مع اقتراب موعد الانتخابات في 24 ديسمبر القادم، وما يكتنف ذلك من غموض حول انعقادها من عدمه، يتسابق الساسة لحجز أماكانهم في ذلك العرس الجماهيري المنتظر كثيرا، ليس بالبرامج الفعالة ولا بالرؤى المحفزة للتصويت ولا بالمنجزات الواضحة، بل بخطاب شعبوي قديم، تعلمه معظمهم من ألاعيب النظام السابق. هذه الشعبوية لا يستثنى منها قادة الكرامة ولا حكومة الوحدة الوطنية، حيث لا وحدة وطنية هناك.
خروج ممثلة الأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز من المشهد الليبي وتعيين مندوب جديد وهو كوبيتش كان كارثه على الشعب الليبي، فخلال خمسة أشهر الماضية لم يتقدم هذا المندوب قيد أنملة على ما حققته ستيفاني وليامز، بل زاد الأمر سوأ بسبب عدم قدرة كوبيتش على لجم الفوضويين في مجموعة ل 75 وإعادة الأمر لمجلس النواب البائس وقيادته القبلية المتعفنة التي ارتمت في أحضان القوى الإقليمية، فلم يتم الاتفاق على القاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية ولم يتم تغيير المناصب السيادية ولا المصادقة على الميزانية بل ازداد الشقاق بين الكرامة والحكومة رغم أن حفتر حضي بأكثر من نصف المناصب الوزارية المؤيدة له. وأخيرا انفرد عقيلة ببعض نواب الكرامة المصرية لإخراج قانون انتخاب للرئيس يسمح لمن هب ودب الترشح ثم العودة إلى منصبه إن خسر، وبذلك سيبقى عقيلة (أنا البرمان) لسنوات قادمة.
هذا التشظي بعد الامل عمل على تكوين مسارين متوازيين، إحداهما عرقلة الانتخابات بكل الوسائل المتاحة من أجل البقاء في السلطة رغم التصريحات المتوالية بأهمية الانتخابات، ومن هؤلاء الحكومة التي تعمل على برامج لا تتعلق بالموعد الانتخابي، إضافة إلى مجلس النواب البائس ومجلس الدولة وهم يعلمون أن الانتخابات نهاية لمزاياهم ومهاياهم ومرتباتهم العالية التي أقروها في أولى اجتماعاتهم ثم تفرقوا شذر مدر، إضافة إلى حفتر الذي لا يريد انتخابات إلا بمقياس فوزه فيها، وإلا سيبقى الأمر على ما هو عليه؛ وهو ما منحه له قانون انتخاب الرئيس المعيب.
المسار الثاني هو الخطاب الشعبوي لتلميع المنتخبين للرئاسي ولمجلس النواب وللحكومة، وهو خيار إن اتفقت القوى الدولية على فرضه على الفرقاء الليبيين كما حدث عند تكوين حكومة الوحدة الوطنية، رغم أن تنفيذ الانتخابات البرلمانية في موعدها؛ 24 ديسمبر 2021 بعيد الاحتمال ولكن لا يمنع ذلك من الاستعداد له برص الصفوف وتضخيم المنجزات ودر الرماد في العيون.
في جانب الكرامة يتم تصوير حفتر كقائد النصر ضد الإرهاب ومحرر المنطقة الشرقية والجنوبية من الإخوان والمجموعات المسلحة، وفي هذا الصدد لا تتحدث قنوات الكرامة عن الإنجازات بقدر تركيزها على نقد المجموعات المناوئة لها، مثل تحكم المليشيات في الحكومة، وحروب المليشيات فيما بينها والاستعمار التركي للغرب الليبي وهزيمة الإخوان في المغرب، ولا يتحدث عن بناء قاعدة عسكرية إماراتية على الأراضي الليبية ولا على استجلاب الروس الكفرة والجنجويد الجائعين والمغامرين التشاديين كمرتزقة، ولا على ارتهان مجلس النواب للخارج، ولا عن خسارة قرابة 40 مليار دينار في الحرب كهدية للأمارات ومصر مقابل السلاح والقتل وتشريد المواطنين.
بالمثل حكومة الوحدة الوطنية بوضعها لميزانية ضخمة لم تبالي بالمشاريع المهمة مثل البدء في التعاقد لتنفيذ الطريق الساحلي أو استكمال مطار طرابلس الدولي أو استكمال المشاريع السكنية المتوقفة في كل ربوع ليبيا (وهو حل مهم لمشاكل الشباب) أو فتح المسارات ومعالجة مشكلة المياه أو إعادة هيكلة الجيش (وهو حل لانتشار السلاح خارج منظومة الدولة وحل لمشكلة المجموعات المسلحة والأمن في الجنوب) أو مراجعة قانون المرتبات ( وهو على أهمية كبيرة لفرض العدل والمساواة) أو الاقراض للتنمية في المشروعات الصغيرة والمتوسطة رغم أن إدارة ريادة الأعمال لها شغل مهم في هذا المجال (وهو حل لمشكلة البطالة والبطالة المقنعة)، ولا سداد ديون المؤسسة الوطنية للنفط التي تجاوزت المليارين من الدينارات.
بدلا من كل ذلك عزمت الحكومة إلى كسب الجماهير بالخطاب الشعبوي، بدأت بوعود شراء الأضاحي ثم ووعود منح الزواج، ووعود بالعمل في قطاع النفط عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط، وبوعود حل مشكلة الكهرباء بتغيير لجنة الإدارة، وإطلاق سراح من لا أهمية له؛ واتفاقيات مع من لا يملك الحل مثل مالطا، ومناكفات مع تونس، وأخيرا الإعلان عن القبض على أحد قيادات داعش!!!!.
الواضح أن الطريق طويل وإن لم تتغير الموازين فإن وضع الستاتسكو قد يمتنع عن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الفترة القادمة، ما لم يكون هناك ضغط محلي كبير على كل الفرقاء المنتفعين ويكون له صدى دولي كبير يدفع نحو إسدال الستار عن هذه المسرحية الهزلية لممثلين سئم الليبيون من تواجدهم المسرح لعقد من الزمان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً