في خطاب الرئيس المصري قال إن الهدف الأول للتدخل المصري هو “حماية وتأمين الحدود الغربية للدولة بعمقها الإستراتيجي من تهديد الميليشيات الإرهابية والمرتزقة، أما الهدف الثاني فسيكون سرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي”، والثالث “حقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي شرقا وغربا، بتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار ومنع أي من الأطراف من تجاوز الأوضاع الحالية”.
بالنسبة للهدف الأول، فإن القوة التي تسيطر على شرق البلاد هي القوات الموالية لمصر، وبالتالي فإن الحدود الغربية مؤمنة من قِبل الجيش المصري وحليفه خليفة حفتر، ولا خوف على أمن الحدود في وجود جيش يعتبر تاسع أقوى جيوش العالم وقوات حفتر المدعومة لوجستينا وتقنيا من العديد من الدول.
كما وأن التهديد العسكري لأمن الحدود يقاس بالمدى الجغرافي الذي تصله أسلحة المهددين لأمنه، وبالتالي لا اعتقد أن الجماعات التي تمتلك السلاح في ليبيا، إن سلمنا جدلا أنها إرهابية وممكن أن تهدد الأمن المصري، تملك أسلحة عابرة للقارات، وبالتالي اعتبار سرت والجفرة خطا أحمر وهما تبعدان عن الحدود الشرقية ما يزيد عن ألف كيلومتر أمرا يستحيل أن يُشكل أي تهديد مباشر لمصر.
بالنسبة للهدف الثاني، نحن نعلم أن الحرب التي شنها حفتر على طرابلس جلبت العديد من الميليشيات لجانبي الصراع، وأدت إلى زيادة الدعم الخارجي لحفتر خلال السنة الأولى، مما دفع حكومة الوفاق أن تطلب رسميا، وهي مخولة لهذا الأمر، من أربع دول أن تساندها في رد عدوان حفتر، ولم يلقى طلبها الاستجابة إلا من الجانب التركي، الذي عمل فعلا على إعادة التوازن على الأرض للقوات المتقاتلة، وطرد القوات المعتدية من تخوم طرابلس.
فدعم الدولة المصرية للحرب لم يعمل على جلب الأمن والاستقرار، وإنما أدى إلى نزوح أكثر من 50 ألف عائلة، وقتل المئات من المدنين، وتدمير المنافذ والمستشفيات وآلاف المساكن، وموت آلاف المقاتلين، باختصار سند ومؤزرة حفتر زعزع الأمن، وعمل على تقوية الميليشيات التي زعم حربها.
كان بإمكان مصر أن يكون لها دور إيجابي في ليبيا إلا أن انحيازها لطرف الصراع لم يكن لأسباب أمنية كما تدعي، وإنما بسبب موقفها وموقف الدول التي تتخندق معها ضد الإسلاميين، وهذا الموقف لا يخدم الأمن الليبي ولا الأمن المصري ولا الأمن الإقليمي، بل يفاقم الأزمة ويُطيل أمدها.
كما وأن محور التحالف العربي يتخبط في تقديره للأمن القومي العرب، فهو في اليمن يقف مع الحكومة الشرعية التي تدعمها الأمم المتحدة، وفي ليبيا يقف ضد الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة ويعترف بها.
ودول التحالف العربي تتخبط أيضا في الملف الواحد، ففي موضوع اليمن مثلا تقف السعودية مع حكومة عبد الهادي، بينما الإمارات تُساند خروج المجلس الانتقالي الجنوبي عن الحكومة الشرعية التي تدعمها.
لقد أشرفت مصر على الملف العسكري الليبي، وكان بإمكانها ـن تعمل على توحيد الجيش الليبي وتُساهم في إعادة بنائه، لكن بسبب انحيازها الإيدلوجي وخوفها من الإسلاميين انحازت إلى طرف وغدت الصراع، وزادت من زعزعت الأمن الهش في الجارة الغربية وعمقت ازمتها.
أمن مصر يتطلب من مصر إعادة النظر في جميع قضاياها الداخلية والخارجية. ففي الداخل عليها أن تعي أن وجود الإسلامين واقع، وللإسلام السياسي أنصار ومؤيدين في كل الساحة الدولية، فهم يسيطرون على البرلمان في تونس، ويشاركون في المشهد السياسي الجزائري، ويحكمون في المغرب، ويتربصون بالنظام في مصر.
إذا إشراك الإسلاميين ضرورة ستلجئ إليها كل الدول الإقليمية عاجلا أم آجلا، وعملية إقصائهم واتهامهم سوف تؤخر بناء الدولة ليس إلا، وسيظل التهديد لأمن مصر قائم ليس من ليبيا ولكن من مواقفها في العديد من الملفات المشتركة والقضايا الدولية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً