زرعوا فوق ترابك الدمَ وبين أهلك الفراق والشقاق والنفاق لقد فارق الليبي الحياة ومن لم يفارق الحياة فهو خائف أو منقاد، هل سئل أحدٌ عنكَ أيها الليبي وأنت تقتات الفتات وعنكِ يا بلدي حين أصبحت قبلة للمندسين والعملاء وفوق ذلك أرضك مستباحة للعدو وملعبا لرجال المخابرات.
إلى أين يا بلدي، مضت قرابة الإثني عشرة ربيعا على ثورة قادها شعب كان يطمح أن يكون فوق أرضه راسخا ومتقدما للعلو بثبات، ولكن الطموح مات قتله حاكم ووزير ورئيس وشيخ قبيلة ورئيس عصابة مسلحة وأغرقونا في الدموع والأحزان وأعادونا إلى أسوأ مما فات، ثورة أطاحت بعهد حَكم البلاد ما يزيد على أربعين سنة فلم يرحم لا العباد ولا البلاد، ولكن هل يفيد البكاء على الأطلال؟ كلاّ لن يفيد أحدا منا أن نتخذ القذافي حائط مبكى نندب فيها حالنا وحظنا التعيس وما آلت إليه أمور دولتنا التي لم يعد فيها ولا لها كثيرا حتى صارت مرتعا للثعالب والذئاب المحلية والمهجنة فهل يغني عنا أن نندب حالنا كما يندب اليهود حظهم التعيس على حائطهم وكما يندب الشيعة في عاشوراء حظهم التعيس في الدنيا وأظنه في الآخرة أيضا. لازال العامة وكثير من المتعلمين يعلّقون فشلهم الذريع في تكوين دولة آمنة مزدهرة على أخطاء القذافي وما قام به؟! أقول ذلك عهد قد مضى وما فات مات فالمجتمعات السليمة الخالية من العلل والأسقام والدول التي تسعى للتقدم والإزدهار لا تنظر إلى الوراء لتنبش الماضي التماسا للأعذار، بل تنظر إلى الأمام لتسير بتقدم راسخ وبخطوات ثابتة نحو الرقي والتقدم والإزدهار، ولكن يا للأسف لا تجد ذلك في بلادي!.
يتعاقب الحكام منذ اثني عشرة عاما ولم يحرك فيهم أحدا ساكنا ولم يولي أيّا منهم اهتماما لما يعانيه الوطن والمواطن حيث يتجدّر الفساد ويتغلغل في مفاصل الدولة حتى أصبح سمة سائدة في مؤسساتنا حيث تصرف وتسرق مبالغ خيالية بعشرات المليارات للحكومة ويا ليتها لم تصرف لتبقى في خزينة الوطن حتى يأتي رجل وطني يضعها في مكانها التي تستحقه ويستحقه المواطن وفي الغالب تنهب هذه الأموال لتذهب إلى جيوب المرتشين والمحتالين واللصوص صغيرهم وكبيرهم فهم في سلّة واحدة كلٌ يحاول أن يستولي على ما يستطيع من المال العام وليذهب الشعب إلى الجحيم فالجحيم يعتقد حكامنا أنه يكفيه والأمثلة على فساد الذمم والأخلاق كثيرة في بلادي فخذ على سبيل المثال قامت لجنة بزيارة إحدى الدول العربية لجدولة ديون العلاج المستحقة على ليبيا لتلك الدولة أو تخفيضها وتنجح اللجنة في تخفيض الديون إلى أكثر من ثلث الدين لتجنب الخزينة العامة دفع عشرات الملايين ولكن اللصوص كان لهم رأي آخر لتبدأ بعدها القصة الحزينة حيث يذهب الوزير الليبي المختص في زيارة لتلك الدولة ويقوم بإلغاء ما قامت به اللجنة أي يجعل الدولة الليبية تدفع المبلغ كاملا وكأنه وزير تلك الدولة والناطق باسمها ويتصرف كأنه ليس وزيرا ليبيًّا، عجيب ما يجري في بلادي، ثم بعد هذه الصفقة التي من المؤكد أن له فيها نصيب الأسد يستقل الوزير طيارة خاصة ويتجه لأحد الدول الأوروبية ثم يستدعى بعدها للمساءلة وهو الآن رهن التوقيف للتحقيق معه في قصص فساد مشابهة يشيب لها الولدان هذا غيض من فيض مما يجري في بلادي وقس على ذلك ويزيد!.
في بلادي يجتمع المسؤولين خارج ليبيا من مرّاكش إلى ألمانيا مرورا بمصر والبحرين وغيرها ليُطبخ ويقدم لهم حل مشاكل ليبيا بأيدي غير ليبية في مطابخ غير ليبية لأن قادة مرحلتنا بعد فبراير لا يستطيعون صرفا، ولا عدلا ولا يملكون لأنفسهم ولا للوطن نفعا ولا رشدا، ولكنهم في المقابل يملكون لنا وللوطن الجريمة والفساد.
متى وهل ستستيقظ قلوب هؤلاء الموتى ليعرفوا أن هناك بلد على رقعة جغرافية كبيرة بين مصر وتونس اسمه ليبيا تولوا هم إدارته أو حكمه جزئيا كان أم كليا فساقوه إلى الجحيم كما يساق المجرم إلى القصاص، انتقموا من الوطن كما ينتقم صاحب مصيبة ممن كان سببا في مصيبته وكأنهم أتو من كوكب آخر فأردوا الوطن قتيلا لم يبقوا له هيبة ولا علو شأن وصار شعبه لقيطا مطاردٌ في البحار وبين أزقة الدول الأوروبية وغيرها بين هجرة غير شرعية أو عامل في الدول الشرقية والغربية، أهانوا الشعب والوطن وأي شعب أهانوا يقول الزعيم نلسون مانديلا: “ليس حرا من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة”، فهل يشعر هؤلاء بالإهانات التي يعيشها الليبي في الداخل والخارج؟ فانظر إلى ما نحن فيه؟ هكذا أصبحنا قتلوا فينا حتى الشعور بالإنسانية والنخوة والأخوة فما الذي أبقوه لنا؟ ولكن ثق أن الصمت في كثير من الأحيان هو أبلغ من الكلام وأن الثقة بالنفس تفوق العنفوان وأعلم أن الأوطان قلوب وأن القلوب أوطان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً