يشكل ارتفاع درجات الحرارة العالمية تحدياً كبيراً للبشرية، حيث تشهد معظم دول العالم ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة، تسببت في الشرق الأوسط ومناطق أخرى حول العالم بوقوع العديد من الوفيات.
وتوقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن “يكون متوسط درجة الحرارة العالمية القريبة من السطح لكل عام بين عامي 2024 و2028 أعلى من خط أساس الفترة بين عامي 1850-1900 بمتوسط يتراوح بين 1.1 و1.9 درجة مئوية”.
وأشارت المنظمة في تقرير أصدرته في يونيو الماضي، إلى أنه “من المرجح بنسبة 86% أن تسجل سنة واحدة على الأقل من هذه السنوات رقماً قياسياً جديداً في درجات الحرارة، متجاوزة بذلك عام 2023 الذي يعد حالياً أكثر الأعوام دفئاً”.
ويضيف التقرير أن “هناك احتمالاً بنسبة 47% أن يتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية خلال فترة السنوات الخمس 2024-2028 مستوى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 32% مقارنة بتقرير العام الماضي للفترة 2023-2027”.
في السياق، قال رئيس مركز معلومات المناخ في وزارة الزراعة المصرية، الدكتور محمد علي فهيم، “إن محطات الرصد الجوي أظهرت ارتفاعاً واضحاً في متوسط درجات الحرارة الذي اقترب من 1.5 درجة مئوية، وهو اقتراب متسارع يتجاوز الحد المنصوص عليه في اتفاقيات باريس، ما يشكل تحديّاً خطيراً”.
وأضاف فهيم لقناة الحرة: “موجة الحر الشديدة تؤثر على جميع دول العالم، بما في ذلك المناطق التي عرفت بمناخها البارد مثل غرب كندا، جنوب أوروبا والشرق الأقصى”.
وقال: “رغم أن الشرق الأوسط قد يبدو أقل تأثراً بتغير المناخ مقارنة ببعض المناطق الأخرى، تشهد المنطقة، تغيرات مناخية ملحوظة، مثل العاصفة دانيال التي ضربت شرق ليبيا من خلال انتقالها من جنوب أوروبا عبر البحر المتوسط إلى شمال إفريقيا، وكذلك الأمطار غير المتوقعة في الإمارات، عمان، وجنوب شرق الخليج العربي خلال أبريل الماضي”.
وأضاف أن “التغيرات في أنماط هطول الأمطار الموسمية في مناطق القرن الإفريقي وجنوب الصحراء الكبرى، والتي تشمل السودان وتشاد وإثيوبيا واليمن والسعودية وجنوب مصر، تشير إلى حدوث تغير كبير في المناخ، فالتغيرات في كمية الأمطار وتوقيتها وشدتها، إلى جانب التغيرات في درجات الحرارة، تؤكد على هذا التحول المناخي المتسارع”.
وقال فهيم: “لا يقتصر الأمر على ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، بل يشمل أيضاً الانخفاضات الحادة في درجات الحرارة خلال الشتاء، والعواصف الثلجية في المناطق الباردة، والأمطار الغزيرة التي تتحول إلى سيول وفيضانات في بعض مناطق العالم”.
وتابع: إن “أسباب ارتفاع درجات الحرارة معروفة، وهي تعود إلى تغير المناخ، الناتج عن الاحتباس الحراري الذي ينتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة، التي تأتي من الأنشطة الصناعية في الدول الصناعية الكبرى، مثل الصين، الولايات المتحدة، كندا، الهند، الاتحاد الأوروبي، والبرازيل، والتي تتسبب بأكثر من 80% من انبعاثات هذه الغازات”.
بدوره، أكد رئيس دائرة المناخ في مصلحة الأرصاد الجوية، وأستاذ المناخ في الجامعة اللبنانية، الدكتور طارق سلهب، أن درجات الحرارة الحالية التي يشهدها العالم تتجاوز المعدلات الطبيعية”، موضحا أن “هذه الظاهرة تحدث بشكل دوري كل عشر سنوات تقريبا”.
وأرجع سلهب، “هذا الارتفاع إلى تضافر عدة عوامل، على رأسها “التغيرات المناخية الناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري، وهو ما يزيد من تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ويؤدي إلى احتباس الحرارة وارتفاع درجة حرارة الكوكب”.
أما العامل الثاني فيتمثل، بحسب ما قاله سلهب لموقع “الحرة”، في “أنظمة الضغط الجوي التي تؤدي إلى تغير في أنماط الرياح وتوزيع الأمطار، مما يؤثر مباشرة على درجات الحرارة”، مشيرا إلى تأثير ظاهرة النينو، “التي تتمثل في ارتفاع غير طبيعي لدرجة حرارة سطح المحيط الهادئ الاستوائي، على الأنظمة الجوية العالمية”.
وأوضح سلهب، “أن ظاهرة النينو “تؤدي إلى تغييرات في أنماط الرياح والتيارات البحرية، مما يؤثر على توزيع الأمطار ودرجات الحرارة في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك منطقة حوض البحر المتوسط، حيث تؤثر على حركة الرياح الغربية وجلب الأمطار إليها”.
وأضاف “أن النينو يمكن أن “تسبب جفافا في بعض المناطق وفيضانات في مناطق أخرى، كما يمكن أن تؤدي إلى زيادة في تواتر وشدة العواصف”، ولفت إلى أن “التيار النفاث يلعب دوراً هاماً في جلب المنخفضات الجوية إلى المنطقة، مما يساهم في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة سرعة الرياح خلال فصل الصيف الحالي”.
وقال: “أما العامل الثالث فيتمثل بالنشاط الشمسي، “حيث تشهد الشمس حالياً فترة ذروة في نشاطها، مما يزيد من الرياح الشمسية التي تصل إلى الغلاف الجوي للأرض وتساهم في ارتفاع درجة حرارته”.
وأوضح سلهب أن “التقاء هذه العوامل الثلاثة هذا العام أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال فصل الصيف الحالي مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أنه توقع أن تهدأ هذه الظروف تدريجياً مع تراجع النشاط الشمسي والانتقال إلى ظاهرة لا نينا، الظاهرة العكسية للنينو، والتي ستؤثر على أنماط الطقس العالمية”.
من جانبه، حذّر رئيس حزب البيئة العالمي، الدكتور ضومط كامل، “من خطورة التغير المناخي الذي وصل إليه كوكبنا، مرجعاً السبب الرئيسي لهذه التغيرات المناخية إلى “الأنشطة البشرية، مثل إزالة الغابات واستخدام الوقود الأحفوري بكثافة”.
وأوضح أن “النشاطات العسكرية تلعب دوراً كبيراً في تغيير أنماط المناخ، إذ تؤدي الانفجارات والانبعاثات الناتجة عن الحروب إلى ارتفاع حرارة طبقات الجو العليا وتغيير مسارات التيارات الهوائية”.
وأشار كامل، إلى أن “التوازن الطبيعي بين الكتل الهوائية الباردة والحارة اختل تماماً لصالح الكتل الحارة التي باتت تهيمن على المناخ العالمي، وهذا التغير الجذري أدى ارتفاع حاد في درجات الحرارة”، مشددا “على أن التقسيم التقليدي للفصول أصبح أمراً من الماضي، حيث “بتنا أمام فصل صيف طويل وحار جداً وشتاء طويل وقاس جداً”.
وتابع كامل “تؤدي زيادة درجة حرارة المحيطات، وهي نتيجة مباشرة لتغير المناخ، إلى زيادة حدة وشدة العواصف الاستوائية”.
يذكر أنه وفي السعودية، تزامن ارتفاع درجات الحراة القياسي مع مناسك الحج، مما أسفر عن وفاة بعض الحجاج، كما لقي عدد من السودانيين مصرعهم خلال تهريبهم برا إلى الأراضي المصرية بسبب ضربات الشمس، في شهر يونيو الماضي، وفي الصين، قضى أربعة أشخاص على الأقل بعد طقس ماطر وسط ارتفاع درجات الحرارة، كما وصلت درجة الحرارة في مصر، في بعض المحافظات إلى نحو 50 درجة مئوية.
اترك تعليقاً