أين نحن من شهادة العالم بانتصارات البنيان المرصوص ضد داعش؟ - عين ليبيا
من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار
ليبيا فوق الأطماع السياسية وفوق الجميع.. لا يمكن لبعض الأطراف العسكرية “الحفترية” أو بعض الجماعات الإسلاميين، المتكئة على دار الإفتاء تطويع السياسة في ليبيا لخدمة توجهاتهم ومآربهم..
يقول المولى عز وجل: “كذلك يضرب الله الحق والباطل.. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.. كذلك يضرب الله الأمثال”. طال الزمان أم قصر فلن يبقى على أرض ليبيا إلا ما ينفع الناس بدون أي تمييز قبلي أو توجه ديني.. نعم سيبقى العدل والحرية وسلطة القانون وسينتهي الظلم والجور والطغيان.. لن تنجح محاولات الاستحواذ على الوطن باسم توظيف الدين أو باسم العسكرية القبيلة.. وستنتصر المواطنة. فالواضح أنه ومع انتصارات أحرار ليبيا على داعش في سرت وبداية سحب البساط من تحت السيد حفتر دخلت علينا سرايا دفاع بنغازي وغرفة ثوار تحرير اجدابيا لتفسدا مشهد الانتصارات على داعش. لا أحد يشكك في نوايا أحد ولكن لا يمكن قبول خروجهما عن المجلس الرئاسي والتحرك دون التنسيق مع حكومة الوفاق، ولو لم يكونا في وفاق مع حكومة الوفاق، بل تعقيد المشهد أربكة إعلان السرايا تبعيتها إلى دار الإفتاء.. الأمر الذي لا يطمأن له أهلنا في اجدابيا ولا الشعب الليبي عموما. فالهروب من دكتاتورية العسكر.. قوات حفتر.. لا يعني قبول أن نقع في براثن التوجيه الديني السياسي لسرايا الدفاع عن بنغازي بالرغم من أن جميع النصوص، دينية وسياسية، بعضها ظنية الدلالة تحتمل أكثر من تأويل وتفسير!!!! لا يمكن قبول إلا الصراع السلمي بين المتخالفين في تفسير النصوص دينية أم سياسية وحتى حقوقية.
صحيح أن المجلس تلكك بصورة واضحة لإصدار بيانات ضد قصف قوات حفتر للمدنيين في درنة والذي طال أطفالا ونساءً، وهي جرائم حرب، وتسرع في اصدار بيانا ضد إبعاد قوات حفتر من اجدابيا ووصفها بالإرهابية. بالرغم من أن جميع المنصفين في ليبيا يدينون قوات حفتر المتمركزة في اجدابيا لأنها لم تتصدى للدواعش الفارين من درنة إلى سرت.. إلا أن المجلس الرئاسي بتسرعه، أو ربما بالضغط عليه، يخسر تأييد شريحة كبيرة من المجتمع الليبي، وعليه أن يستدرك الأمر ويكون أقرب إلى الحياد وبعيدا عن الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع أو أن يقع تحت ضغوط أي عضو من أعضائه كما هي الإشارة إلى السيد د. فتحي المجبري.
كذلك وضع حرس المنشآت النفطية التابع له في موقف لا يحسد عليه فالتخلص من قوات حفتر على أطراف اجدابيا لم يحقق أي مصلحة لحرس المنشآت بعد أن أخذت مكانه قوات لا تعترف بالمجلس الرئاسي بل وعرضت حرس المنشآت لقصف طيران حفتر.
لا يستطيع أحد إنكار صعوبة، بل استحالة، إدارة المجلس الرئاسي بتسعة أعضاء والوصول إلى وفاق بشأن أي نقطة تطرح على طاولة النقاش. بل ما نعرفه أن أعضاء المجلس هم بين أطراف نقيض. فمنهم المؤيد للعسكر لعنتريات السيد حفتر وقصفه للمدنيين في درنه وبنغازي، ومنهم المتعاطف مع التيار الديني أحد الأطراف المحاربة لحفتر.. وليبيا في دوامة.. ما بين الانحياز إلى دكتاتورية العسكر وبين أكمام الأفواه باسم الدين أو بالأحرى إدارة شؤون الحياة سياسية أم مدنية بتوكيل من الله سبحانه!!! أحرار فبراير يحترمون العسكر ورجال الدين ولكن شرط أن ينأون بأنفسهم عن السياسية ويبعدون قدراتهم وأسلحتهم عن حلبة الصراع السياسي والمسلح!!!
الحكم العسكري الدكتاتوري من جديد مرفوض!!! ولكن يتحفظ معظم الشعب الليبي من استغلال العاطفة الدينية وتوظيفها للوثب على مقاليد السلطة ورسم حياة الليبين والليبيات بتصورات وتفسيرات لنصوص دينية بدلالات ظنية تحتمل عدة مفاهيم وقناعات حول معانيها. بل الخوف من التعامل بفوقية وبحجة امتلاك الحقيقة الوحيدة.. فيتحول المخالفين لهم خارجين عن الشرعية والشريعة من وجهة نظرهم!!! والشواهد جلية بالخصوص.
المجلس الرئاسي يتعامل مع السيد حفتر بحذر تفاديا لشره وقد نلوم المجلس الرئاسي ونعذره. فنلومه لأننا لا نرى أي معطيات لوجود أي فرصة لنجاح حفتر في ليبيا وقد يرجع ذلك للأسباب التالية:
أما إعطاء العذر للمجلس الرئاسي عن تحفظاته تجاه حفتر فقد يرجع ذلك للأسباب التالية:
واليوم بالرغم من استماتة بعض الدول العربية، مصر والأمارات، العلني لدعم حفتر ودول غربية مثل فرنسا بات من الواضح أن السيد حفتر يلفظ أنفاسه بالرغم من المحولات المستمرة لإدخاله غرف الإنعاش، بصيغة الجمع، وآخرها دعوة الاتحاد الأفريقي للمصالحة بهدف السماح لآخذ بعض رموز النظام السابق مكان لهم في حكم ليبيا الجديدة.. ويشير المتخصص في الشأن الليبي الأستاذ غازي معلا في برنامج منتصف الليل بقناة ليبيا لكل الأحرار 18 يونيو 2014 بأن هذه الدعوة هي الرجوع إلى 2011 ومحاولة لإيجاد دور لبعض رموز الدكتاتور معمر بعد التحالف الواضح بينهم وبين حفتر والسيد عقيلة صالح الذي جعل من طبرق ملتقى لمخططاتهم ولقاءاتهم أمثال السيد الطيب الصافي. هزيمة السيد حفتر كما أسلفنا تعكسها معطيات وليست تمنيات كالتي استمر هو يمني نفسه بها لمدة عامين. فكل ما يجب على المجلس الرئاسي هو استثمار انتصاراته في معركة البنيان المرصوص لسحب البساط من حفتر دون مواجهة أعدائه، الذي يرفضون الاعتراف به، واتهامهم بالإرهاب!!!
يجب أن تكون دار الإفتاء مؤسسة استشارية تضم في طاقمها معظم التخصصات الجامعة لعلم الدين والحياة وخاصة من لهم علاقة بالعلوم الاجتماعية والنفسية والقانونية والإعلامية. لذلك يجب أن تخدم جميع الليبيين والليبيات بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الفكرية أو المذهبية. فعوضا أن تأنى دار الافتاء بنفسها عن الصراع السياسي والعسكري الذي يحصل في ليبيا تنحاز إلى طرف، وهذا يعرضها للنقد اللاذع من قبل الناس. بل الغريب أن تعلن سرايا الدفاع عن بنغازي تبعيتها لدار الإفتاء وهذا سيشكك في مصداقية عمل دار الإفتاء!!! فبعض النظر عن الطرف المذنب أم صاحب الحق يجب على دار الافتاء أن تتواصل وتتعاون وتجلس مع الطرفين لتقريب وجهات النظر والاجتهاد في الوصول إلى حل. لا أن تصب البنزين على نار الحرب وتؤجج صراع الأخوة. لذلك باتت دار الافتاء عبأ على المجلس الرئاسي فعوضاً أن ترفع راية السلام وتساعده على التواصل مع المتحاربين وحلحلة القضايا المستعصية تزيد الطين بلة. لا يمكن أن يوظف الدين في إذكاء وتيرة الصراع السياسي والحرب بين الأخوة وحتى الأعداء.. على دار الافتاء أن تكون الملاذ الآمن للجميع.. دورها في الحرب لا يفرق عن الهلال أو الصليب الأحمر.. فكل من يدخل في كنفها يصبح آمناً.
مع بدايات التوصل إلى وفاق والإعلان عن التوافق بين الأطراف السياسية في ليبيا أعرب وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني في بيان له بالخصوص بأن “ايطاليا، باعترافها بالجهود المتواصلة لمبعوث الأمم المتحدة، بيرناردينو ليون ستواصل تقديم دعمها للخطوات المقبلة نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا”. (2). إضافة إلى العديد من البيانات وزيات ممثلين لمختلف الدول الأوربية.
راهن المجلس الرئاسي من بداية التوقيع على التوافق الوطني بالعمل مع الجميع وقبول الجميع وتمثيل الجميع ولو نظريا. ونجح إلى حد ما في ذلك فمع دخول طرابلس بدون أي مقاومة تواصل مع السيد خليفة حفتر ونجح في تعين السيد المهدي البرغثي وزيرا للدفاع مع رفض البعض له. بل النجاح الكبير، قبل توفير الخدمات للشعب الليبي، بدأت معركة البنيان المرصوص وحققت نجاحات أشاد بها العالم قبل الأخوة والأخوات في الوطن.
ظن الكاتب في الماضي بأن سكوت المجلس عن قتل قوات حفتر لأطفال درنه محاولة منه لأخذ موقف الحياد إلا أنه وبعد تصريحه بشأن طرد قوات تابعة لحفتر من أجدابيا واعتبارها بأنها عملية إرهابية فهذا ما لم يكن يتوقع من معالي السيد فائز السراج!!! فمهما كانت الضغوط عليه ما كان عليه أن يخضع لمثل هذا الانهيار.. بعد انتصارات البنيان المرصوص وتحسين نسبي لخدمات الكهرباء، بعد خروج مظاهرات، ووفرة الخبر وتحسين السيولة بقدر.. بعد كل هذا تضيع البوصلة من السيد السراج ويظل طريقه. منذ البداية انحاز السيد السراج لتأيد المجتمع الدولي له ولم يرضخ لآي ضغوط داخلية لكنه اليوم لا يستفيد من إشادة المجتمع الدولي بانتصارات البنيان المرصوص ويركن إلى الحياد بشأن ما يحصل في أجدابيا أسوة بموقفه تجاه ما يحدث في درنة!!! على السيد السراج أن يتخذ استراتيجية واضحة تجاه أطراف النقيض، غير المعترف به، في ليبيا أما بالمواجهة أم بالسكوت.. والكاتب يرى بأن تأجيل المواجهة قد يعجل من السير بخطوات ايجابية تجاه بناء ليبيا والتخفيف من أزمتها.
نقل موقع أخبار ليبيا الآن عن بوابة افريقيا الاخبارية أن الرئيس الأمريكي “باراك اوباما” يقول: في ليبيا تتوالى خسائر داعش وقوات حكومة الوحدة تلاحقهم في معقلهم في سرت وسنواصل دعمنا للحكومة الجديدة لتحقيق الاستقرار”
وذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية بيتر كوك “نحن نراقب الوضع عن كثب وما نراه يشجعنا”، مشيرا الى ان التقدم في سرت “يشير إلى أن حكومة الوحدة الوطنية تتقدم على غرار القوات التي تدعمها.. نحن نراقب الوضع عن كثب ونشعر بتفاؤل كبير لما نراه”(5).
كما أشاد المبعوث الأمريكي لدى ليبيا جوناثان وينر في تغريدة على حسابه في “تويتر” “بالتقدم الكبير الذي تحقق ضد “تنظيم الدولة” في سرت” (3).
الإشادة الأمريكية تضاهي وتعبر عن أكبر عدد من الدول الغربية وهذا مكسب كبير يجب الاستفادة منه لمصلحة الشعب الليبي على مختلف الصعد.
على صفحتها بالفيس بوك تنشر السفارة الفرنسية بالأردن تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية في 2016.06.11 الذي يقول: “تشيد فرنسا بالتقدم الذي أحرزته القوات الليبية، الموالية لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السيد فايز السرّاج، في التصدي لتنظيم داعش في سرت.. ويقتضي الانتصار على تنظيم داعش تحقيق وحدة الصف السياسي الليبي، تحت سلطة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني. لذا تناشد فرنسا الأطراف الليبية السعي إلى تحقيق هذه الغاية، ولا سيّما من خلال بناء جيش وطني موحّد وشامل للجميع.” (4). مع اتفاقنا مع أهمية وحدة الصف السياسي وحتى العسكري ولكن السؤال هل خلال المواجهة ضد داعش تستطيع ليبيا بناء الجيش الوطني موحد وشامل؟! لم يلتقط بعد الليبيين والليبيات انفاسهم بحيث يفكرون في البناء فمنذ انتصار أحرار فبراير في معركة التحرير وهم في معارك مستمر ضد الثورة المضادة ومحاولات الانقلاب على مكاسب 17 فبراير. لا نستغرب الموقف الفرنسي المؤيد باستحياء أو ربما بمراعاة لمشاعر السيد حفتر. وهذا يمثل القلة القليلة من الدول الغربية.
العالم يؤيد ويعارض خطواتنا نحو بناء دول العدل والقانون والمواطنة.. لكن علينا نحن كليبيين/ات أن تكون لنا وجهة نظرنا التي بها نحقق مصالحنا، لذا يمكن أجمال ملاحظاتنا في التوصيات التالية:
————————————————————-
المراجع:
[1] – جهاد ضرغام، إرم نيوز، ” هل تدعم أوروبا المليشيات لإفشال معركة الجيش في سرت ؟ “، منقول على موقع عيون الخليج، الارشيف / الشرق الاوسط ، .الأحد 29 مايو 2016.
[2] موقع النجباء ..” بان كي مون يرحب بـ حكومة الوحدة الوطنية وحفتر يستعجل تحرير بنغازي”، قسم :اخبار عربية ، 10/10/2015.
[3] عين ليبيا، “جوناثان وينر: تقدم كبير ضد تنظيم الدولة في ليبيا” ، 6 يونيو 2016.
[4] السفارة الفرنسية في الأردن، “تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية 11/06/2016″، صفحة الفيسبوك،13 يونيو 2016.
[5] السفير، “معركة تحرير سرت من “داعش” احتدام حرب الشوارع.. وتفاؤل اميركي” ، “السفير”، أ ف ب، رويترز، أب، 11-06-2016.
[6] العربي الجديد، “منشورات قاتلة.. سلفيو حفتر يستهدفون معارضيهم عبر “فيسبوك” ، بنغازي ، 20 مايو 2016 .
[7] وكالات، ” أوباما: القبلية العميقة هي من أوصلت ليبيا الى هذا الحال”، الصباح نيوز، السبت 4 جوان 2016 .
[8] ليبيا المستقبل، “مطالب بالتحقيق في إتهامات لأجهزة حفتر بالضلوع في الإغتيالات”، ليبيا: حقوق الإنسان، 14/6/2016 .
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا