ما حدث في هذا الأسبوع من محاولة عرقلة تقدم القوات المسلحة نحو سرت ممن هم في هرم الرئاسي وما أعقب ذلك من استئناف إنتاج النفط بحقل الشرارة والفيل ثم توقفه ينم عن عدم وجود تواصل، وبالتأكيد لا وجود لسياسات مرحلية أو إستراتيجية للرئاسي على المدى المنظور.
تتزاحم القنوات ليل نهار لعرض تحاليل إخبارية، ويتقاطر المحللون بالمدح أو الدم لمواقف الدول مثل تركيا ومصر، ويلهث البعض وراء دور أمريكي، ويتأسف البعض الآخر لدور روسيا المتخاذل، ولكن السؤال المحوري ما هو الموقف السياسي الليبي؟ وما دوره؟ وأين الرؤية السياسية؟ إذا تم التسليم بأن حفتر مشروعاً إقليمياً مدمراً لتطلعات الأمة، وأنه قد انتهى كفرد بسبب الهزيمة العسكرية، فإنه يحتاج لخطة سياسية بديلة لينتهي لمشروع.
من الواضح أن العسكريين والوطنيين الأحرار قد قاموا بما عليهم وأكثر، عندما ألحوا على الرئاسي بالذهاب إلى المواجهة ورفض التنازل للاستبداد، وهو ما حدث كذلك في الحروب الثلاثة السابقة، فهل تستمر السياسة في مراقبة الانتصارات العسكرية التي تبهر الشرق والغرب، أم يكون لها رؤية سياسية تشد من عضد الجبهات وتدعم موقف الصديق ويجد فيها المشكك الأجنبي تطمينات لمصالحه ويرى فيها العدو قوة لمنع تدخلاته، أم يُترك الأمر لمبادرات سمجة يكون فيها الليبيون مفعولاً بهم ومصالحهم خارج السياق.
المبادرة المصرية – الروسية تعطي دلائل ولا تطرح حلول، فهي تقول أن المراهقين السياسيين حفتر والإمارات أصبحوا خارج اللعبة، وانتهائهم مسألة وقت، وأن تنصيب العسكر بالقوة من الماضي، وأن المبادرة تحاول صنع جسم سياسي في الشرق الليبي يقوم بالتفاوض مع الرئاسي لتكوين مجلس رئاسي وحكومة على أسس ثلاثة أقاليم، وهي محاصصة لتقاسم السلطة؛ ستفضي إلى سلام مؤقت يؤدي إلى توقيع عقود إعادة إعمار مع الشركات الروسية والمصرية وعودة العمالة المصرية إلى ليبيا، يتم خلال الهدنة إيجاد مغامرين عسكريين جدد لقلب النظام ونمدجة نظام السيسي من جديد بفرض التخلص من (المليشيات كبند للاتفاق وبقاء الجيش العربي في برقة)، وفي الحالتين يتم إجهاض أمال الشعب الليبي في التغيير، واستمرار حالة العنف.
المشكلة الليبية عند الكثير من الوطنيين واضحة؛ وهى مناقضة لتوجهات مستشاري الرئاسي، ولذلك لم يتم تبني بنودها بل يُدفعون لها دفعاً؛ والتي يمكن ضبطها زمنيا في ثلاثة بنود: الأولي توحيد أراضي الدولة تحت سلطة واحدة، ينتج عنها توحيد المؤسسات، ودفع عجلة الاقتصاد للعمل.. والثانية إنهاء المراحل الانتقالية بوجود دستور دائم وهو الضامن لتحديد شكل الدولة ونظام الحكم والفصل بين السلطات وتوفير الإمكانيات للمجتمع.. والثالثة إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية؛ ومنها الجيش والشرطة والقوة المساندة والاستخبارات وغيرها.
الأولى زمنياً والأكثر إلحاحاً وضرورة إعادة توحيد أراضي الدولة، وهو لا يحتاج إلى تفاهمات من مصر ولا روسيا ولا (السودان)؛ فدعم قوات الجنوب التي أبدت استعدادها للتعاون مع الوفاق ضمن لواء الجنوب (الذي نستغرب كيف انسحب من تأمين حقل الشرارة) سيكون رادعاً لفلول حفتر، وخاصة أن فرنسا التي كانت وراء الهجوم على حقل الفيل وأوباري قد تغيرت سياساتها، أي أن ضم الجنوب لا يحتاج إلا إلى معركة فاصلة تقل كثيرا في ضراوتها عن ضم خمسة مدن في الغرب الليبي منذ شهر.
أما الشرق الليبي فلا يحتاج إلى قوة عسكرية من خارجه؛ بدخول قوات الجيش والقوة المساندة إلى سرت وضم قاعدة القرضابية والجفرة، سنرى هروب فلول الأزلام وخروجهم من المشهد، مع تقاطر المجموعات المناوئة لحفتر من مجلس ثوار بنغازي وقوات جضران للمساندة في تحرير الهلال النفطي، وعندها، ينفرط عقد الفيدراليين والتحالف القبلي الهش من حفتر وتتحرك القوى الوطنية في الشرق الليبي (وهم كثيرون) لتأخذ بزمام الأمور والقضاء على مشروع حفتر وأذنابه.
هذه الخطوات المنطقية التي تعتمد على إدارة أزمات الحرب وليس انتظار نتائج المعارك، تفضي إلى رمي معظم التحليلات السياسية الحالية عن دور مصر والإمارات وروسيا وحتى أمريكا في سلة المهملات. فقبل أربعة أشهر كنا نتحدث عن حسم معركة طرابلس وترهونة، وكان البعض يعتبر ذلك (هرطقات)، بل وصل ببعض الدول منها الإمارات ومصر إلى الإيمان بحتمية سقوط طرابلس، ووُضع سيناريو لإسقاط الحكومة التونسية عن طريق تجنيد عملاء من الشام وتدريبهم في الوطية (التي ستصبح جزء من حكومة حفتر) ثم الدفع بهم خلال الحدود للقيام بالتفجيرات داخل تونس من تأجل تأليب الشعب على الحكومة والرئيس، وبمساعدة إعلامية من قنوات عرب الهز وعرب الأرز، وبعد فشل السيناريوا كشر النواب (السمسارة) عن أنيابهم لخلط الأوراق، ولإبعاد الشبهة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكننا نقول ما قال الله تعالى “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) سورة الرعد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً