بينما تحاول فيه أغلب حكومات العالم تشجيع شعوبها على الإقبال على عمليات التطعيم ضد فيروس كورونا من خلال توفير اللقاحات مجانا وتجهيز مراكز التطعيم في كل مكان، تفرض الحكومة المصرية رسوما في ما وصفه مراقبون بأنه “بيع للقاحات”.
وأفاد المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، نادر سعد، إن الرسوم تهدف إلى تمكين استدامة طرح اللقاح لتغطية تكاليف الشراء في السنوات المقبلة؛ لأنه لن يكون تطعيمًا لمرة واحدة.
ولم يذكر سعد المبلغ الذي تتوقع الحكومة تحصيله من برنامج التطعيم، لكنه قال إنها لن تفرض رسومًا على اللقاحات التي يتم الحصول عليها من خلال كوفاكس.
ويخشى مراقبون أن توثر هذه السياسة على إقبال الناس في مصر على عمليات التلقيح، مما سيؤثر على جهود مكافحة انتشار فيروس كورونا.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإن خبراء الصحة قلقون من أنه مع تعرض الاقتصاد للضغط بالفعل جراء الوباء، إذ فقد حوالي 2.3 مليون شخص وظائفهم وأدى الإغلاق إلى انخفاض الإيرادات من السياحة وصادرات الغاز الطبيعي، سيمتنع الناس عن التلقيح وهو ما سيكون له عواقب مدمرة.
من جانبها، قالت نقيبة الأطباء السابقة، الدكتورة منى مينا: “استقبلنا 350 ألف لقاح هدية من الإمارات والصين. عيب جدا نتلقى اللقاح هدية ثم نبيعه للمواطنين !”.
وأضافت في منشور لها على فيسبوك: “نحتاج لتوسيع نشر اللقاح على أوسع نطاق حتى نوقف هذا الكابوس. كل دول العالم تعطي اللقاح مجانا، لأن اللقاح لا ينتج عنه الأثر المطلوب إلا بعد تلقيح 70% من المواطنين لينتج عن ذلك حائط صد يمنع أو يقلل بدرجة عالية انتشار العدوى. حتى يمكن حماية الفئات التي لا تستطيع تلقي اللقاح، هذه أوليات قواعد الصحة العامة”.
بموجب برنامج التطعيم الحكومي، سيتعين على المصريين والأجانب الذين يعيشون في البلاد دفع 200 جنية (13 دولارا) مقابل جرعتين، وهو مبلغ كبير لأغلب المصريين.
وقالت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، في تصريحات سابقة، إنه سيتم توفير اللقاح بالمجان لفئتين فقط هما الأطقم الطبية في كل المستشفيات على مستوى البلاد، وكذلك لغير القادرين من المواطنين العاديين الذي يقعون تحت بند “تكافل وكرامة” وهو برنامج مساعدات حكومية لغير القادرين.
وأضافت زايد أنه سيتم توزيع اللقاح بين المواطنين بمقابل مادي رمزي وهو 100 جنيه مصري للجرعة الواحدة و200 جنيه مصري للجرعتين كحد أقصى، مشيرة إلى أن “هذا المبلغ ممكن أن يكون أقل”. وأشارت في تصريحات إعلامية إلى أن “رسوم الحصول على اللقاح للقادرين بهدف وجود استدامة في توفير اللقاح”.
وقالت مينا: “الكلام عن أن غير القادر عليه أن يخضع لبحث اجتماعي لإثبات إنه غير قادر كلام مهين. وغير عملي ونتيجته الأكيدة هي صعوبة حصول ملايين المواطنين للقاح. وهذا بالطبع معناه أننا سنظل في هذا الكابوس مع تحورات جديدة للفيروس”.
وتابعت: “الحقيقة لم نر في العالم كله حكومة تطالب مواطنيها بـ (شهادة فقر) حتى تعطيهم الحق في تلقي اللقاح. بعد أن تكون حصلت ثمنه منهم مسبقا”.
وأشارت مينا إلى أن تأخر نشر اللقاح له ثمن فادح ليس على معاناة وأرواح المواطنين والأطقم الطبية فحسب، ولكن أيضا على الاقتصاد، تفوق تكلفة اللقاح بمراحل.
وفي سياق متصل، كانت مصر بدأت عملية التلقيح ضد فيروس كورونا في 24 يناير الماضي، بتطعيم العاملين في الأطقم الطبية، كما بدأت خلال الساعات الماضية بتطعيم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وقال مجلس الوزراء في بيان إن قرابة 153 ألف شخص تقدموا بطلبات للتطعيم منذ يوم الأحد الماضي عندما أتاحت الحكومة إمكانية تسجيل الطلبات عبر الإنترنت. وأضاف أن مصر، التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، أعدت 40 مركزا للتطعيم وإنها تعتزم زيادة العدد بعد وصول دفعات إضافية من اللقاحات.
ووفقا لموقع كوفاكس، الذي يتابع عمليات التلقيح في دول العالم، فقد لقحت مصر منذ الأسبوع الأخير في يناير الماضي وحتى الآن 8613 شخصا فقط، بمعدل 200 جرعة يوميا، وهو معدل منخفض جدا يؤخر وصول مصر إلى مناعة القطيع عشرات السنوات.
وبحسب رويترز، تلقت مصر حتى الآن 350 ألف جرعة من اللقاح الذي طورته شركة سينوفارم الصينية على دفعتين منذ ديسمبر الماضي، كهدية من الإمارات والصين، بالإضافة على 50 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا في فبراير الماضي.
ومن المتوقع أن تحصل مصر على 40 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا-أكسفورد من تحالف كوفاكس، كما تخطط الحكومة لشراء 20 مليون جرعة من نفس اللقاح.
وبعد صدور هذا القرار، رفع المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، دعوى قضائية يطالب فيها بإلزام وزارة الصحة المصرية بتوفير لقاح كورونا لجميع المواطنين مجانا. وقد رفع تلك الدعوى وكيل عن نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلهامي الميرغني، وجرى فيها اختصام رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة بصفتهم الاعتبارية.
وقالت صحيفة الدعوى إنه “قد يكون من المقبول القول بأن هناك ترتيب أولويات للفئات التي ستحصل على التطعيم شأن الأطقم الطبية، وكبار السن، والأمهات، والذين يقدمون خدمات حيوية واستراتيجية للجمهور.. إلخ حسب قدرة الدولة على استيراد اللقاحات لحين نجاحها في تصنيعها بالمصانع المصرية”. وأضافت “أما جعل التطعيم بمقابل مادي فهو أمر مخالف لصريح القانون بغض النظر عن قيمة هذا المقابل التي يتم إعلانها الآن”.
وانضم عدد من الأطباء والسياسيين والصحفيين لهذه الدعوى، وفي مقدمتهم هيثم الحريري، عضو مجلس النواب السابق، الكاتب الصحفي، وأحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية الأسبق.
وقال المحامي، محمد فتحي، أحد أعضاء الفريق القانوني المدعين في القضية، إن قرار وزارة الصحة ببيع لقاح كورونا للمصريين مخالف للقانون والدستور، لأن الدولة في حالة وباء، مشيرا إلى أنها لا توجد دولة تبيع اللقاح لشعبها غير مصر.
وأضاف فتحي في تصريحات لموقع “الحرة” أن نسبة كبيرة من الشعب المصري يعاني بسبب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الوباء، وكثيرون خسروا رزقهم بسبب الفيروس، وأن بيع اللقاحات سيزيد هذا العبء.
وأشار إلى أن “الحكومة تقول إنها تبيعه بسعر رمزي وهذا غير صحيح، لأنها سعرت الجرعة الواحدة بـ100 جنيه، ويحتاج الشخص إلى جرعتين أي ما يعادل 200 جنيه (١٣ دولار) وهو عبء كبير على الأسرة التي تتكون من 5 أو 6 أشخاص”.
كانت الحكومة أعلنت في مايو الماضي، اقتطاع واحد في المئة من أجور الموظفين في القطاعين الحكومي أو الخاص ونصف في المئة من رواتب المتقاعدين على المعاش، لمدة عام تحت مسمى “المساهمة التكافلية لمواجهة التداعيات الاقتصادية لكورونا”، بالإضافة إلى تخصيص 100 مليار جنية من ميزانية الدولة لمواجهة الوباء.
ومنذ بدء الجائحة، سجلت مصر أكثر من 185 ألف حالة إصابة بالفيروس، ونحو 11 ألف حالة وفاة. ويؤكد المراقبون أن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير بسبب قلة عدد المسحات.
وقالت عبير عبد الرازق، 38 سنة لوول ستريت: “رسوم اللقاح مبالغ باهظة بالنسبة لكثير من الناس. سأعطي الأولوية لتطعيم أطفالي الثلاثة وليس أنا”. وأكدت أنها تكافح من أجل تغطية نفقاتها بعد تسريح زوجها من وظيفته.
وأكد فتحي أنه بسبب سعر اللقاح سيمتنع كثيرون عن الحصول على اللقاح، وهو ما سيؤدي إلى استمرار المعاناة من الوباء.
وقال: “الدولة تصرف مليارات الدولارات على الكباري وغيرها من المشروعات، من هيستخدمها ولو لم يتم تلقيح الشعب وإنقاذه من هذا الوباء”.
اترك تعليقاً