يقود منصف المرزوقي المرشح نفسه للرئاسية حملة انتخابات فاشلة بعدما تدثر بغطاء حركة النهضة الإخوانية وميلشياتها وذخيرتها الانتخابية من الجماعات السلفية، وسط غضب شعبي يطالبه بالرحيل حيثما حل حتى أنه اضطر في أكثر من مناسبة إلى قطع اجتماعاته، مستنجدا بالحماية الأمنية ليعود مهزوما إلى قصر قرطاج يجر وراءه لعنة فشله في الحكم وتحالفه الانتهازي مع إخوان تونس.
وبدا المرزوقي الذي يحلو للتونسيين وصفه بـ”المؤقت” رمزا لليساري العلماني الانتهازي الذي تنكر لتاريخه كناشط حقوقي يدافع عن الحريات قبل سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ليرتمي في أحضان الإسلاميين مستنجدا بخطابهم التحريضي وبميلشياتهم في مسعى للتشبث بكرسي الرئاسة، رافعا شعار حملته “ننتصر أو ننتصر” وهو نفس الشعار الذي رفعه رئيس ساحل العاج، لوران غباغبو، الذي خسر الانتخابات في عام 2010 ورفض مغادرة الحكم إلا بعد تدخل القوة العامة.
تنصل المرزوقي خلال الكلمات القليلة والمقطوعة من قبل التونسيين الغاضبين من مفردات خطاب الحداثة الذي تدافع عنه القوى الوطنية والديمقراطية مثل “مدنية الدولة” و”حقوق الإنسان” و”مفهوم المواطنة” و”حرية المرأة” و”نبد العنف والإرهاب”، ليتبنى خطابا إخوانيا متشددا يحرض التونسيين على بعضهم البعض من خلال إثارة الفوارق الجهوية والنعرات القبلية، وهو خطاب لا يرى فيه التونسيون سوى ضرب لمفهوم الوحدة الوطنية في العمق ودعوة إلى الفتنة في مجتمع متجانس يفخر بالولاء للكيان الوطني.
ولم يتردد المرزوقي خلال حملته الانتخابية في انتهاج خطاب ديني مقيت يعكس حالة من العنف ورفض المنافسة الديمقراطية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية، حتى أنه استنجد بقاموس الجماعات الجهادية لينعت خصومه بـ”الطواغيت” في محاولة لاستمالة السلفيين علهم ينسوا أنه وصفهم خلال فترة حكم الترويكا بـ”الجراثيم”.
وأثار خطاب التحريض على العنف وتقسيم التونسيين إلى “مؤمنين” و”طواغيت”، وهو تقسيم اشد خطورة من تقسيم الغنوشي للمجتمع إلى “مسلمين” و”علمانيين، غضبا عارما في الأوساط السياسية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني الأمر الذي دفع براعي الحوار الوطني الاتحاد العام التونسي للشغل إلى لفت نظر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومطالبتها بمراقبة سير حملة الانتخابات الرئاسية.
والمرزوقي الذي عاقبه الناخبون خلال الانتخابات البرلمانية ولم يحصل حزبه بالكاد على أربع مقاعد في البرلمان الجديد، بات يراهن على أصوات قواعد النهضة وميليشياتها والجماعات السلفية للفوز في الانتخابات على حساب المرشح الأوفر حظوظ زعيم نداء تونس الباجي قائدالسبسي.
وعلى خلاف المترشحين الآخرين مثل مصطفى كمال النابلي ومنذر الزنايدي واحمد نجيب الشابي الذين يؤثث اجتماعاتهم أنصارهم ومؤيديهم فإن المرزوقي استنجد بروابط حماية الثورة الذراع الميداني لحركة النهضة، ليوهم التونسيين بأنه “محاط بطوق من الأنصار” وأنه “يحظى بتأييد شعبي” في البلدات والقرى والمدن التي يزورها.
وخلال الاجتماعات القليلة التي عقدها في محافظات سوسة والقيروان والمهدية جلب المرزوقي “حشدا” من روابط حماية الثورة لا ليقدم أمام بضع العشرات أغلبهم من المتطفلين برنامجه لرئاسة تونس، وإنما لـ”يمجد إنجازاته” التي لا تقنع أحدا، من جهة، وليشن هجوما على منافسه قائدالسبسي، معتبرا إياه “حلقة من حلقات الاستبداد” وهو تحريض واضح على استهداف نداء تونس.
وتجسيدا لمفردات خطاب التحريض على العنف هاجمت روابط حماية الثورة السبت أنصار قائدالسبسي في مدينة قابس التي تقع في جنوب البلاد فيما كتب عماد دغيج، الذي يعد من أبرز قيادات “الروابط” على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” بأن “حمام دم ينتظر التونسيين إذا انتُخب احد رموز النظام السابق، وخاصة الباجي قائدالسبسي”.
وحمل نداء تونس المرزوقي مسؤوليته كاملة بـ”جرّ البلاد إلى العنف والزج بها في أتون الفتنة”، لافتا إلى أن المرزوقي يقود حملة انتخابية “متجردا من الأخلاقيات السياسية وروح المسؤولية التي يفترض أن يتحلى بها رجل مترشح لأن يكون رئيسا لكل التونسيين لا رئيس عصابة من الميليشيات ارتكبت عديد الجرائم بحق التونسيين من السياسيين والمبدعين والمثقفين”.
وأمام إمعان المرزوقي في تحريض روابط حماية الثورة على العنف وشحنهم ضد قائدالسبسي، تحركت قيادات نداء تونس ولفتت انتباه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمخاطر خطاب الفتنة.
وقال الأمين العام لنداء تونس الطيب البكوش “إنه كان من المفروض حلّ حزب المؤتمر الذي يرأسه المرزوقي لأنه مدعوم من روابط حماية الثورة”.
ومن جانبه شدد محسن مرزوق مدير حملة قائدالسبسي على أن “المرزوقي يستهدف قائدالسبسي ويستنجد بالروابط الإجرامية والمنحرفين الذين أفرج عنهم طيلة ثلاث سنوات من حكمه”.
وبقدر ما أثار خطاب المرزوقي غضب السياسيين والتونسيين الذين يصرخون في وجهه أينما حل “ارحل”، بقدر ما “استنجد المؤقت المهزوز” بميليشيات النهضة والجماعات السلفية في ممارسة تشي بإصراره على البقاء ساكنا في قصر قرطاج.
وبعد إعلان خمسة أحزاب سياسية صغيرة تناسلت من رحم النهضة دعم المرزوقي، أعلن الثلاثاء حزب “جبهة الإصلاح السلفي” عن قراره بدعم المرزوقي، داعيا أنصاره إلى الاصطفاف وراءه والمشاركة الفعالة لإنجاح حملته الانتخابية.
وأرجع الحزب السلفي الذي كان رشح منقبة للانتخابات البرلمانية اختياره للمرزوقي دون بقية المترشحين إلى “ان رئيس الجمهورية الحالي معروف بالقطع مع المنظومة القديمة ومنحاز لصف الثورة والكرامة وتحقيق السيادة والاستقلال الوطنيين”.
غير أن المتابعين للشأن التونسي يشددون على أن “ارتماء” المرزوقي في أحضان حركة النهضة وميليشياتها والجماعات السلفية لن يقود ساكن قرطاج مؤقتا إلا إلى نكسة انتخابية ستفضي به إلى حالة من الإفلاس السياسي بعد أن تنكر لتاريخه وهجره رفاقه العلمانيون، ليكتشف أن الإسلاميين الذين جردوه من أية مصداقية لن يترددوا في أن يصرخوا في وجهه هم أيضا “ارحل” على وقع نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.
اترك تعليقاً