نحن الآن في العقد السادس للقرن الواحد والعشرين، عقد تعميم الأنظمة الإلكترونية على مستوى العالم، عقد الوفرة العالية للدخل والخدمات، عقد الطاقات البديلة بأسعار ضئيلة، جميع ما حولنا في البيت أو العمل يدار آليا أو عن بعد، الفضل في ذلك إلى التقدم الكبير في المنظومات الإلكتروميكانيكية، والشرائح المدمجة التي أصبحت بسعر التراب.
مع إشراقة شمس 2060م – 3010 ⵥ، وصل عدد سكان ليبيا إلى 14 مليون نسمة وهناك خمسة ملايين مغترب يعملون في ليبيا التي تعتبر ورشة كبيرة للمصريين والشعوب الإفريقية جنوب الصحراء، إضافة إلى وكلاء الشركات الكبرى من دول الشمال.
تغيرت ليبيا كثيرا منذ ثورة التغيير سنة 2011م فلقد استقرت الأوضاع السياسية في منتصف العقد الثاني وبدأ واضحاً التغيير الاجتماعي العميق بنية المجتمع من النمط القبلي البدوي إلى المستوى الحضاري المتفتح، أصبح للدولة مجلس نيابي متطور وحكومة تعتني بشؤون الدولة، وهناك مؤسسات فاعلة يديرها جيل مسلح بالمعرفة التقنية، والانفتاح المعرفي على العالم، أساسياته، إدارة الموارد والوقت، الإدارة اليوم هي المحرك لاقتصاد الدولة.
في ثلاثينات والأربعينيات من القرن الواحد والعشرين تم تنفيذ معظم مشاريع البنية التحتية، مثل صيانة المستشفيات واستكمال مشاريع الشركات الصينية التي وزعت على شركات تركية لاستكمالها، مع فتح المسارات للطرق واستكمال شبكات المياه وتعبيد الطرق في الكثير من المدن، كما تم تنفيذ قطار الساحل السريع بين مصر وتونس وخط الجنوب إلى سرت سبها ثم تاجرحي- أغاديس في النيجر، والخط الآخر سبها غات تمبكتو، أما سرت فلقد بني فيها أكبر منطقة حرة في العالم تأتيها البضائع من شرق أسيا والأمريكيتين لتوزع على أكثر من مليار ونصف نسمة في أفريقيا، ويستقبل مينائها البواخر العملاقة للتفريع والشحن على مدار الساعة.
وجود بنية تحتية جيدة ساعد على تنويع النشاط السكاني، أصبحت التجارة وإعادة التصدير من أهم مصادر الدخل للدولة والتي انخرط فيه قطاع كبير من الليبيين، خاصة بعد استكمال وتعميق أكثر من ثمانية مواني على البحر المتوسط، يأتي بعده قطاع الطاقة بنوعيه الأحفوري الذي استكمل تنفيذ أربعة منصات بحرية وهي منصتي الامتياز (NC41-G1) التابعة لشركة إيني ومنصة توتال الثانية على الامتياز (NC137A,K) وحقل هس شمال سرت رقم 54 لاستخراج الغاز وبداية الإنتاج لحقل NC 7 وحقل NC100 جنوب نالوت، أما إنتاج الطاقة الأهم فهو تحويل الطاقة الشمسية في صحراء الحمادة بالخلايا الشمسية، ولقد ساعد على ذلك التقدم الكبير في إنتاج الخلايا الشمسية وتخزين الكهرباء بكفاءة عالية، كما أن نقل الطاقة من ليبيا إلى أوروبا أصبح ممكنا بوسائل حزمة الأشعة الليزرية التي تستقبل في شتى المدن عبر المتوسط بجنوب أوروبا لتدخل شبكات تلك الدول بعد إعادة تحويلها إلى كهرباء بنوعيها المستمر والمتردد.
قطاع الطاقة لم يتوقف عند تصدير الغاز مع انخفاض الطلب على النفط الخام، بل هناك الكثير من المجمعات البتروكيميائية الصناعية التي تعتمد في تشغيلها على المشتقات النفطية، منها مجمع رأس لانوف الثاني ومليته الثاني ومجمع البريقة، كما ساهم إنتاج الطاقة الرخيص والنظيف في توفير المياه المحلاة من البحر في معظم المدن الليبية، إضافة إلى استغلال مياه العوينات والكفرة الضخمة في الزراعة.
أما القطاع المهم الثالث فهو قطاع السياحة، الذي ساهم في تنميته القطاع الخاص في، بعد عودة الليبيين من الخارج ومساهمتهم الفعالة في بناء الآلاف الفنادق في مدن سياحية على البحر وفي الجبل والصحراء، وإعادة الدولة الاهتمام بالأماكن الأثرية والسياحية، حيث بلغ عدد الزوار أكثر من خمسة عشرة مليون سائح سنويا.
تعميم الرخاء والوفرة غير من وجه الكثير من المدن الليبية، طرابلس والزاوية والعزيزية أصبحت مدينة واحدة، ينتشر بها البناء العضوي لدور واحد واختفت معها العمارات العالية إلا للمجمعات التجارية ومقار الشركات، الجنوب الليبي تغير كثيرا، فسبها عاصمة الجنوب أصبحت ملتقي خطوط التجارة إلى النيجر ومالي ومنها إلى دول جنوب الصحراء، أما بنغازي فأصبحت العاصمة الاقتصادية، التي تتجمع بها مقار الشركات العاملة في البريقة ورأس لانوف ومصانع التحويلية جنوب بنغازي، رافق ذلك عودة الآلاف من المهجرين من الداخل والخارج وتدفق الكثير من العائلات بالغرب والجنوب الليبي للسكن في بنغازي وسوسة ودرنة، أصبح الجبل الأخضر من أشهر المناطق لإنتاج الكروم مثل العنب والفواكه، إضافة إلى تطوير المناطق السياحية في راس هلال وسوسة وخليج بومبا، كما أن توفر المياه من التحلية جعل الزراعات أكثر إنتاجا في المنطقة الشرقية.
على المستوى الثقافي الليبيون ومن معهم من المغتربين والوافدين يتكلمون بكل اللغات واللهجات، لم تعد النزعة العرقية أو القبلية مقبولة، ولا قيم البداوة، بل لم يعد هناك من يفتخر بعنتر وأشعار مجنون ليلى، ولا بصلاح الدين وعقبة بن نافع، ولا من يلعن أبولهب ومسيلمة الكذاب، بالمثل كتب التاريخ العام الليبي الصادرة حديثا تجاوزت حكم الاستبداد الجماهيري وثقافة الصحوة الفاشلة وجيل الصحوة المغرر بهم، وفوضى العمالة للخارج من عقيلة صالح وحفتر والمشري وبرلمان العار، بالمثل تغافل عن أشباه الثوار والمجموعات المسلحة والحروب العبثية.
ثقافة الليبيين في العقد السادس، أن العمل عبادة والمنافسة الشريفة ظاهرة واضحة على مفهوم الربح للجميع (win win)، وتكافؤ الفرص حق للجميع تبعا للمهارات الشخصية، واللغة الإنجليزية هي الوسيلة للتعامل مع معظم مجريات الحياة، والثقافة الرقمية هي المحرك للنشاط اليومي للأفراد، كما أن التفكير الإبداعي المستمر مع المبادرة والإيمان بلا مستحيل هو الدافع والمحرك لهذا الجيل، ساعد عل تغيير الثقافة تعليما راقيا بوسائل الاتصال عن بعد ومكتبات إلكترونية في متناول الدارسين والاستفادة من تجارب الآخرين، أما الصحة فتعتني بها الأجهزة الشخصية بما يسمى نظام المراقبة الصحية (Online health monitoring system) وهي مدمجة ضمن وسائل الاتصال التي تستعمل برامج التعرف على الأصوات للتعامل (Voice recognition software)، كما أن المنظومات الكهروميكانيكية ساهمت في تطوير العمليات الجراحية مباشرة وعن بعد.
لم تعد لمصر ولا دول الخليج أي أهمية في الشأن الليبي بعد أن تغيرت أحولهما، في مصر نضب نهر النيل بعد قيام إثيوبيا والسودان ببناء الكثير من السدود وتحكم أوغندة في بحيرة فيكتوريا، مما جعل الزراعة متدنية على نهر النيل، أدت إلى ثورة (العيش) التي أنهت حكم العسكر لأول مرة، رغم ذلك هاجر الكثير من المصريين إلى السودان للعمل في الزراعة، وتحول اقتصاد مصر إلى الإنتاج الصناعي للمنتوجات الاستهلاكية الزهيدة الثمن أسوة بالتجربة الصينية، أما دول الخليج فتحول معظمها إلى ملكيات دستورية بعد أن خسرت السلفية مواقعها في السعودية وتنامي المد الوطني ضد الأسر الحاكمة الاستبدادية، إضافة إلى فقد النفط قيمته بسبب شيوع استعمال مفاعلات الاندماج النووي والطاقة الشمسية من دول شمال أفريقيا الأقرب إلى مناطق الاستهلاك مما ساهم في انخفاض الدخل بشكل كبير.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً