هل أخطأنا الطريق إلى الكرامة ؟ هل أخطأنا في استعمال الحرية؟
هذان السؤالان مازالا يلحان عليّ وأنا اسمع ما يحدث من شباب بعض الدول في الخارج وفي الداخل . ويذكرانني بنكته ظهرت في مصر الكنانة في أوائل ثورة 25 يناير , وتقول , “إن الشعب خد حريته بس ماخدش الكتالوج و قاعد يدوس على كل الزراير”
وعلقت على ما يحدث من فوضى , فقلت:- الحرية فكرة رائعة و حق من حقوق الإنسان , ولكن كثيرا ما نخطئ في آلية تنفيذها , فتتحول إلى فوضى..
الطريق للحرية والكرامة لا يكون إلا بالعمل , بالعمل الجاد المخلص , وبالإنتاج , فلقد صدق من قال ” لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع” وأظنها كانت للمهاتما غاندي .
طريق الكرامة ينبع من الإنتاج والعمل المخلص , ولا يأتي بالصراخ وسب الآخرين وانتقاص كرامتهم .
أقول هذا بعد أن رأيت وسمعت ما يحدث في مصر الكنانة من تهجم على سفارة دولة عربية , وما لحق هذا من وصلة ردح بين الشباب العربي , سب وشتم وقذف بمختلف الأسلحة اللفظية , والصور .. أهكذا نكون قد حصلنا على الكرامة ؟ أبهذا نكون استخدمنا الحرية التي ثار من أجلها الشعب؟
استخدام الحرية غير المنضبط يؤدي إلى شلل الأمة , وخسارتها . .. بل ويؤدي إلى فقدانها , وفقدان الكرامة معها,
نحن بحاجة لمعرفة آلية استخدام الحرية وضوابطها,
تذكرت ما كان يحدث في ميدان التحرير أيام الثورة , وتلك الحرية المنضبطة , وذلك الاعتزاز بكرامة المصري ,حينها كان يجاهد ويمارس حريته , وفي نفس الوقت كان يحترم كل من حوله , مما أكسب ثوار ميدان التحرير احترام العالم كله.
أين هؤلاء ؟ أين القيم التي ظهرت في ميدان التحرير؟
قضية الجيزاوي , بغض النظر عن كل ما قيل فيها . كان يمكن معالجتها دون الحاجة إلى كل ما قيل , ويقال من سب وشتم , كان يمكن التعامل معها دون أن يخسر جزء من شعب مصر الكنانة جزءا من شعب الخليج العربي والعكس , فمن سب دولة يجب أن يتوقع انه سيجد في الطرف الآخر من يسب دولته , فلا يتوقع أن يسمع احد السب ولا يرد . ولهذا منعنا الله من سب آلهة الكفار , بقوله تعالى { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }
التصعيد الرهيب الذي حدث ينذر بعواقب وخيمة , أولها سحب السفير السعودي من مصر . ويجب أن تتوقف عند هذا الحد , فكرامة مصر أو كرامة السعودية لن تنال بالسب والشتم والهجوم على السفارات , بل بالاحترام المتبادل,
كم كنت أحب أن يقتصر اعتصام الأخوة الذين اعترضوا على إلقاء القبض على احمد الجيزاوي حضاريا , يعكس حضارة وثقافة شعب مصر الأصيل , كما عكسه ميدان التحرير.
كم كنت أحب أن يؤلف وفد من المعتصمين لقابلة السفير , وزيارة السجين , وتقصى الحقائق.
كم كنت أحب أن يعطي شباب مصر صورة مشرقة لاستخدام الحرية , ليس فيها وصلات ردح وسب وشتم.
كم كنت أحب أن يكونوا مثال يحتذى به.
ستظهر بين فينة وأخرى مشاكل بين الدول العربية , فهل سنعاملها بنفس الطريقة؟
كنا سابقا نلوم الحكام , ونلوم القائمين على أمور الدول العربية في أنهم سبب للخلافات والافتراق والتشتت , وكنا نسمي جامعة الدول العربية ” نادي الحكام العرب ” وننفي صلته بالشعوب العربية . ولكن ما حدث ويحدث الآن يجعلنا نعيد التفكير , فربما كان العيب فينا نحن , نحن الشعوب.
أطلق على الثورات العربية أسماء خاصة بي , وكان أسم ثورة مصر ” ثورة الدموع ” لأني كنت لا أتوقف عن ذرفها , حينا سعادة بما ينجزونه على الميدان من أخلاق , وما ينجزونه على الساحة السياسية من انتصارات , كانوا خير مثال للنضج العربي . للأخلاق العربية .وحينا حزنا على شهيد وقع أو جرح أصيب , أو اسمع بمن يتآمر على الثوار . فماذا حدث؟
هل كرامة مصر هي في إهانة غيرها ؟ ولا أقول ألا بئس السبيل لنيل الكرامة باهانة غيري . والله لهو الطريق الخطأ , ولن يؤدي إلا إلى مزيد من انهيار الكرامة.
طريق الكرامة هي باحترام الغير . وبوضع قواعد للتعامل مع الغير . قواعد لا تحتوى على قاموس الشتم و الإهانة , بل على قواعد وضعها شعب مصر في ميدان التحرير.
وهذا ليس لمصر فقط , بل ولجميع الشعوب العربية , يجب أن تكون هنالك ضوابط للحرية , ضوابط تجعلنا لا نهين الآخرين ,فللآخرين قدرة على أهانتنا,
إن مبدأ العين بالعين يجعل العالم بأكمله أعمى , إذا طبق بين الشعوب . وقد يقول قائل إن مبدأ العين بالعين ذكر في القرآن الكريم , فأقول له , بين الأفراد وحقوقهم وليس بين الشعوب , فكل نفس بما كسبت رهينة.
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي.
صالح بن عبدالله السليمان
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً