“حديث في المصالحة الغائبة”
الصفقة الفاوستية (Faustian Bargain) والثورة الليبية:
دون أن يحبه أحد، متطفلاً انسَلَ برنار ليفي إلى قلب الحرب الليبية الليبية، ليدس السُّم في قلب الربيع الليبي حتى يولد ميتاً او مشوهاً وتختطف الثورة جنيناً … وليكون حصاد الحرب كارثياً ومأساوياً. مستفزاً وصادماً كان كتابه الآخير عن الثورة الليبية والذي عنونه بـ “الحرب دون أن نحبها”. ومن أولى صفحات الكتاب يُظهر “برنار ليفي” مدى إعجابه بنفسه وبالدور القيادي الذي قام به ميدانيا وعسكرياً وسياسياً. ليكشف عن تفاصيل غاية في الخطورة، ومفاخراً أن بدونه ماكان ليستطيع خصوم القذافي فعل شيء، فحتى الخطابات والكلمات التي كان يُلقيها زعماء المجلس الانتقالي والتنفيدي كان يُحررها ويُعدّها بنفسه – حسب ماأورده بكتابه. كتاب ليفي وتصريحاته وما تضمره من استفزازية مُتعمّدة حتماً كانت متوقعة وخصوصاً من قبل “النخبة السياسية”، فهذه هي ضريبة تلك “الصفقة الفاوستية” (Faustian Bargain) أوالصفقة الخاسرة مع الشيطان.
وبغض النظر، فإن كانت “الثورة الليبية” مُكرَهَة قد “تحالفت مع الشيطان” – في صفقة فاوستية – وعلى مضض تقبل الكثيرون حشرية الصهيوني برنار ليفي وتبجح نيكولا ساركوزي وغطرسة “جون ماكين” وغيرهم من العرب والغرب ممن هم ليسوا بأفضل حالاً … كانت من أجل الخلاص من نظام القذافي. من مبدأ أن “المؤمن يحتمي بكلب” – أجلكم الله- وعليه فلا بأس بالاحتماء بالصهاينة إن اقتضت الضرورة. وربما كان ذلك من نكد الدنيا على “الثورة الليبية” بأن لا تجد من صداقة هؤلاء بُد.
فإننا في المقابل لا يمكن أن ننكر بأن هناك كثير من الليبيين في الطرف الآخر ممن لم يتقبلوا حشرية هؤلاء ولم يقبلوا تدخل الأجنبي، وأن الكثيرين منهم رغم عدائهم ورفضهم للقذافي إلا أنهم اختاروا القتال الى جانبه طبقاً لنفس المبدأ وربما قد اختاروا هم أيضاً “التحالف مع الشيطان ” وأن يعقدوا معه الصفقة، دفاعاً عن وطنهم ضد ما اعتبروه غزواً أجنبياً صريحاً وانتهاكاً لبلادهم.
وكما يدرك الجميع بأنه ليس كل من قاتل بين صفوف الثوار ضد القذافي سواء من الأطراف الليبية أو الأجنبية كان هدفه فعلاً نُصرَة الحق ومن أجل انجاح الثورة وبناء ليبيا الجديدة دولة العدل والمؤسسات وتحقيق الرخاء والحرية لليبيين. فكثيرون ناصروا الثورة وكلٌ كانت له أطماعه وأجندته الخاصة. وليس سراً بأن منهم من كانت غايته تدمير هذا البلد ونهبه وجعله مرتعاً للجريمة والفساد، ونحن نرى نتائج مؤامراتهم ضد البلاد وجهودهم المستميتة لعرقلة قيام الدولة وبناء مؤسساتها. وهم من أطلق عليهم البعض وصف “الأخوة الأعداء”، سواء كانوا ليبيون أوأجانب ممن ناصروا الثورة وهم ألذ خصامها.
وحسب ما نشرته صحيفة لوفيغارو، Le Figaro الفرنسية – فقد أعلنها برنار هنري ليفي صراحةً في المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، والذي قال فيه: “لقد شاركت في الثورة الليبية بدافع “يهوديتي”، لقد قمت بذلك رافعا راية وفائي “لإسمي وللصهيونية ولإسرائيل”. شاركت في هذه المغامرة السياسية وساهمت في تحديد جبهات قتال، كما ساعدت في وضع إستراتيجيات وتكتيكات لوطني ولبلد آخر … لم أكن لأفعل ذلك لو لم أكن “يهوديا”. ما أقوله لكم الآن، كنت قلته بطرابلس وبنغازي أمام حشود عربية. قلته خلال مداخلة بتاريخ 13 أبريل الماضي بساحة بنغازي الكبرى، وبحضور 30000 شاب مقاتل، يمثّلون كافة قبائل ليبيا”.
وفي الجانب الآخر كذلك فإنه ليس كل من قاتل مع القذافي كان دفاعاً عن القذافي وإنما هنالك من كان بالفعل مقتنعاً بأنه يؤدي واجباً شرعياً مقدساً وأنه بالفعل يجاهد في سبيل الله ضد ما رأى بأنه غزو أجنبي صريح لبلده وأنهم مقتنعون بأنهم سيموتون شهداء. وبالطبع هناك آخرون كثر ممن كانوا يقاتلون مع القذافي دفاعاً عن مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم أو طمعاً في امتيازات ومناصب قد أغراهم بها نظام القذافي.
ومثلما كانت للطرف المؤيد للثورة مرجعيته الدينية التي يحترمها ويقدرها ويأخذ عنها دونما شك أو ريبة ومن بينهم -على سبيل المثال- الشيخ الصادق الغرياني والشيخ علي الصلابي وغيرهم ممن كانوا يحضون بمكانة دينية وعلمية مرموقة وهم يعدون مرجعية عُليا بالنسبة لمناصري الثورة. فإن الطرف الآخر أيضاً لم يغـفـل عن الإستعانة بالمشائخ ورجال العلم الذين كانوا أيضاً يحضون بإحترام وإجلال عند من تبعهم ومن بينهم الشيخ محمد المدني الشويرف وغيره من الأئمة.
ندرك جيداً … بأن المتعصبون لهذا الفريق أو ذاك يرفضون أن يُقَارَن مرجعيّتهم وشيخهم الذي يحترمونه ويجلونه بالشيخ الآخر الذي استعان به خصمهم…! ولكن … من يحق له أن يطعن أو يُقيّم شهادات المشائخ خصوصا إن كان الخصمان قد تتلمذا على يد نفس المشائخ في الأزهر الشريف؟ والآن أحدهما قابع في السجن والآخر على هرم السلطة. وبالتأكيد لو حدث العكس وانتصر القذافي لكانت المعادلة معكوسة وكان مصير الشيخ الصادق الغرياني السجن منتظراً أن تُحال أوراقه على الشيخ المدني الشويرف اما بالإعدام أو العفو عنه.
ومما لا يمكن نسيانه أو تجاهله هو حالة الإنقسام الرهيبة التي حدثت في الشارع الليبي ما بين مؤيد للثورة ضد القذافي ومعارض لها خصوصاً بعد تدخل قوات الحلف الأطلسي “الناتو”. ولكن، من المغالطات المُغرِضَة أن يتم تصنيف تلك الإنقسامات على أنها انقسامات قبلية أو أن يتم تقسيم المدن ما بين مدن مؤيدة ومدن معارضة وهذا تصنيف تم تسويقه إعلامياً لأجندات خارجية ولأسباب سياسية وحزبية، ظهرت واضحة للعيان فيما بعد عندما رأينا التكتلات الحزبية الرئيسية والتنظيمات هي في الأغلب مجرد تكتلات قبلية وجهوية. وكان من غاياته المسكوت عنها إحداث شرخ وفتنة حقيقية ما بين المدن والقبائل الليبية. لتتحول الثورة إلى مجرد حرب أهلية “قبلية”. علينا أن نعي جيداً أن في هذه الحرب كل تأبط سلاحه وأجندته وكل كانت له مصالحه وأطماعه وقناعاته وموقفه.
فالذي يعلمه جيداً أغلب الليبيين بأن حالة الإنقسام ما بين مؤيد ومعارض يكاد لم يخلو منها بيت أو حي أو مدينة ليبية. بل شهد الليبيين مواقف وقصصاً مؤلمة حدثت بسبب هذا الإنقسام والتي وصلت إلى الحد الذي انقسم فيه الأبناء في العائلة الواحدة وقاتل فيه الأخ اخيه ابن أمه وأبيه، ليكون أحدهم أحد “شهداء” ثورة فبراير والآخر أحد “قتلى الكتائب”. وكلنا يذكر جيداً حالات الطلاق بسبب اختلاف المرء وزوجه ما بين مؤيد ومعارض ولعل الشيخ الفاضل الصادق الغرياني يذكر جيدا سيل الاتصالات من النساء والرجال الليبيين ممن يستفتونه الطلاق على الهواء في برنامجه المباشر على قناة ليبيا الأحرار التي تبث من الدوحة ابان الحرب.
وهنالك حوادث أكثر ايلاماً وقسوة ومنها اقدام بعض العسكريين على الإنتحار خوفاً من ارغامهم على الحرب ضد أشقائهم وأبناء بلدهم فرفضوا بأن يلتحقوا بهذا الطرف أو ذاك وفضلوا الإنتحار عوضاً عن ذلك، ومنهم من تم اعدامه في الجبهة. وهنالك الكثير أيضاً ممن أرغم على القتال بين صفوف الكتائب فأختار أن يموت دون مقاومة أو قيامهم بإطلاق قذائف دون نزع صمام الآمان حتى لا يُقتل أحد. ومنهم من إذا التقى وجهاً لوجه مع ليبي آخر في الجبهة المعادية يتراجع كلاهما. كل بيت ليبي تقريباً في كل أنحاء ليبيا بلا استثناء شهد حكاية مؤلمة من مثل هذه القصص، الغائبة عمداً عن إعلامنا، لتظل كثير من الأسرار ودموع تكالى الأخوة الأعداء حبيسة الجدران الليبية.
ومن ينكرون هذه الحقيقة فإن غايتهم الوحيدة هي توسيع الهوة ما بين الليبيين وبث الفتنة بين صفوفهم ونبذ أي مشروع لمصالحة وطنية حقيقية بين أبناء الشعب الليبي. وكثيرون هم المستفيدين من استمرار حالة النزاع والصراع في ليبيا، سواء كانوا اطرافاً دولية أومحلية ممن لا يريدون لمشروع هذه الثورة أن يبصر النور..! خوفاً على مصالحهم أو حفاظاً على عروشهم … وهو ما نرى نتائجه وانعكاساته على الأرض من فتن ونزاعات وعائلات بأطفالها وشيوخها ونسائها مهجرين ومشردين في داخل البلاد وخارجها وعشرات الآلاف من المختطفين والسجناء ظلماً وعدواناً.
انتهت الحرب عسكرياً وظل الاعلام والمشائخ ملتصقين بخطاب العنف والتحريض… ولكن، لا أحد من الليبيين البسطاء ممن عاشوا مأساة الحرب وفواجعها يريد أن يعيد هذه التجربة المريرة. لذلك على اعلامنا ومشائخنا أن ينبذوا خطاب العنف والكراهية الذي يبثونه ما بين الليبيين وأن يعملوا على رأب الصدع واصلاح ذات البين. وينبغي على الطرفين فسخ هذا العقد الخاسر مع الشيطان وأن نجتمع على كلمة سواء. فلن يقودنا هذا العنَاد والتعنّت إلا إلى الهلاك. وليس من المبالغة القول بأن مصير ليبيا اليوم أصبح إلى حد كبير مرهون بيد المشائخ ووسائل الاعلام. ورغم وجود المبادرات الفردية من قبل بعض المشائخ والقلة من الاعلاميين ممن يسعون بشكل فردي لتقريب وجهات النظر ونبذ العنف.
إلا أن مثل تلك المحاولات الفردية أبداً لا تكفي فالمصالحة الوطنية مشروع ينبغي أن تتبناه الدولة بشكل رسمي مؤتمراً وحكومة وعلى وجه الخصوص وزارتي الثقافة والإعلام. أما القنوات والفضائيات الخاصة… فلا يبدوا أن ثمة رجاء ولذلك ليستمر كل منهم بالغناء على ليلاه ولا نعتقد بأن ليبيا ستنتظر منهم مشروعاً جادا طالما يتهافتون على الإثارة وخلق الفتن لإثارة الرأي العام. وهذا سلوك طبيعي في سوق الاعلام، لأن “خطاب المصالحة والتهدأة وعودة الاستقرار للبلاد” سيسبب لهم ركود بضاعتهم وسيضطرون لاقفال هذه “الدكاكين” وخسارة مصدر رزقهم.
وأخيراً … فإن ليبيا وشعبها وحدهم من سيكون الضحية ومن سيدفع ثمن عناد “النخبة السياسية والدينية” وتعنتهم وأطماعهم واشتعال الفتنة ما بين فئات الشعب الليبي. وكل منهم يصم أذناه ويدعي بأنه وحده من جاء بالحق المبين. وكل منهم يكبّر الله ويقتل أخاه. ويرجع منتشياً بساديته وعدوانيته…! أين كنّا نخبيء كل هذه الشراسة والوحشية؟
إننا وضعنا بلادنا تحت الوصاية، والبند السابع سيف مسلّط على رقابنا جميعاً. وأن أي انتفاضة أو حرب أخرى ولو من قبل فئة قليلة من الذين يتعرضون للظلم والعدوان والإضطهاد، فإن الحلف الأطلسي ومجلس الأمن لن ينتظروا دموع أو فصاحة “شلقم” وشاعريته … ولن ينتظروا معجزة “الإجماع العربي” فلازال قرار التدخل لحماية المدنيين ضماناً للتدفق الآمن للطاقة متربصاً بليبيا طبقاً لبنود صفقتنا الخاسرة..! وعندها لن ينفع الظالم أن يعض على يديه أو حتى إن قطعهما إرباً وإبتلعهما..!
وكما قال “مارثن لوتر كينج” (إما نعيش معاً كالأخوة أو نهلك جميعاً كالحمقى).
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
بالله خلي افكارك لروحك والا بديرلنا زي المقبور
ياريتك تسكر فمك ياقذافى رقم 2 ..نفس كلام المقبور وشاكير وهالة المصراتى وانت منهم طبعا ومعمر فيش كان ايدير وقتها كان يجيب فى المرتزقه يغتصبو فى بناتنا ياواطى ياطحلوب القذافى واضحة وضوح الشمس