطل لليوم العاشر على التوالي تستقرأ دروس أحداث جامعة الملك خالد وتداعياتها.
يقول عبدالعزيز الدّخيل في “الشرق” أن “الطلاب والطالبات الذين اجتمعوا لرفع الصوت بالمطالب، فعلوا ذلك بعد أن فاض بهم الكيل وتقطّعت بهم السبل وسُدّ أمامهم الأفق وباب الأمل”.
ويضيف “وعلى الحكومة أن ترفع سقفها لسماع هذه المطالب والقبول بحق المواطن في رفع مطالبه والحديث عنها إن لم يجد مجيباً لشكواه”.
ويتفق معه عبدالعزيز جارالله الجارالله في “الجزيرة” بالقول أنه “لا يمكن أن تأتي الحلول فقط بإقالة مدير الجامعة أو محاسبة مدير عام الشؤون المالية والإدارية”.
ويذكر أن من بين أسباب “تفجّر الأوضاع” في جامعة الملك خالد “تردّي البنية التحتية لمعظم الجامعات الناشئة”. فـ”المباني متهالكة رغم صرف المليارات عليها والبرامج الأكاديمية غير متطورة”.
ويعلّق صالح الشهري في مقال في “الشرق” على حزمة القرارات التي أعلنت عنها الجامعات فيقول “الأمر لا يعدو كونه ردة فعل سريعة من أجل امتصاص غضب الطلاب عبر إجراءات ‘تخديرية’ لا يعلم عن حقيقة تنفيذها في المنظور القريب”.
ويرى الكاتب أن “ثقافة البشت عفا عليها الزمن” وأن “درجة الوعي والنضج لدى طالب الجامعة اليوم ارتفعت بدرجة قد لا يدركها ذلك المسؤول المتواري وراء عشرات الجدران والأبواب المغلقة، ولم يعد يفصل الطالب عن العالم سوى شاشة هاتفه المتحرك”. ويضيف “انتهى الدرس الآن، فهل استوعبته جيداً يا معالي المدير؟”.
مؤامرات خارجية؟
ويردّ عبدالعزيز السويد ضمنيا على رئيس الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، الذي حذر من “جهات خارجية” تسعى الى زعزعة الامن والاستقرار في بلاده، من دون ذكر إيران بالإسم.
يقول السويد في “الحياة” “لسنا بحاجة إلى مؤامرات خارجية، فعندنا ولله الحمد ما يكفي منها في الداخل”.
ويضيف الكاتب “إذا لم يكن الفساد مؤامرة، وإذا لم يكن تعارض المصالح واستغلال النفوذ مؤامرة، فما المؤامرة إذاً؟”.
صبّ الزيت على النّار
والحق يقال أن وساءل الإعلام الإيرانية واصلت صبّ الزيت على النّار.
فقد نقلت قناة “العالم” و”وكالة أهل البيت الأنباء” عن “مصادر المعارضة السعودية” خبرا مفاده أن “ملك السعودية أمر بتشكيل خليّة ازمة لمتابعة تطورات قضية الاحتجاجات والاعتصامات التي بدأت تشهدها مدن سعودية وطالب بالعمل فورا الى ايقاف هذه الاحتجاجات باي ثمن كان وتقديم اغراءات للطالبات في مختلف المجالات”.
ونشرت “تعليقا” يقول بأن “هذا القرار يثبت ان المسؤولين مازالوا يتصورون ان المواطنين عبيد لهم يشترون ولاءه بتقديم وجبات غذائية رخيصة الثمن”.
وأضفت القناة والوكالة “تعليقا آخر” يؤكّد بأن “النظام السعودي ادرك ان ‘عصاه’ لم تُخف الطالبات وهل يتصور النظام انه بتقديم ‘الجزرة’ سيُسكت عشرات الآلاف من الطالبات على الفساد السياسي والاقتصادي الذي ينتشر في عموم المملكة؟”.
اترك تعليقاً