قدم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “غسان سلامة” إحاطته إلى مجلس الأمن بشأن الأوضاع في ليبيا.
وجاء في إحاطة المبعوث الأممي تفصيلاً:
المنطقة الجنوبية ما زالت تعتبر قلب ليبيا الواهن والتي تمتد مساحتها إلى ما يقارب المليون كيلومتر مربع. حيث تعرضت مصادر العديد من ثروات البلاد الطبيعية من مياه وبترول إلى إهمال مجحف.
وعلى الرغم من سنوات من الوعود بإيجاد حل للوضع فيها، إلا أن الظروف آخذة بالتدهور على نحو مفزع. فقبل بضعة أيام، أتيحت لي الفرصة لزيارة عاصمة المنطقة الجنوبية سبها، والتي كانت الزيارة الأولى من نوعها لممثل خاص للأمين العام منذ 2012.
واستمعت مباشرة هناك للمواطنين الذين أخبروني بشكل مؤثر عن المصاعب الفظيعة التي يقاسونها من وحشية تنظيم داعش إلى خوضهم في برك من المياه الآسنة التي تجمعت نتيجة لغياب الاستثمار في البنى التحتية العامة الأساسية.
فضلاً عن غياب الأمن بسبب الحدود سهلة الاختراق ووجود المرتزقة الأجانب والمجرمين الذي يهاجمون المواطنين والمهاجرين على حد سواء. بينما أعرب العديد منهم عن تخوفهم من مغبة مغادرة أي من أفراد أسرهم لمنازلهم بعد مغيب الشمس.
وهنا أناشد الحكومة والمجتمع الدولي للإسراع في تقديم الدعم للمنطقة الجنوبية بشكل حاسم.
وقامت البعثة بتشكيل فريق عمل متخصص للتعامل مع الوضع في هذه المنطقة. بينما ستقوم وكالات الأمم المتحدة بعملها المتجسد في مد يد العون، إلا أن على السلطات الليبية أن تضطلع بدورها لتحمل هذا العبء.
إذ مغبة هذا التقاعس وخيمة. فللأسف ترجم غضب أهالي الجنوب إلى هجمات على أنابيب المياه والمرافق النفطية، الأمر الذي أتى على اقتصاد ليبيا الذي يسير بخطى بطيئة نحو الانتعاش.
قد يكون الوضع في الجنوب الأكثر خطورة، إلا أن ويلات شبيهة بما يحدث في المنطقة الجنوبية تعذرت معالجتها على الرغم من التعهدات المتكررة، قد عصفت بجميع أنحاء ليبيا.
ويعاني جميع الليبيين من تردي الخدمات العامة. ولا يزال المحتجزون في السجون والمهاجرون والصحافيون وأعضاء هيئة القضاء وغيرهم يتعرضون للإساءة وأعمال العنف على أيدي المجموعات المسلحة بينما يعاني الآلاف من ظروف إنسانية مقلقة.
ولا يزال المدنيون يعيشون في خوف من سقوط الضحايا جراء أعمال العنف.
وبعد أشهر من الهدوء الذي كان نتاجاً لاتفاق إطلاق النار في شهر أيلول/سبتمبر، اهتزت أرجاء طرابلس مرة أخرى قبل يومين بتجدد الاشتباكات. وعملنا مع جميع الأطراف لمنع خروقات وقف إطلاق النار من التمادي. وقد تم احتواء الانتهاكات في الوقت الراهن.
في درنة، الاقتتال لم ينته بعد. وتسبب النزاع في سقوط شهداء في صفوف المدنيين بينما تعرضت أسر بكاملها للتهجير وسرقة محتويات منازلها. ولعل إيصال المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط وبشكل مستدام للمتضررين من المدنيين العالقين في المدينة القديمة أمراً ضرورياً إلا أنه أمر ممنوع. فقد تعرض المدنيون بمن فيهم النساءً والأطفال للاعتقال في مراكز الإحتجاز، دون توجيه تهم إليهم.
وفى الوقت نفسه، “شرع الجيش الوطني الليبي” بالتحرك نحو الجنوب أبعد من مواقعه السابقة.
أينما يحل القتال، على الأطراف اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية أرواح المدنيين والمرافق المدنية والالتزام بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وفي حال عدم التزامهم، سوف نحرص على أنه مع الوقت سوف يواجهون العواقب.
لا تزال هناك بوادر أمل. ففي الأشهر الماضية، لمسنا تقدماً في مساعي تحقيق الاستقرار في البلاد وتحسين حياة الشعب الليبي.
ولا تزال حكومة الوفاق الوطني مستمرة في تعيين وزراء جدد، بما في ذلك الحقائب الوزارية الحيوية التي تم تعيين وزراء لها في الفترة الأخيرة كالصحة والحكم المحلي.
وهذه الحكومة بحلتها الجديدة أسهمت في توسيع نطاق دعمنا لتقديم الخدمات والإصلاحات. إذ أننا ننظر إلى الوزارات العديدة وعلى ضوء ذلك نقرر كيف يمكننا، إلى جانب الدول الأعضاء، أن نقدم المساعدة لها في جهودها المتعلقة بالإصلاحات والأداء.
لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض بشأنه بين أبرز الأطراف المسلحة في شهر أيلول/سبتمبر قائماً، إلا أنه يتطلب اهتماماً متواصلاً.
وعمل معالي وزير الداخلية جاهداً للنهوض بمستوى الترتيبات الأمنية لمدينة طرابلس الأمر الذي يعزز اتفاق وقف إطلاق النار الذي تشوبه الهشاشة. وتواصل البعثة تقديمها للمساعدة الفنية للجنة الترتيبات الأمنية التي تم استحداثها وإنشاء مركز العمليات المشتركة المناطة به مهمة تنسيق الخطة الأمنية لطرابلس الكبرى وتنفيذها. وصحيح أنه لا يزال هناك المزيد من الأمور التي يتعين إنجازها إلا أن هذه المبادرات أسهمت في إعادة الهدوء إلى المدينة.
وعلى نطاق أوسع، لا بد من تحسين الأمن في عموم البلاد. فالإرهابيون يهاجمون مدناً وبلدات عديدة، آخرها الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في 25 كانون الأول/ديسمبر على وزارة الشؤون الخارجية في طرابلس. ولا تزال الاشتباكات المتفرقة تحدث في عموم البلاد، إذ أن المجموعات المسلحة تسيطر على معظم سبل إنفاذ القانون، عوضاً عن ضباط أمنيين محترفين.
ومع ذلك، هناك فسحة أمل. ففي الشهر الماضي، حضرت افتتاح أكاديمية الشرطة التي تم تجديدها، وهذا الأسبوع، حضرت افتتاح مركز الشرطة النموذجي الذي يقوم عمله على أساس حفظ النظام خدمةً للمجتمع والمواطن. ولا يزال العمل جارياً لتدريب وإعداد المئات من عناصر الشرطة والشرطة القضائية.
ونحن نعمل إلى جانب السلطات الليبية بغية إحالة السجون الواقعة تحت قبضة المجموعات المسلحة إلى عناصر محترفة ومدربة تحت إشراف وزارة العدل. وكذلك قمنا بالضغط على الحكومة لإيجاد حلول لمهزلة احتجاز المدنيين دون توجيه تهم إليهم أو مثولهم أمام القضاء. وقد وردنا بأن المئات تم إطلاق سراحهم ويجري النظر حاليا في العديد من القضايا الأخرى.
الاقتصاد آخذ في الاستقرار.
سعر السوق السوداء للدينار الليبي مقابل الدولار الأمريكي تراجع بشكل كبير نتيجة للتدابير الاقتصادية التي أعلن عنها في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم. وأخذ التباين بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء بالانحسار بشكل كبير. ففي العام الماضي بلغ السعر الموازي عشرة دنانير ليبيا للدولار، أما اليوم فقد استقر على 4.3 دينار للدولار. الأمر الذي أدى إلى آثار اقتصادية ملموسة انعكست على حياة العديد في البلاد. بينما ظل مستوى التضخم ثابتاً، وانخفضت أسعار السلع بشكل كبير في بلد يستورد قسم كبير من احتياجاته بالعملة الصعبة، وأخذت الأسعار بالانخفاض في بعض الأحيان بنسبة 40%.
وأخيراً، تم التصدي لأزمة السيولة. ففي معظم المدن والقرى، إن لم تكن كلها، أصبح مشهد الطوابير الطويلة من الناس على مدى أيام متواصلة أمام أجهزة توزيع الأموال الآلية، أملاً في الحصول على فتات من أموالهم، شيء من الماضي. وينظر الوزراء في السبل الكفيلة بتعزيز هذه النقطة.
وقام كل من وزيري المالية والاقتصاد بإعادة تشكيل كوادر وزارتيهما وتنقيتها أملاً في تحسين أداء عمليهما.
وأرسل شركاؤنا من الاتحاد الأوروبي استشاريين متخصصين في مجال الجرائم المالية. وبفضل الحكومة الألمانية، تمكن العاملون في مصرف ليبيا المركزي من تلقي التدريب التخصصين قبل بنك بوندسبانك.
ولا تزال جهود المراجعة المالية للمصرف المركزي جارية على قدم وساق.
فقد قمنا بتيسير اتفاقية أبرمت بين المصرف المركزي وفرع البيضاء بشأن شروط المراجعة التي نقوم بالإشراف عليها. وسوف تفضي إجراءات المراجعة المالية إلى مراجعة واسعة لكشوفات التعاملات المالية منذ الانقسام الذي طال المؤسسة في 2014 وإعادة صياغة التوصيات بغية متابعتها. وهي خطوة جبارة تجاه توحيد المؤسسة.
وناهز انتاج النفط المليون برميل في اليوم الأمر الذي يدر إيرادات على خزينة الدولة، هي بأمس الحاجة إليها. إلا أن الاضطرابات التي طالت حقول النفط في الجنوب نتيجة لانعدام الخدمات في المنطقة أدت للأسف إلى الانخفاض في معدل الإنتاج الذي حدث مؤخراً. فمهم جداً إيجاد حل لهذه التظلمات دون وضع اقتصاد البلاد على المحك.
ولا بد من تخصيص المزيد من الوقت والجهد لتحقيق اقتصاد يتسم بالازدهار والمرونة والشفافية ليبيا بأمس الحاجة إليه.
وأخذت البعثة بإعادة تنظيم عملها على نحو يكفل مد هذا التحول بالدعم. فقد أصبحت لدينا الآن وحدة تعمل تحت إشراف مكتب النائب السياسي للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مخصصة للنهوض بهذا البرنامج والعمل جنباً إلى جنب مع المؤسسات المالية الدولية المعنية.
وسعياً لتعزيز جميع جوانب جهود الدعم المقدمة من الأمم المتحدة، قمنا بإعادة البعثة إلى داخل الأراضي الليبية بكامل طاقتها .
وأتوقع أن نقوم بإعادة فتح مكتبنا في مدينة بنغازي في أواخر الشهر الجاري. وقمنا بإرسال معظم موظفينا إلى ليبيا. وفي حال سمحت الظروف الأمنية، اعتزم افتتاح مكتبنا في الجنوب في العام الجاري.
فوجودنا هنا في ليبيا مهم جداً. وفضلاً عن كل ما سبق، قمنا بتخصيص جهود جبارة لمنع نشوب النزاع. ففي بلد يعاني من الانشقاق بشكل كبير، كل يوم يمر تحدث انقسامات جديدة لا بد من رأبها وإيقاف أي بوادر لأعمال عنف ممكنة من الحدوث. فعمل الممثل الخاص للأمين العام شبيه بعمل إطفاء الحرائق، فألسنة النيران المنتشرة بحاجة لمن يطفئها. وبالطبع لا يمكن القيام بذلك من الخارج، ولذلك علينا أن نكون هنا.
ينبغي علينا أيضا أن نكون واقعيين. فإنه لن تفلح أفضل الجهود في ظل غياب القيادة الوطنية الموحدة والمتضافرة.
إن المكاسب العديدة التي تحدثت عنها هي مكاسب هشة وقد تضيع. وفي خضم هكذا بيئة سياسية، فأنها ستنهار في نهاية المطاف. وسيجد النهابون طرقًا للتحايل على الإصلاحات الاقتصادية. وستختار الأطراف على الأرض العنف عوضا عن السياسة. والأحداث الأخيرة التي وقعت في طرابلس خير مثال على ذلك.
بإمكاننا اخماد الحرائق، لكنه في النهاية، سيكون هناك جحيم لا يمكن إخماده.
لذا فانه لزاما علينا أن نمضي إلى ابعد من ذلك ونعالج الاختلالات الأساسية للدولة الليبية.
الازمة السياسية في ليبيا تعززها شبكة معقدة من المصالح الضيقة وإطار قانوني مختل ونهب لثروات البلاد الكبيرة. الليبيون فقط هم القادرون على ايجاد مسار يخرجهم من هذه الضائقة والسير نحو الاستقرار والازدهار.
تلقينا خلال العام الماضي العديد من المطالبات بتسهيل عقد مؤتمر وطني يناقش فيه الليبيون ذلك. وسنسعى للقيام بذلك في الأسابيع المقبلة.
سوف يجتمع الليبيون من جميع أنحاء البلد، نساء ورجالا في مكان واحد ويقررون بأنفسهم مسارهم إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
ونظرا لأهمية هذا الحدث، فمن المهم جدا ان ينعقد المؤتمر الوطني في ظروف ملائمة مع الأشخاص المناسبين وان ينجح في التوصل الى نتائج تقبل بها الغالبية الساحقة . اننا نعمل ليلًا ونهارًا لجمع هذه العناصر المختلفة لضمان نجاح هذا المؤتمر. وعندما يتم الاتفاق على المكونات الأساسية للتوصل إلى إجماع جديد على أجندة وطنية لإعادة بناء دولة مدنية ليبية قادرة وموحدة من قبل اللاعبين الرئيسيين، سنكون مستعدين لتحديد تاريخ ومكان عقد المؤتمر.
وقد شجعني اعراب الليبيين عن التزامهم بتبني أجندة وطنية جديدة وعن تطلعهم للمستقبل.
لقد حان الوقت لأن تستجيب الطبقة السياسية لهذه النداءات اليومية التي تدعوها الى تجاوز فهمها الضيق للحكم والذي يستند على المصالح الشخصية.
ما من شك في أن الليبيين يرغبون في إجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة. وينبغي أن تكون إحدى المخرجات الاساسية للمؤتمر الوطني هي تحديد المسار الانتخابي المقبل.
تعمل مفوضية الانتخابات في سبيل ضمان جاهزية الجوانب التقنية الملائمة لأي حدث انتخابي – بما في ذلك إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور. نحاط علما بالمناقشات بين المفوضية ومجلس النواب فيما يتعلق بتشريعات الاستفتاء وكما دائماً، فنحن نشجع المشاركة البناءة.
يتعين قبل اجراء أي انتخابات معالجة المخاوف الرئيسية.
ينبغي بالأساس وجود دعم سياسي حقيقي لأي انتخابات تجرى فضلا عن ضمان قبول الجميع واحترامه لنتائجها. والتمويل مطلوب، ويتيعن كذلك تحديد الترتيبات الأمنية للاستحقاقات الانتخابية. يتعين ايضا أن تعمل الخدمات العامة. إن شارك أطراف الوضع الراهن مشاركة فعالة في المؤتمر الوطني إذا ما تحققت، فأعتقد أنه يمكن معالجة الكثير من هذه الامور بسلاسة أكبر.
تعد الانتخابات البلدية عنصرا هاما في الديمقراطية الشعبية وقد كانت اختبارا مشجعا للانتخابات الوطنية. بعد إجراء الانتخابات الناجحة في الزاوية والدرج وبني وليد، أرحب ببدء تسجيل الناخبين في 12 كانون الأول / ديسمبر لحوالي 60 من انتخابات المجالس البلدية الاضافية، حيث تجرى الانتخابات في مارس 2019.
لقد شهدت الأشهر والسنوات الأخيرة صراعا بين الكيانات والأفراد. تغذيها الطموحات الشخصية، في ظل خلل وظيفي مؤسسي مما فاقم من تدهور الوضع الراهن
بيد أن الماضي يمكن أن يشكل البداية. فقد حان الوقت لتجتمع ليبيا بروح التوافق وتتجاوز صعوبات الماضي.
أناشد أعضاء المؤسسات الليبية المختلفة أن يروا في المؤتمرالوطني شأناً وطنيا يسمو فوق المصالح الحزبية والشخصية. وان يروا فيه وسيلة يحتاجها قادة هذا البلد العظيم.
هناك، بلا شك، من سيسعون إلى تقويض المؤتمر الوطني ونتائجه. ولا سيما اولئك الذين يأملون في تأخير الانتخابات حتى يظلوا في مناصبهم.
إن تنافس المصالح أمر طبيعي؛ غير انه ينبغي ألا يقوض هذا التنافس جهود إعادة بناء الدولة وتوحيد مؤسساتها.
وبدون دعم المجتمع الدولي المتضافر، فان المعرقلين سيعمدون الى تخريب العملية السياسية وافشال أي تقدم يُحرز. وإذا ما سمح لهذا بان يحدث فسيتراجع تقدم ليبيا سنوات الى الوراء مما سيفتح الباب، مؤكدا، أمام ممن يؤمنون فقط بالحل العسكري لمشاكل ليبيا. هذا بدوره سيعوق جهود مكافحة الإرهاب الهامة ويحد من فعاليتها نظرا لعدم اقترانها بجهود بناء الدولة.
إن دعمكم لجهودنا ورسائلنا الواضحة للمعرقلين المحتملين العديدين أمر ضروري وهام. فرصة إنجاح المؤتمر الوطني، وجعل الانتخابات الرئاسية وانتخابات البلديات والبرلمان حقيقة واقعة هي في متناول أيديكم . وكل هذا لتعزيز التحول في ليبيا لتصبح دولة مستقرة وآمنة ترتكز على الهيئات الموحدة والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا. لا يسعني إلا أن أشجعكم على اغتنام هذه الفرصة.
ارجو التصحيح لايوجد مدنيون في المدينة القديمة