يبدو أن الثقافة القديمة للنظام السابق لا تزال مُتركزة ومُعشعشة فى أدمغة البعض ممن عملوا معه من وزراءَ وكبار مسؤولين وسفراء ومسؤولين فى الإستثمارات الخارجية التى تصل إلى المليارات من العملة الصعبة وعسكريين وأجهزة أمنيه وبقايا اللجان الثورية ومخبرين ومسؤولين محليين وصحفيين ومثقفين وإعلاميين إلى المشائخ والأعيان الذى كان يستعين بهم فى الحالات الطارئة لطمس ولإجهاض لأى إنتفاضة ولو كانت محدودة فى أى مدينة أو قرية وذلك بالضغط على أبنائهم ، فالإنتهازية والقفز على مجهودات الغير من أهم صفات من عمل مع ذلك النظام إلا من إحترم نفسه وكانت وطنيته وبيتيته حاجزاً وسداً منيعاً بينه وبين تلك الصفات المذمومة والتى لا تُرضى الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهى نابعة من ضعف فى النفوس تجاه الإغراءات الدنيوية من مكافآت وهبات وعطايا بدون وجه حق فما من وزير أو ما فى حُكمه تم تكليفه إلا ورُصدت له الأموال لشراء بيت وسيارة ورصيد بإسمه فى أحد المصارف العاملة المعروفة لذلك النظام وإيفاد لأبنائه فى الخارج حتى ولو كانوا من الفاشلين ، ولا شك أن النظام السابق كان لديه خبراء فى المجال السيكلوجى والتحليل النفسى لكى يُعرض عليهم أتباعه ومُريديه لكى يُفتح ملف لكل واحد منهم توضع فيه سيرته التاريخية والإجتماعيه والعملية إبتداءً من الوزير وحتى أقل مسؤول يشعر النظام أنه يمكن أن يكون له تأثيراً على سياساته فى المستقبل.
المهم أن مرجعية ثقافة (الأنا وإقصاء الغير ) التى إنتهجها رأس النظام الذى تحوّل إلى نابغة عصره فى كل شئ فهو الحاكم بأمره وهو الإمبراطور وهو الطبيب وهو المُهندس وهو المُعلم وهو الإمام وهو المُفكّر وهو اللاعب وهو المُطرب وهو الشاعر وهو الكاتب والصحفى وهو الشيخ والسلطان وملك الملوك والزعيم الأوحد وهو صانع الأفكار يقوم بطرحها بعد أن يُوهم الناس بنزول الوحى عليه وجاءته الأفكار فى صحراء سرت لأنه مُلهم فيقتنع الكل مجاملة وغالباً ما يكون خوفاً حيث يهتفون حتى يقعون على الأرض (علم يا قائد علمنا ) هذه حقائق لا تخفى على أحد فى ليبيا وكم من إبداعات ُطمست وافكار نُسبت إلى غير أهلها ودراسات سُرقت وقُدمت بأسماء أخرى وأولها إسم حامى الحما وزعيم الأمة وكم من وطنيين وشرفاء حُرموا من حقوقهم المشروعة وكم من نُزهاء من الأيدى النظيفة تم تشويهها كيدياً وحقداً وكراهية بأوامر من رأس النظام وأتباعه المحليين …. حتى جعل من نفسه إلاه والعياذ بالله يقبل التوبة يُحيى ويميت كالفرعون الأعظم ، هذه الصفات الذميمة أليس من حقنا أن نفتقدها ولا نجدها اليوم ويُشفى منها ساساتنا الجدد على مستوى المجلس الإنتقالى والحكومة المؤقتة أم أن من شاب على شئ شاب عليه .
هذه المُقدمة المُتواضعة ليست إضافة عابرة ولكنها تذكرة لأولى الألباب وهناك عبارة أحب أن أرددها للبعض ممن نسوا الماضى سريعاً وكانهم لم يكونوا يوماً جُزءّ فاعلاً من ذلك النظام ، فمن يتقاضى على سبيل المثال (20) ألف دولار شهرياً أى ما يعادل مرتب (50) أسرة ليبية فى شركات الإستشمار الخارجى وهو شخص عادى ومؤهل بشهادات عليا أيام النظام الذى صرّح فيه وزير التعليم العالى يومها بقوله لدينا أكثر من 70 % من الشهادات العليا المزورة فهل هذا المرتب لكفاءته أو خبرته !!! هناك أغنية تقول (إن كنت ناسى أفكّرك) والمثل الشعبى المصرى يقول (إذا نسيتوا إللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرا) فلا تحاولوا خداعنا وخصوصاً أولئك الذين كانوا فى شركات الإستثمار الخارجى والذين لا شك أن مُعظهم ينتمون للإجهزة الأمنية وعلى رأسها الأمن الخارجى وكانوا مُطالبين بتقديم التقارير الأمنية على تحركات الرعايا الليبيين فى الخارج أينما وجدوا والصرف من حسابات سرية على المؤامرات التى يثيرها القذافى فى دول الجوار وغيرها .. فالمرتبات الخيالية لها ثمن يا أولى الألباب والمثل الشعبى يقول (يتركوها بالعين ويقصوها بالجرة)!! .
فى فترة ماضية وقبل ثورة فبراير كنا فى زيارة علمية وإجتماعية لواحة سيوه بالصحراء الغربية بمصر رفقة البعض من المتخصصين فى التاريخ والجعرافيا وعلم الإجتماع وقد كان لنا لقاءات وحوارات إجتماعية ، طُُُُُرح فيها عمق العلاقات الليبية المصرية وخصوصاً ما بين القبائل الليبية التى لها جذور قبلية وعرقية بوطننا ليبيا وقد قمت بنشر مقالة بخصوص تلك الزيارة والتى كان أثرها على نفوسنا طيباً ، ومنذ تلك الفترة كنا دائماً على إتصال بالشخصيات الإعتبارية فى كل من سيوه والجغبوب ومطروح ، ومنذ فترة وجيزة قمنا بطرح الموضوع مرة أخرى بشأن فتح المنفذ البرى الصحراوى سيوه الجغبوب ، وكانت هناك آراء مختلفة منها التخوف من موضوع التهريب وعدم القدرة على ضبط هذا المنفذ إذا تم فتحه ، ومن هنا أود أن أذكرّ المجلس الإنتقالى بأن هدفنا كان يتلخص فى بعض النقاط الهامة الاتية …..
1 ــــ لما رأيناه فى واحة سيوه من أصالة ليبية عريقة حيث أن معظم أهالى سيوه يتحدثون اللغة (الأمازيغية) وهو ما يؤكد جذورهم الليبية بالإضافة إلى أن عاداتهم وتقاليدهم شاهدة عليهم فالكرم وإحترام الضيف والنخوة والأمانة صفة من صفات أهل سيوه الكرام ولذلك كان الهدف الأساسى هو ربط أهالى سيوه بأبناء عمومتهم وأقاربهم فى الجغبوب وغيرها .. أليس من حقهم ذلك !!؟؟
2 ــــ لم يتعدى إقتراحنا ربط سيوه بالحغبوب بطريق مُعبد بطول (85) كيلو متر يكون تمويله مشتركاُ بين مصر وليبيا ويمكن للشركات المصرية المتخصصة فى مجال إنشاء الطرق تنفيذ ذلك .
3 ــــ تغذية سيوه بالكهرباء عن طريق الجغبوب وبضغط عالى 66 كيلو فولت من الجغبوب ويمكن أن يندرج ذلك فى إطار الإتفاقية المصرية الليبية بشأن الكهرياء التى تم توقيعها فى السابق.
4 ــــ إحياء واحة الجغبوب من خلال البرامج السياحية وتسهيل برامج مراقبة الحدود لأن حركة السياح على الطريق طبرق ــ الجغبوب ـــ سيوه يمكن أن تُشارك فى حماية الحدود من قبل الجانبين .
هذا ما قمنا بإقتراحه ولكننا تفاجئنا من خلال البرنامج الحوارى فى (ليبيا تى فى) بأن الموضوع أخذ أكبر من حجمه ويبدوا أن ممثل المجلس الإنتقالى الوطنى فى جمهورية مصر العربية لم يعى ذلك وأعتبر أن الموضوع موضوعاً إستثمارياً ضخماً وفرصة جيدة يمكن أن تُضخ فيه الأموال الليبية حيث تحدث عن تعبيد مئات الكيلومترات من الطرق لربط الجنوب الليبى وكذلك إستثمارات أخرى زراعية ومائية وغيرها .. وحتى لا يبتعد السيد مسؤول الأزمة كثيراً بمصر , لهذا نود القول للجميع ….
الرجاء عدم الإنزعاج من قضية التهريب وإختراق الحدود فهذا أمر يحدث فى جميع دول العالم إلا القليل ، ونحن نتفاءل أنه بعد قيام ثورة 25 يناير 2011م فى مصر وثورة 17 فبراير 2011م فى ليبيا لا شك أن الأمور تأزمت ولا زالت ولكنها لن تتأزم إلى الأبد وبمجرد تطبيق القانون وتفعيل وزارة الداخلية فى ليبيا سيتم ضبط الأمور .. فلا تُجهضوا الفكرة التى ستخدم الشعبين حتى ولو كانت ثمارها بعد سنين .
اولاً كنا نتوقع من مسؤول الأزمة فى مصر أن يتحدث عن الفكرة ومن أين جاءت ؟؟ وكيف ؟؟ أم نحن لا زلنا نقفز على مجهودات الغير ولم نتعلم أن (نُنزل الأجواد فى منازلها) وكنا نتوقع أن يتم الإتصال بأصحاب الفكرة المتواضعة قبل تشكيل الوفد الذى زار سيوه أخيراً … ولذلك نتوجه باللوم إلى المجلس الإنتقالى الذى لم يعطى كل ذى حق حقه وهذا هو الوفاء الذى تحدث عنه ذات مرة السيد عبدالجليل ووصف الشعب الليبى بأنه غير وفىّ ، غير أن القفز على مجهودات الغير ليس غريباً على المجلس الإنتقالى الذى حاول طمس كل المواقف المُشرفة لبعض الليبيين الشرفاء الوطنيين وهى لا شك أنها عقدة النظام السابق التى لا زالت تلاحق من عمل معه ، فلا تبتعدوا بهذه الفكرة بعيداً حتى لا تسيئوا إليها لأنها كانت بحسن نية بعيداً عن النهب المستشرى فى الإستثمارت الخارجية .. ولكن عزاؤنا هو أن أيام المجلس الإنتقالى باتت معدودة بعد أن تنبّهت المجالس المحلية وبدأت فى إنتخاب أعضائها ولا شك أن إنتخاب المؤتمر الوطنى سيُعجّل من إنهاء صلاحيات هذا المجلس الإنتقالى وشرعيته التى نهبها دون إنتخابات والذى تعددت أخطائه وأصبحت تصرفاته لا تطاق.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً