جيش الدولة هو الحصن الحصين والدرع المثين والملاذ الأخير لحماية الدولة من أعدائها، الجيش مؤسسة مهنية تحكمها قوانين القيادة والسيطرة في تراتبية واضحة المعالم، ولا يعرف الجهوية أو القبلية أو الفئوية الضيقة. الجيش في الدولة الحديثة لا علاقة له بالسياسة ومتغيراتها ومناكفاتها، ولا توجد له إتصالات مع الخارج إلا عن طريق الحكومة التابع لها، وهي سلطة مدنية تقوم بإدارة شئون الدولة، أي أنه ليس هناك جيش تابع لمجلس النواب أو مجلس الدولة أوالقبائل أو المدن، ووجود هذه الأنماط من القوى المقاتلة كثيرا ما تكون ضد تطلعات الشعب وأمنه وإستقراره، ومبرر لإرتمائها في احضان الممول الخارجي أو الفئوي المصلحي الداخلي.
الجيش العربي الليبي منذ إنطلاقه كان جيشا فئويا، فعندما نتحدث عن ليبيا فهو جيش برقة، وعندما نتحدث عن برقة فهو جيش الفرجان والعواقير، وينتهي الأمر إلى أنه جيش ثلاثون ضابطا من قيادات العهد السابق لهم رؤية واحدة في إستخدام الدعم الخارجي لإحداث تغيير ديموغرافي في بنغازي تباركه القيادات القبلية في الشرق الليبي. فكم من القيادات في الجيش العربي الليبي من البيضاء، وكم منهم من درنة أو أجلة أو شحات، ناهيك عن أن يكون لهذا الجيش تواجد لضباط من الزاوية أو نالوت أو هون أو جادو أو العجيلات وصبراته. هذا الجيش يذكرنا بالجيش العربي السوري العلوي الذي دمر وأحرق المدن السورية من أجل بشار والمقربين منه.
كثيراً ما يفرح العامة من إنتصارات موهومة، والحال كذلك في بنغازي، أي الإنتصار لمن وعلى من؟ ليس هناك عدو خارجي ولا قوات أجنبية غاشمة سوى تلك الداعمة للمنتصر، إنتصار بعد ثلاث سنوات من الدمار والقتل والتمثيل بالجثت، جُندت له طائرات مصرية وإماراتية وفرنسية ومخابرات أجنبية (رغاته حربية بالليبي) لدحر أبناء المدينة، أبناء الصابري وسيدي خريبيش وسوق الحوت، ابناء العائلات المدنية في وسط بنغازي وجلها من أصول المنطقة الغربية من زليطن ومصراته والخمس وبعض مدن الجبل ممن إتخذ بنغازي موطنا له في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، هولاء لهجتهم لكنتهم تضخيمهم للحروف بنغزينو قالبا وقالبا.
العنف لا يجلب إلا العنف والقتل والدمار، كان يعتقد مهندسوا عملية الكرامة وداعميهم من الدول المساندة لهم أن الحرب في بنغازي ستكون فسحة، تنتقل بعدها إلى كل مدن ليبيا، ولكن حساب الحقل يختلف عن حساب البيدر، كان الإنتصار الباهت في بنغازي بعد ثلاثة سنوات عجاف (وقد لا ينتهي)، فقدت بنغازي أكثر من خمسة عشرة ألف من أبنائها المغرر بهم بإسم محاربة الإرهاب، وسيستمر الخمسة والعشرون ألف في تذكر ويلات الحرب بسبب بثر أطرافهم أو ملازمة عللهم الصحية والنفسية.
القائمون على الحرب يلبسون البزات البيضاء ويضعون النياشين على صدورهم لتطهير أنفسهم من ادران الحرب القبيحة والظهور بمظهر الصقر الوحيد المنقذ للوطن، والمطبلون لن تتوقف شطحاتهم وليس لهم إلا الفتات، أما الموسومون بالحرب فسيعانون مثالبها طوال حياتهم، أتذكر جليا إحدى أقاربي أصيب بشطية من مخلفات القنابل الإيطالية في نهاية الأربعينات وهو صغير، فكان له ان يتعثر عند المشي طوال خمسة عقود لاحقة.
للإسف لم تظهر بوادر إنفراج للإشكالية الليبية بعد، ففي الشرق الليبي يستقوي خليفة حفتر بدول المقاطعة، يتعلق أهل شرقنا بقشة ولو كان جيشا عنصريا يترصع ببقايا العهد المباد وشرادم العدل والمساواة الذين سئمنا مشاهدة وجوههم الدميمة كلما نشر منظر تمثيل بالجتث أو تعديب للأسرى في بلدهم، وفي الغرب الليبي لازالت حكومة خليفة آخر؛ (الغويل) يعتقد أنه ظل لله على الأرض ولن يتنازل عن الحكم بالود ولا بالسلاح ويهدد ويتوعد بدخول العاصمة في كل حين، هذا غير الرفض الكامل لشخصية حفتر كقائد للجيش في الغرب الليبي عند الصغير قبل الكبير، ويشارك في ذلك رجالات العهد السابق وأبناء 17 فبراير وطالبوا العودة لمدنهم وقراهم، والرافضون للجيش العنصري، أي ان أمل قائد النصر في بنغازي أن يكون قائدا للجيش المصري أقرب إليه من أن يكون ضيفا لإستعراض عسكري في ميدان الشهداء. نعم هناك تقدم في تقليص عدد المجموعات المسلحة في طرابلس وذلك تبعا لخطة باولو سيرا وسيستمر ذلك ولكن قد يأخد وقتا ليس بالقليل.
خلاصة القول أنه ليس هناك جيش بلا سُلطة موحدة ولا دور له في المرحلة القادمة، وأن الدولة الليبية لم تتحرر ولم تولد إلا بإجماع أممي في سنة 1949م، ولم تتحرر من الطغيان في سنة 2011 م إلا بتدخل أممي، ولم يكن إتفاق الصخيرات إلا بإجماع الدول الكبرى، فهل نرى دورا جديدا للأمم المتحدة ومبعوثها الجديد إلى ليبيا لفرض الإتفاق على ساسة لا سياسة لهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
السلام عليكم
بارك الله فيك لقد تكلمت بلسان شرفاء ليبيا ليبيا التى دفعت الاف الشهداء والاف الجرحى لتتخلص من حكم العسكر لا يمكن ان تعود بعد هذا التمن الغالى لحكم عسكرى أسير حرب .