العنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً … وتلك الأصوات المتشنجة التي تدعوا الى “سحق” أنصار الشريعة عقب أحداث بنغازي الدامية بالتأكيد لا تدرك بأنها تدفع البلاد للغرق في دوامة حرب دموية لن تنتهي وستستمر لعقود. وأن الحرب ضد هذه الفئة لن تكون حرباً تقليدية ضد جماعة محددة في ليبيا انما هي اعلان حرب مفتوحة ضد تنظيم دولي واسع الانتشار وبالغ التعـقيد …! هذا يعني سيناريو “أفغـنة” للحالة الليبية. بل أسوأ لأن ليبيا لا تملك أي سيطرة على حدودها مع أي من دول الجوار.
لا ينسى أولئك المتحمسون لهذه الحرب الجديدة ممن لازالت تُسكِر عقولهم نشوة النصر في حربهم الأولى، بأنهم لن يواجهوا جيشاً متردداً بين أن يقاتل أو يرجع لحال سبيله لأن من يقاتلهم هم أهله في الجانب الآخر، ولن تواجهوا جنديا مكرهاً على الحرب فيقــرر بأن يلقي القنابل دون أن ينزع صمام أمانها فتسقط تحت قدميكم كحجر أصم. هذه الحرب لن تكون نزهة في غابات الجبل الأخضر وأزقة بنغازي وطرابلس وسرت وغيرها ولن تكون رحلة صيد في صحراء الجنوب. بل ستجعلون من ليبيا ساحة حرب مفتوحة ضد من يوصفون بـ “الإسلاميين” من كل أنحاء الدنيا.
ليس من الحكمة اختيار اعلان الحرب ضد هذه الجماعات المسلحة. ونعـتقد بأن هذا سيناريو مُعَـد لليبيا الجــديدة بأن تكون ســاحة حرب جــديدة لتصفية الإسلاميين والتخلص منهم وربما ستكون ليبيا ســاحة بديلة للساحة الســورية المقبلة على حلحلة الأوضـاع وحسم المعركة. وبالتأكيد لن يسمــحوا لمن يصفــونهم بـ “الإسلاميين المتشددين” بالبقاء والاستقرار بجوار دولة الاحتلال الإسرائيــلي. فلابــد من خــلق بؤرة صـــراع إســلامي-إســـلامي آخر وسحب هؤلاء المتــشددين إلى منطـقة نزاع أخرى للتخلص منهم في مكان آخر بعيداً عن فلسطين. ويدركون بأنها حرب ستمتد لسنوات طويلة قـد لا تنتهي أصلاً. والذين يعولون على الغرب فإننا نذكرهم بأن ليبيا لن تكون بأفضل حالاً مما حدث في أفغانستان والصومال…!
ان مآزق ازدواجـية المعايير في ليبيا الجـديدة هو ما سيظل يصدمها بالحائط ويجعلها تتخبط وسط دوامة من ضياع الهــوية والحيرة بين أن تكون دولة ديمقراطية قادرة على احتواء ما خلقته الظروف السياسية من اختلافات وتباين في الآراء والقدرة على الحفاظ على تناغم مكوناتها السياسية والاجتماعية والايديولوجية أو البقاء في هذه الحالة من الفوضى والتخبط والانقسام ومستنقعات الدم.
فلماذا تتقبل ليبيا أن تخترق سمائها راية الأمازيغ وراية برقة وراية الاستقلال وكل رايات الكتائب والمليشيات السياسية والقبلية بدريعة التنوع والتعددية وحرية الرأي بينما ترفض في المقابل الراية التي يرفعها أنصار الشريعة؟ رغم أن تلك الفئات أيضاً اتخذوا من العنف واستخدام السلاح وسيلة لتلبية مطالبهم ورغباتهم ورؤاهم حتى فيما يتعلق بشكل واسم الدولة.
ألا تنطبق على هؤلاء مبادئ حرية الرأي وحرية التعبير؟ وما مبرر أن تضيق سماء هذه التعددية “الفضفاضة” برايتهم التي اختاروها لأنفسهم. خصوصاً وانه لم يتم استفتاء الليبيين أصلاً على راية تجمعهم؟ وكيف تكون الدعوات الانفصالية وجهة نظر وحرية رأي بينما نتعامل مع دعوات أنصار الشريعة بكل هذه الحدية وهذا التعصب الى درجة اعلان الحرب ضدهم؟
ان خلق حالة العداء ضد أنصار الشريعة بحجة انهم متطرفون هو تطرف وتعصب غير مقبول وغير مبرر أيضاً. وهذا الموقف العدائي المتطرف لن يؤدي الى حلحلة الموقف بل سيؤدي الى مزيد من التأزم والتعقيد والى نتائج لا تحمد عقباها.
ان موقف جضران وجماعته المسلحة واستخدامه القوة واحتلاله للموانئ النفطية وكذلك الحال بالنسبة لمليشيات غرغور التي فتحت النار على المتظاهرين دفاعاً عن بقائهم في العاصمة ليسوا بأقل تطرفاً من جماعة أنصار الشريعة. فالتعصب والتطرف واللجوء للعنف لفرض أي رأي لا يختلف في جوهره وان اختلفت أشكاله سواء كان قبلياً أو دينياً أو جهوياً أو لأي أيديولوجيا كانت.
ان الاحتكام للمواجهات المسلحة الدامية في حل أزماتنا لن يقود البلاد إلا إلى الغرق في طوفان من الدم. والدخول في دوامة عنف لن تخــرج منها ليبيا للأبـــد … انها حروب لن يكون فيها أي منتصر سوى الموت والهلاك للجميع. ثم ولا ننسى بأن حاملي مثل هذه الأفكار والمعتقدات يكاد لا يخلوا منهم أي بيت ليبي. أفلا يكفينا تشرذما وانقسام؟
ان الاحتكام للسلاح يهدم ولا يبني وطناً. ومن أجل ليبيا ان كنا حقاً ننتمي لهذا الوطن، علينا أن ننبذ التعنّت والاستعلاء وكل أشكال التطرف سواء العلماني أو القبلي أو العرقي أو الديني وغيره … فالتطرف والتعصب لا يختلف في جوهره وان اختلفت معتقدات صاحبه وتوجهاته. علينا أن نهدم هذه السياجات العقــائدية والأيديولوجية التي تأسر عقولنا وأن نصغي للآخر المختلف عنا وبدون أية أحكام مسبقة.
وكذلك ما تمارسه وسائل الاعلام التي تدق طبول الحرب ضد هذه الفئة أمر غير مبرر، وكان الأفضل اللجوء الى خطاب التهدئة لا التحريض وتأجيج مشاعر الغضب. انه ليس دفاعاً عن أي فئة ولكن من أجل تجنيب البلاد الانزلاق في مستنقع دم آخر. فليس هناك أي مبرر أن تتخذ وسائل الاعلام من مكالمة شاب متهور حجة عليهم ونرفض حتى مجرد سماع نفي علاقتهم به وأن ما قاله ذلك “الشاب” لا يمثلهم. ولقد قال الحق عزّ وجل: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا).
إن الحوار الموضوعي والبناء هو طوق النجاة الوحيد لإنقاذ الوطن وإنقاذ أنفسنا من تطرفنا ووحشيتنا وهذه الأنانية والشوفينية المفرطة التي نعاني منها … علينا أن نتخلص من عقدة أننا وحدنا من نمتلك الحقيقة المطلقة والنهائية أو أن ما ننادي به هو الحل النهائي والقطعي الذي لا يقبل الجدل ولا النقاش وكل من لا يتبعنا فهو باطل وكافر وخائن، يجب القضاء عليه والخلاص منه.
(ان الاحتواء لا الإقصاء هو سر البقاء، وسر نهضة الأمم والمجتمعات)
وحفظ الله ليبيا وأهلها
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يا كاتب المقال هولاء جراثيم وافات وليسوا باخواننا وليس لهم الحق بحمل راية المقبور بن لادن ولا رايات المتخلفين عقليا طالبان وسنقاتلهم الي اخر ليبي وان كنت انت معجب بهم افتح لهم بيتك وخلي رايتهم المعفنة ترفرف فوق حوشك
بارك الله فيك..وهذا هو عين الصواب والكلام المتزن والحوار دائما يأتي بخير.
فعلا ان ليبيا لايمكن الوصول الى بناء دوله الا بالتوافق والمصالحه وعدم الاقصاء عن طريق الحوار دون غيره
هم ليسو اخوتنا من يقتلنا وياول فرض رايه بقوة السلاح لامكان له بيننا ,, اما اسلوبك في محاولة تلطيف الوضع مع هؤلاء القتلة فلا مكان له