خلال فترة الغداء في مقهى لاما الراقي، الواقع على الجبهة الساحلية لمدينة طرابلس الغرب، كان نحو 20 من الأصدقاء الأوروبيين القدامى يحيون بعضهم بعضاً، والبهجة تغمرهم لعودتهم إلى ليبيا للعمل بعد سنة من الجيشان الذي دفع كثيراً منهم إلى الخارج.
قالت لويز جات، وهي من مالطا وتدير مدرسة خاصة وشركة للسياحة والسفر: ”كثير من الشركات الأجنبية السابقة والموظفين السابقين يعودون بصورة بطيئة، لكنهم بالتأكيد يدخلون من جديد إلى السوق ويشعرون بالسعادة لعودتهم. بالنسبة لكثير من الناس تعتبر ليبيا ليست فقط مكاناً للعمل وإنما كذلك مكاناً يدعونه الوطن”.
لكن في حين أن عدداً بسيطاً من رجال الأعمال الأجانب يعودون بأعداد صغيرة، لم يكن هناك ارتفاعٌ ملحوظٌ في نشاط الأعمال إلا في صناعة النفط، كما يقول دبلوماسيون وتجار ومسؤولون ليبيون. كما أن الصفقات الجديدة ليس لها وجود يُذكر. وفي السنوات الأخيرة اندفعت الشركات الدولية إلى ليبيا كالطوفان، من أجل الاستفادة من الفرص التجارية المتاحة في هذا البلد الغني بالنفط. لكن الحرب التي شنها حلف الناتو للإطاحة بالعقيد معمر القذافي أغرقت ليبيا ذات الستة ملايين نسمة، في الفوضى ودفعت بالأجانب إلى الهرب طلباً للنجاة.
وفي الأسابيع الأخيرة وجدت وفود شركات من مختلف أنحاء العالم طريقها إلى ليبيا. إذ تسعى الصين لاستئناف الأعمال التي كانت تقوم بها 26 شركة صينية في 50 مشروعاً، قيمتها 19 مليار دولار، في قطاعات العقارات والسكك الحديدية والنفط والاتصالات. وضمت بعثة فرنسية زارت ليبيا ليوم واحد، ممثلين من شركة توتال النفطية ومن شركة ألستوم الهندسية. واشتمل فريق كندي على ممثلين عن شركات مثل تالِسمان للنفط والغاز، وشركة ديساو للهندسة والإنشاءات، والشركة الكندية للطائرات المروحية.
وشكلت رابطة الشرق الأوسط البريطانية بعثة تجارية من المقرر أن تزور ليبيا في الأسابيع المقبلة، في وقت يتزامن مع عروض في طرابلس بخصوص التنقيب عن النفط والغاز وفي البنية التحتية، بهدف متابعة صفقات محتملة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. وقطاع الطاقة وحده في ليبيا بحاجة إلى أعمال تحسين تقدر تكلفتها بنحو 30 مليار دولار، لرفعه إلى مستوى طاقته الكاملة، وفقاً لرئيس الوفد الفرنسي. كذلك المرافئ والمطارات ونظام الرعاية الصحية والبنية التحتية لقطاع النقل بحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات لأعمال التحسين. ومثلها قطاعات التجزئة والاتصالات والتعليم والسياحة التي أصبحت قديمة تماماً الآن.
لكن في الوقت الراهن تتدفق الوفود الأجنبية على المدينة في الغالب، مالئة فنادقها ذات الخمس نجوم ـ راديسون بلو، وكورنيثيا، وريكسوس ـ لفترات قصيرة قبل أن تغادرها. وخوفاً من استمرار عدم الاستقرار، وعدم وضوح الوضع السياسي قبل الانتخابات التي تجري في حزيران (يونيو)، يظل النشاط التجاري خاملاً. وخارج النشاط النفطي الذي يعود ببطء إلى مستويات الإنتاج التي كانت قائمة قبل الحرب، فإن قليلاً ممن كانوا موجودين هنا من قبل يفعلون أكثر من الانتظار بحذر. وقال مسؤول في شركة غربية للأمن وتقدير المخاطر في طرابلس: ”سيكون هناك شلل جزئي حتى تقوم حكومة شرعية منتخبة”.
وأضاف: ”سيكون من الصعب جداً إنجاز أي من الإصلاحات التي يتوقع الناس أن يروها مثل القوانين التي تحكم الاستثمار وتسجيل الشركات”. وتابع: ”تريد الشركات أن تعرف هل ينبغي أن نعمل ذلك بموجب القوانين القديمة أم بموجب قوانين جديدة؟ كثير من الشركات لها حضور هنا، لكنها لا تعمل”.
وتعتبر تحديات القيام بالعمل في ليبيا بموجب الأنظمة القديمة مثبطة للهمة. فقد كانت الجهات التنظيمية تطالب الشركات بتوظيف نسب كبيرة من العمال المديرين الليبيين، حتى لو كانوا غير مؤهلين. وكان تملك الأراضي مستحيلاً.
وحتى ملكية الأغلبية في المشاريع المشتركة لم تترجم إلى سلطة على صعيد القرارات الاستراتيجية. وكان يمكن أن يتم الالتفاف على كثير من اللوائح والأنظمة برشوة دسمة.
ويقول كبار المسؤولين إنهم يعرفون أنه ينبغي لهم أن يغيروا الأنظمة سريعاً، لكنهم ينتظرون مجيء حكومة منتخبة لاتخاذ هذه القرارات. وهم يركزون مواردهم المحدودة حالياً على استئناف العمل في مشاريع البنية التحتية الكبيرة وإدارتها بدلاً من الدعوة إلى تنفيذ أعمال جديدة.
وتحاول بعض الأنشطة أن تعود إلى الحياة. فقد عاد موزعو البضائع الاستهلاكية وحتى بعض المنتجات الصناعية الصغيرة، كالأدوات والعدسات إلى العمل بشكل طفيف. لكن أزمة السيولة التي دفعت إلى تحديد المبلغ المسموح بسحبه من البنوك بـ 750 ديناراً (605 دولارات) في الشهر قلصت النشاط الاستهلاكي.
ويقول ممثلو الشركات الذين بدأوا بالعودة إلى العاصمة إنهم كثيراً ما يجدون صعوبة في إنجاز الأمور البسيطة.
فبطاقات الهواتف الجوالة غير متوافرة منذ أشهر إلا من خلال السوق السوداء. ولا يعرف أي ليبي كيف يشغل المكائن التي تنتج الشرائح. وأصبحت حالات انقطاع الكهرباء مستحكمة في غربي ليبيا، ولا سيما في طرابلس. وخدمة الإنترنت بطيئة ومتقطعة.
وقالت جات: ”لقد مر البلد بمحنة أقل ما توصف به أنها عصيبة. بعد 42 عاماً من النظام نفسه في البلد يصبح التعامل مع التغيير صعباً، لكنه ممكن إذا ما استخدمت الأدوات الصحيحة”.
اترك تعليقاً