الإنتصارات المتعاقبة على مرتزقة الإمارات في ليبيا ليس إنتصاراً لليبيين فقط بل هو إنتصار للقوة الحية وسقوط مدوي للثورة المضادة في كل من ليبيا وتونس واليمن ومصر وسوريا. فعليا وعسكرياٌ في ليبيا بإندحار قوات حفتر بما قامت الإمارات من توفيره من سلاح ومرتزقة: درون صينية ومدرعات إماراتية ودبابات تي 74 المصرية والمدافع الليزرية وميج 29 الروسية، إضافة إلى مرتزقة الفاغنر والجنجويد والإماراتيين والمصريين والتشاديين (“خود نفس” كما قال السادات من طول العد).
إنعكاس النصر على الساحة الليبية لا يحتاج إلا إلى سياسي “يستمع ويفاضل ويقرر، مع إبعاد كل المستشارين الذين يتحملون وزر هذه الحرب التي ليس لها أن تكون لو لم يتم سحب القوة الثالثة من الجنوب” وهو نصر تدفعه القوى الوطنية وليس للأجسام السياسية البائدة دور فيه، ولكنه نصر يدوَي في شرق البلاد وغربها، ينبئ ببزوغ عهد جديد من الوئام وبناء الدولة على أسس جديدة، وهو عهد ما بعد الحروب الأهلية مثل ما حدث في أمريكا أو إسبانيا، أي الوصول إلى قناعة التنوع الثقافي والإثني والمذهبي وقبول الآخر ضمن مفهوم المواطنة، وليس المفهوم الجهوي أو القبلي أو العسكري الإستبدادي.
قد يطول الوصول إلى إستقرار دائم في ليبيا بسبب غياب المؤسسات الفاعلة التي تستطيع إستثمار النصر للقضاء على ما بقي من المتمردين وتحييد دول الإستبداد من موصلة اللعب بالشان الليبي، ولكن زخم المعركة العسكرية والسياسية مستمرا ويجب ان لا يتوقف عند سرت أو الجفرة.
الأمر الأخر المهم هو تأمين المدن والقضاء على الفلول، ففي المدن المحررة لازالت تتواجد بها مجموعات مسلحة عقائدية مؤدلجة سوى من خريجي المدرج الأخضر أو من خريجي “الأشرطة الدعوية” السلفية وهولاء لا أمل في تغيير وجهة نظرهم ولا يجب ذلك، بل يجب أن تكون هناك قوات أمنية جيدة لرصد المتمردين والمتامرين ضد الدولة. أما عن المنسحبين المتمسكين بالسلاح ومن لا يريد الإستسلام فلا خيار في صب الحمم عليهم؛ فمثلا لو ثم القضاء على الفلول الهاربة من قاعدة الوطية لما أعلونو عن دخولهم الأصابعة وتعريض أهلها لخطر الإقتحام، ولو ثم تنفيذ كمين 2020 في طريق قصر بن غشير على سيارة ناقلة للجنود وتبعثرهم شدر مدر (كاكشن هوليودي) قبل سنة لفر كل المغرر بهم من الشرق الليبي والمرتزقة من ساحة المعركة وتم الحفاظ على أرواح كثيرة، ولو سُحق المنسحبين من بن وليد للجنوب لن يكون هناك دواعي لتحرير الجفرة ولأصبح الجنوب محررا ولتدفق النفط من حقولة بعد أيام. ولقد اشار الله إلى ذالك في عدة سور منها “ترهبون عدو الله وعدوكم” أي تخيفونه فلا يتقدم لما يرى من هول، فيحفظ نفسة ويقي غيره من القتل، ومنها قول الله “الفتنة أشد من القتل”؛ وفي الفتنة تضاعف للقتل.
أما عن الحوار والمفاوضات وخمسة زايد خمسة ومكالمات لودريان وتفاهات عقيلة وبيانات كثلة السيادة المصرية، فهي ألاعيب تجاوزها الزمن، حتى بالنسبة لدول الإستبداد، فهم جميعاً على قناعة ان حفتر قد إنتهى عسكريا وسياسيا، وأن إيجاد بديل مدني له ضرورة، وأن عقيلة المتخلف يستطيع خلط الأوراق ولكن لا يؤسس لحكومة عميلة، ولذا تقوم الإمارات بزرع بعض الشباب في الغرب الليبي التابعين للوفاق للقيام بمهام العمالة؛ إما بتعويض الخسائر التي بلغت أكثر من 45 مليار دولار دفعتها الإمارات، جزء منها من ميزانية الشعب الليبي كقروض وودائع وتصريف عملة روسية، أو المضي قدماً لتأهيل هؤلاء الشباب للدخول في المعترك السياسي كما في تونس وإستعمالهم للتأمر كسماسرة السياسة.
للأسف المؤسسات التشريعية في البلاد ضعيفة بل غائبة ” إلا في قبض الرواتب والمهايا”، مما يجعل الحكومة تتصرف خارج نطاق رؤية وطنية واضحة، فالحرب كما نعلم “سنة الله في خلقه” هي حوار بوسائل عنيفة، وهي وسيلة يستخدمها السياسي لتحقيق أهداف معينة، وفي الحالة الليبية الأهداف هي منع قيام حكومة عسكرية مستبدة، والمضي إلى سحق المتمردين وتحرير الدولة منهم، والعمل على ترسيخ دعائم الدولة المدنية ذات مؤسسات فاعلة، وهذا ليس من شأن العسكري الذي قام بدوره كاملاً. ولذا على القوى الحية رفض أنصاف الحلول، وكشف ألاعيب المندسين لإستغلال معاناة الشعب من أجل الدفع بالمحاصصة السياسية، والإستمرار في الفساد المالي والإداري وإهدار ثروات الأمة ضمن مخطط خارجي ينفذ بأيدي ليبية عميلة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً