يبدو بأن المشهد الليبي يتجه نحو مزيد من التعقيد، وأن الأزمة السياسية قد استعصت عن الحل، الثلاثاء 16 أبريل 2024م أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي عن استقالته في أثناء إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي عن الأوضاع في ليبيا، وهي ليست المرة الأولى التي يستقيل فيها مبعوث أممي في ليبيا، فقد سبقه غسان سلامة في مارس 2020م، ورغم أن غسان سلامة قد أشار إلى أن استقالته لأسباب صحية، إلا أن كثيراً من تصريحاته عن الأزمة الليبية تؤكد بأنه كان مطلع على خفايا الصراع في ليبيا بكل تداخلاته المحلية والإقليمية والدولية، وهو بلا شك قد أيقن بأنه وصل إلى طريق مسدود وأصبح غير قادر على إيجاد حل حقيقي لأزمة شعب غابت فيه الثقة بين الفرقاء السياسيين أبناء البلد الواحد، وباتيلي بهذه الاستقالة أدرك هو الآخر نفس ما أدركه غسان سلامة.
وفي إحاطته أمام مجلس الأمن عن الأوضاع في ليبيا، قال باتيلي: “إن خليفة حفتر يطالب بدعوة أسامة حماد إلى مباردة البعثة أو سحب دعوة الدبيبة في مقابل عدم دعوة الأول، وأن المطالبة بإضافة حماد ستزيد الانقسام”.
وأضاف باتيلي: “إن عقيلة صالح مستمر في تشكيل حكومة موازية، وأن محاولته لحل الأزمة لم تجد رداً إلا المعارضة وعدم الاكتراث بمصلحة الشعب الليبي”، كما قال باتيلي: “رأيت طلبات غير متوقعة من الأطراف الفاعلة في ليبيا لمبادرتي لحل الأزمة، وأن الأطراف الليبية مواقفها متحجرة وتعرقل الوصول إلى حل الأزمة”.
واعتبر باتيلي بأن التحركات العسكرية التي تقوم بها قوات حفتر قرب سرت تُشكل خطراً يهدد اتفاقية وقف إطلاق النار، وأكد بأن سحب الجنود الأجانب والمرتزقة من البلاد قد توقف.
وعن الوضع في طرابلس، قال باتيلي: “إن وجود المجموعات المسلحة والأسلحة الثقيلة في العاصمة يشكل خطراً على سلامة المدنيين”.
وأسوة بمن سبقه من أسلافه من المبعثوين الأمميين إلى ليبيا، وجه باتيلي انتقادات حادة للطبقة السياسية في ليبيا، عندما وصف من هم في السلطة بأنهم يغلبون مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد، وأن أنانية القادة الحاليين تأتي على حساب الليبيين.
إن استقالة باتيلي جاءت في توقيت دقيق وحساس، وهي بلا شك مؤشر على احتمال تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا إلى مستويات أكثر خطورة ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار تنامي التواجد العسكري الأمريكي في غرب ليبيا ممثلا في شركة امنتيوم، وذلك على خلفية خشية الأمريكيين من توسع النفوذ الروسي، وأيضا ما تقوم به روسيا من ترسيخ لوجودها العسكري في شرق ووسط وجنوب ليبيا عبر شركة الفاغنر ومساعيها لإعادة هيكلة وتنظيم قوات فاغنر في ليبيا بتأسيس الفيلق الإفريقي ولتكون ليبيا إحدى أهم قواعدها للتحرك وتنفيذ سياساتها في إفريقيا، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضا ما قامت به روسيا مؤخراً بجلب أسلحة وذخائر عبر سفينتين حربيتين إلى ميناء طبرق وانطلاقاً من الأراضي السورية من قاعدة طرطوس البحرية، فإن كثير من المؤشرات والمعطيات على الأرض تؤكد بأن ليبيا قد أصبحت قاعدة مهمة للروس، وأنها قد تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، هذا التوسع العسكري الروسي في ليبيا الآن كان متوقعاً منذ فترة وسيكون بداية لتوسع أكبر في إفريقيا، وهو ما يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
نحن في ليبيا يجب أن لا نعول كثيراً على دور البعثة الأممية، وأن لا نعلق عليها الآمال في حل الأزمة السياسية فقد خبرناها على مدى 12 عاما من الصراع في ليبيا، وهي بعثة عاجزة تماماً عن تحقيق آمال وتطلعات الليبيين في إعادة بناء دولتهم المنهارة منذ عام 2011م، وهي في حقيقتها ليست إلا أداة ووسيلة بيد الدول الكبرى المهيمنة على مجلس الأمن لضمان تدويل القضية الليبية ومنع القوى الوطنية الليبية من التوافق وإيجاد حل ليبي – ليبي يقود إلى الاستقرار، ونجاح العملية السياسية وإنهاء المراحل الانتقالية، وسنرى بأن ستيفاني خوري الأمريكية خليفة باتيلي لن تأتي بأي جديد لحل الأزمة الليبية، وأن ما ستفعله هو الاستمرار في سياسة إدارة الأزمة وليس حلها، والهروب الكبير إلى الأمام لتضييع الوقت واستنزاف الدولة الليبية اقتصادياً واجتماعياً وبما يضمن استمرار حالة الضعف والانقسام، وهي الحالة المطلوبة لتمرير الأجندات الأجنبية بما يخدم مصالح الدول الكبرى المتدخلة في الصراع الليبي، مع منح قليل من الفتات لبعض الدول الإقليمية الطامعة في ثروات ليبيا، وهذا يعني بأن مستقبل العملية السياسية في ليبيا والمتعثرة منذ عام 2014م غامض ومجهول، وأن المشهد الليبي مفتوح على كل الاحتمالات والتي من أخطرها تفجر الحرب، طالما أن الليبيين مستمرين في الاعتماد على البعثة الأممية ومن ورائها الدول الكبرى.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً