تناولنا في مقالين سابقين على مدونات الجزيرة صفات الخوارج بشيء من التفصيل، والمقالان هما: (الخوارج.. نزعات وشعارات التكفير والتحقير) منشور بتاريخ 1/3/2018، و(خوارج عصرنا.. وحوش أم جَهلة؟) منشور بتاريخ 18/3/2018، وسنعرض هنا لأهم الصفات التي يتميز بها الخوارج باختصار، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى المقالين لعله يجد فيهما بغيته إن شاء الله، وللاستزادة أكثر يمكن الرجوع إلى كتاب فكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة، وهو متوفر على الموقع بصيغة pdf، وهذه أهم صفات الخوارج:
- الغلو في دين الإسلام
- الجهل بدين الإسلام
- شق عصا الطاعة في الدولة/ الأمة
- التكفير بالذنوب واستحلال دماء المسلمين وأموالهم
- سوء الظن
- الشدة على المسلمين، والعنف مع الآخرين
- التشدد في الدين على النفس والتعسير على الآخرين
- التعالُم والغرور وما يؤدي إليه من تصدر الأحداث
- الاستبداد بالرأي وتجهيل الآخرين
- الطعن في العلماء العاملين
هذه أهم صفات الخوارج ومعتقداتهم، وسنحاول هنا عقد مقارنة مع فرقة الإباضية وتبيين مواضع الاختلاف الفكري والسياسي والسلوكي بين المذهبين.
أولا: موقف الإباضية من الخوارج:
تنظر بعض المصادر غير الإباضية إلى المذهب الإباضي، باعتباره فرعًا من حركة الخوارج، انفصل عن الخط العام ليشكل مجموعة بقيادة عبد الله بن إباض. ومثل هذا العرض للمذهب الإباضي كرّره أولئك العلماء الذين درسوا الموضوع على أساس معلومات مستقاة من تلك المصادر.
لقد كان من الصعب على عدد من الكتاب المسلمين أن يُكوّنوا نظرة واضحة عن الحركة الإباضية وكذلك عن طبيعة علاقاتها بحركة الخوارج، والسبب هو أن خوف الإباضية من الاضطهاد من قبل خصومهم، جعلهم يسترون كتبهم.وعلى هذا، فإنه من المهم أن نعرض نظرة الإباضية الخاصّة إلى منشأ حركتهم وإلى موقفها بالنسبة لحركات الخوارج، كما رأت مصادرها ذلك.
لقد حفظ الإباضية شرحًا مفصلاً لآرائهم عن التطور السياسي الباكر للأمة الإسلامية. وقد ذكر ذلك الدكتور عمرو النامي في مؤلفه دراسات عن الإباضية بشيء من التفصيل.
وفي عهد الدولة الأموية والتي جعلت همها أن تتصدى لأي مقاومة لها فإن مؤيدي مجموعة “المحكّمة” أو المسلمين أو جماعة المسلمين، كما كانوا يدعون في الأدب الإباضي القديم، اضطروا لإخفاء عقيدتهم والقيام بنشاطاتهم سرًا. وقد قاد تلك المرحلة جابر بن زيد، ومن بعده أبو عبيدة بن أبي كريمة التميمي. وتقوم العلاقة بين الإباضية وخصومهم المسلمين على أساس المبادئ التالية:
- على الإباضية ألا يقاتلوا أحدًا إلاّ الذين يقاتلونهم، وليس لهم أن ينهجوا سياسة الاستعراض.
- لا يجوز أن تؤخذ ممتلكات المسلمين غنائم ولا يجوز قتل نسائهم وأولادهم، أو أن يؤخذوا سباياً ويعتمد هذا المبدأ على سيرة المسلمين الأوائل وعلى سيرة علي – رضي الله عنه – في حربه ضد طلحة والزبير – رضي الله عنهما – حيث كان عليّ الخليفة الشرعي.
- ليس “الخروج” واجباً ويمكن للمسلمين أن يعيشوا في ظل الطغاة لاجئين إلى التُّقْية عند اللّزوم.
- الشراء أو التضحية بالذات، واجبٌ اختياري على من اكتمل عددهم أربعين شخصًا أو أكثر حين يكونون هم الذين اختاروا الخروج.
وأبدت المراجع الإباضية هذه المبادئ قياسًا على سيرة الرسول طوال كفاحه في سبيل الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، وفقًا لشريعة الله. وكذلك زعموا أن هذه المبادئ لم تخرق قبل انتفاضة نافع بن الأزرق الذي تصّرف خلافاً لذلك، أو كما قال ابن إباض نفسه: ولكننا باسم الله نختلف مع أبي الأزرق وأنصاره: حين ثاروا بدا لنا أنهم كانوا على دين المسلمين، لكنهم تركوه بعد ذلك وأصبحوا كافرين.
وكانت حركة ابن الأزرق أول انشقاق جاد وخطير في جماعة المحكمة وقد أدت التعاليم التي أدخلها نافع بن الأزرق إلى ردود فعل مختلفة، وقد عارض كل من جابر بن زيد وعبد الله بن أباض آراء نافع بن الأزرق وسواه من زعماء الخوارج المتطرفين كنجدة وداود، لخرقهم تلك الأصول الموضوعة من قبل مؤسسي المذهب.
ونظروا إلى الخوارج المتطرفين بأنهم “المارقة”؛ أي الذين تجاوزوا الدين، وطبقوا عليهم الوصف المعروف المذكور في حديث شهير للرسول (ﷺ) وهو: “يخرُجُ فيكم قومٌ تَحقِرونَ صلاتَكم معَ صلاتِهم، وصيامَكم معَ صيامِهم، وعملَكم معَ عملِهم، ويقرَؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ حناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الدينِ كما يَمرُقُ السهمُ منَ الرمِيَّةِ، ينظُرُ في النصلِ فلا يَرى شيئًا، وينظُرُ في القدحِ فلا يَرى شيئًا، وينظُرُ في الريشِ فلا يَرى شيئًا، ويَتَمارى في الفوقِ“.
ثانيا: آراء الإباضية في مسألة الخروج:
إن العقيدة التي أدخلها نافع بن الأزرق هي أن الخروج أو الهجرة إلى معسكرهم أمرٌ إلزامي وقد اعتبر بلاد خصومهم من المسلمين “المخالفين” دار حرب ونظر إلى أولئك الذين لا يقومون بأي عمل “القَعَدَةَ” باعتبارهم مشركين على أساس الآية القرآنية:﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾[الأنعام:121].
وهذه العقيدة مناقضة للعقيدة التي قال عنها المحكّمة، وهي أنّ معارضيهم من المسلمين لا مشركون وإن إخوانهم المسلمين قادرون على الحياة بين خصومهم، وسمحوا بالقعود إذ أنّ الخروج أو الهجرة ليسا إلزاميين. والواقع أن المحكّمة الأولين كانوا واضحين كثيرًا بشأن مسألة القعود باعتباره شرعياً بالنسبة لإخوانهم المسلمين حتى إنهم انتخبوا عبد الله بن وهب الراسبي إمامًا، وآثروه على معدان الأيادي لأنه قال:
سلام على من بايع الله شاربًا وليس على الحزب المقيم سلام.
لقد تمسك الإباضية بعقيدة المحكّمة الأوائل، ورفضوا موقع نافع وقالوا إن كلاً من المجاهدين والقعدة هم مسلمون: يخرج من يخرج ويتخلف من يتخلف فيتولى الخارج القاعد، والقاعد الخارج على ذلك مضوا، وانقرضوا، رحمهم الله وغفر لهم.
وقد جرى التعبير عن هذه العقيدة في وقت لاحق بالقبول التالي: لا هجرة بعد الفتح: وهو في الواقع جزء من حديث للرسول. وقد ورد في جميع المعتقدات الإباضية للتعبير عن رأيهم بمسالة الهجرة، أو الخروج.
ثالثا: موقف الإباضية بالنسبة لخصومهم مع المسلمين “المخالفين”:
لقد اعتقد الأزارقة أن خصومهم المسلمين كفار، ونظروا بالتالي إلى بلادهم باعتبارها دار حرب، وآمنوا بشريعة قتل نسائهم وأولادهم، أو سبيهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، ومن ناحية أخرى، فإنهم منعوا أتباعهم من أن يرثوا منهم ومن أن يتزوجوا من نسائهم. كذلك رأوا شرعية الاحتفاظ بما أمنهم عليه من خالفهم من المسلمين، وأن ينكروا عليهم حقهم فيه.
وإن جميع هذه العقائد عن علاقتهم بخصومهم المسلمين نظر إليها الإباضية “كضلالات”؛ لأنها معارضة لآراء المسلمين مناقضة لسيرتهم ورفض الزعيمان الإباضيان جابر بن زيد، وعبد الله بن إباض آراء الأزارقة وأنكراها، كذلك اتخذا الموقف نفسه من مجموعات أخرى من الخوارج كالصفرية والنجدات وغيرهما، مع أن هذه المجموعة الأخيرة اختلفت عن الأزارقة حول بعض المسائل.
واعتبر الإباضية هذه العقائد الجديدة التي أدخلها نافع وخوارج آخرون، بأنها “بدع” وانفصلوا عن حركاتهم ورفضوا آرائهم، حتى أنهم خاضوا حروباً ضدهم. وتعدّ سيرة سالم بن ذكوان من بين الوثائق الإباضية القديمة التي ناقشت مشكلة متطرفي الخوارج وآراءهم.
المصادر والمراجع:
- علي محمد الصلابي، الإباضية مدرسة إسلامية بعيدة عن الخوارج، 2018/2019.
- علي محمد الصلابي، فكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة، دار ابن حزم، القاهرة.
- علي محمد الصلابي، الخوارج.. نزعات وشعارات التكفير والتحقير، مدونات الجزيرة، آخر مشاهدة 4/10/2018، https://bit.ly/2JjugSk
- علي محمد الصلابي، خوارج عصرنا.. وحوش أم جَهلة؟، مدونات الجزيرة، آخر مشاهدة 4/10/2018، https://bit.ly/2GCuaaU .
- عمرو خليفة النامي، دراسات عن الإباضية، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط2 2012.، ص49 – 57، ص 60 – 62.
- أبو القاسم بن إبراهيم البرادي، الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخل به كتاب الطبقات، القاهرة، طبعة حجرية، ص165.
- أبو الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، صححه وعلّق عليه أحمد فهمي محمد، مكتبة الحسين التجارية، القاهرة 1948، 1/163.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اطلع منها حتي لا يكون مصيرك مصير الخاشقجي وفكك من الفتن يا مفتن
يا مولانا حتى لا يقال أن كلامك للترضية والمداهنة السياسية عليك أن توجه رسالتك الى رفاقك في دار الإفتاء وعلى رأسهم الشيخ الغرياني لكي يصدروا بيان رسمي أو فتوى تعتمد المذهب الأباظي وتضعه ضمن مذاهب أهل السنة والجماعة ونخلص، العبرة بالأفعال وليس الأقوال يا حضرة الفقي…