بعد سنوات عجاف، أطلت بظلها الثقيل على الاقتصاد الليبي، نتيجة لتراكمات من الفساد والتلاعب و”السمسرة”. برزت مبادرة المجلس الأعلى للدولة في شكل حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، والتي رأت النور أواخر العام المنصرم، عندما تم التوقيع عليها من قبل الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والمصرف المركزي.
بعد مرور عام على المصادقة على هذه الإصلاحات، تمكنت -في مرحلتها الأولى- وبشكل جزئي من تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطنين، الأمر الذي بات جلياً من خلال انخفاض الأسعار، وتوفر جزئي للسيولة، ومعالجة جزء من الفساد المالي في ملف الاعتمادات المصرفية.
قد لا تلبي هذه الإنجازات طموح المواطن، أو تطلعات الدولة بشكل عام، ولكن بالقياس لما تم تحقيقه، يمكننا الجزم بأنه ترياق ناجع وخطوة صحيحة في اتجاه تصحيح تشوهات الاقتصاد الليبي، وهو درب يتطلب الصبر والمثابرة لبلوغ الهدف المنشود.
تعتبر هذه الإصلاحات بمثابة إعلان حرب على الفاسدين والمفسدين، الذي أضروا باقتصاد الدولة، وامتدت أياديهم القذرة لتطال قوت الناس وأرزاقهم، وعلى الانتهازيين الذين يحاولون استغلال الثغرات الإصلاحية بشكل مقيت لملء جيوبهم، ولا يتوقع منهم إلا مواجهة هذه الموجة من الإصلاح بكل ما جادت به قريحتهم من خبث ودسائس، في محولات بائسة لإفشال هذا المشروع الحيوي.
جاءت هذه الإصلاحات، التي انبثقت من مبادرة المجلس الأعلى للدولة، في وقت حساس ودقيق، لاحت أثناءه بوادر تنذر بتوقف العجلة الاقتصادية، المتعثرة أصلاً. فكانت نبراساً أنار درب الأمل أمام المواطنين الذين لفحهم لهيب الفساد المالي.
بالرغم من النتائج الإيجابية للإصلاحات، والتي لم ينفذ سوى 30 بالمئة من خطتها الشاملة، إلا أن صراع مراكز القوى في المؤسسات الرسمية، وتعثر أدائها بسبب الانقسامات الداخلية، يمثل حجر عثرة في طريق مداواة الاقتصاد الليبي المتهالك، وهو ما يضعنا في موقف الإلزام للوقوف صفاً متراصاً داعمين لهذا المشروع الوطني الإصلاحي، غير عابئين برياح الشر التي تسعى لكسر طموح المواطن في العيش الكريم وانطلاقة عهد من الازدهار الاقتصادي الذي طال انتظاره.
ولعلنا في هذا المقام، نبدي طموحنا في مرحلة إيجابية قادمة، تستمر فيها عجلة الإصلاحات الاقتصادية في المضي قدماً، متزامنة مع تشجيع أكبر للقطاع الخاص، ووصل جسور التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والبدء التدريجي في النأي عن سياسة الاقتصاد الريعي، والاستعانة بمصادر دخل أخرى، حسب برنامج يلتزم بأسلوب التخطيط العلمي للتنمية الاقتصادية الشاملة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
عليهم الاتصال بكنان وطلب سلفة