من المتفق عليها شرعاً أنه لا يجوز الجمع بين القصاص والدي . و لا شك أن ما يقوم به بعض أهالي ضحايا سجن بوسليم من المطالبة يالقصاص ، وبعضهم ينفذه بيده في الشارع ، بعد ما أخذوا تعويضات يصادم أحكام الإسلام والقانون لا بل والأخلاق . لا بل نجزم بأن ذلك هو قتل عمد ينطبق عليه قول الله تعالى : “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” وقوله تعالى: “ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”.
بل أن البعض قتل أناساً بعد أخذ الدية (التعويض) ودون أن يتأكد من قاتله عن طريق قضاء لينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ” إن أشد الناس عتوا …….ورجل قتل غير قاتله …….، فمن فعل ذلك فقد كفر بالله ورسوله ولا يقبل منه صرف ولا عدل”.
فلا يجوز الجمع بين القصاص والدية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل له قتيل , فهو بخير النظرين: إما أن يقتل , وإما أن يُفْدَى ) . متفق عليه . وروى أبو شريح الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بدم , أو خبل , فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه: أن يقتل , أو يعفو , أو يأخذ الدية) . رواه أبو داود . وفي لفظ: (فمن قتل له بعد مقالتي قتيل , فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا الدية , أو يقتلوا).
وقال صاحب تبيين المسالك وهو مالكي المذهب: يجوز الصلح عن جناية العمد بما قل أو كثر عن الدية.
أما قانوناً فقد أبانت المحكمة العليا الليبية وأكدت في حكمين شهيرين أنه لا يجوز لأحد أولياء الدم الجمع بين المطالبة بالقصاص والدية ولو أسموها تعويضاً.
ففي قضية قتل تقدم ولي الدم ( والد المجني عليه ) بصحيفة دعوى مدنية تابعة ضد المتهم ( القاتل ) مطالباً بالتعويض عن الضرر الذي أصابه لفقده ابنه بالإضافة إلى مطالبته في محضر التحقيقات والاستدلالات بمعاقبة المتهم ( بالقصاص ) في هذه الواقعة طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1423 بشان القصاص والدية.
وقضت محكمة جنايات طرابلس بمعاقبة المتهم بالإعدام قصاصاً وبعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية ( طلب التعويض من والد المجني عليه).
وفي قضية مماثلة في بنغازي تقدم احد أولياء الدم بصحيفة دعوى مدنية مطالباً فيها بالتعويض بمبلغ وقدره 30 ألف دينار.
ومحكمة جنايات بنغازي قضت بإعدام المتهمين بالقصاص مع إلزامهما بدفع مبلغ 30 ألف دينار تعويضاً لمدعي بالحث المدني ( احد أولياء الدم ).
والمحكمة العليا في الطعنين الجنائيين رقم 963/50 ق . ورقم 1265/43 ق . نقضت الحكمين الأنفي الذكر وقضت في تسبيب ذلك بالاتي: ” ” … لا يجوز لأولياء دم المجني عليه أن يطلبوا من المحكمة القصاص من الجاني وإلزامه بالدية في وقت واحد ولو سميت تعويضاً ….”.
وأوضحت المحكمة بأنه : ” …. ذلك وإن كان الأصل العام المقرر في المسؤولية التقصيرية طبقاً لأحكام القانون المدني أنه لمن أصابه ضرر من وفاة المجني عليه في جريمة القتل العمد المعاقب عليها قصاصاً أن يطالب بالتعويض ، إلا أن المشرع عملاً بأحكام قانون القصاص المشار إليه استثنى من هذا الأصل العام أولياء الدم بتقرير حقهم في الدية طبقاُ لأحكام الشريعة ألإسلامية ، فأصبح التعويض بالنسبة لهم لا يخضع لأحكام المسؤولية التقصيرية في القانون المدني والتي تعتد بمدى جسامة الضرر ومقدار الخسارة اللاحقة بالمضرور ، وإنما يكون خاضعاً لنص المادة الأولى من قانون القصاص والدية سالف الذكر ، والتي بمقتضاها تحل الدية بمفهومها في الشريعة الإسلامية محل التعويض المؤسس على أحكام المسؤولية التقصيرية ودون اعتبار للقواعد والمعايير التي يتم على أساسها تدير التعويض …”.
وأكدت المحكمة العليا على أن : ” … الدية تعتبر في هذه الحالة حقاً للورثة حسب أحكام الميراث بدلاً من نفس المجني عليه وجبراً للضرر الذي أحدثته الجريمة مادياً ومعنوياً وولي الأمر بالخيار بين الأمرين.
وأضافت المحكمة بأنه : ” …. ومؤدى ذلك أنه لا يجوز لأولياء دم المجني عليه أن يطلبوا من المحكمة القصاص من الجاني وإلزامه بالدية في وقت واحد وإنما عليهم أن يختاروا بين طلب القصاص وبين الدية كما لا يجوز للمحكمة أن تحكم فيها قبل الوقوف على حقيقة اختيار ولي الدم …..”.
وأضافت المحكمة بأن عكس ذلك يؤدي إلى أنه : ” .. لا يعود هناك ما يحمل ولي الدم على العفو عن الجاني ما دام قد تيسر له الجمع بين القصاص والدية متى ما سماها تعويضاً …”.
هذا من ناحية أهالي ضحايا سجناء أبو سليم . أما من ناحية السجناء الذين ما زالوا على قيد الحياة ولأهالي الشهداء في هذه الثورة فان المطالبة بالتعويض والقصاص لا تجوز شرعاً وقانوناً كما أبنا . لا بل أننا نرى أنها لا تجوز أخلاقاً ( أي من الناحية المعنوية).
فبالنسبة للسجناء السياسيين والذين كانوا محط احترام وتعاطف الليبيين ، لا بل وضعوهم في مرتبة عليا لكونهم ضحوا بأنفسهم من اجل وطنهم . لا بل أن البعض منهم أعتبر ذلك جهاداً في سبيل الله .. ثم يأتي الله عز وجل ويسخر لك العالم بأسره ويزيل عن كاهلنا حكماً دكتاتورياً ظنه البعض من قدر الله الذي لا يرد . أفبعد هذا التعويض تعويض ؟!! أو ليست هذه من أعظم المكآفات والتعويض ؟! فعوض أن نشكر الله على هذه النعمة والمعجزة نجد البعض يريد تعويضاً!! والتعويض لا يكون ألا عن بلاء ( ولا حول ولا قوة ألا بالله ) . لقد أساء هؤلاء للنضال والجهاد في سبيل الله وللوطن وسقطوا سقوطاً ذريعاً في اختبار الدنيا وتبين أن أن ما ظنه الناس بهم وهم فهم ضعفوا أمام الدنيا وبهارجها وزينتها وتنكبوا عن صعود معاني عظيمة وصعبة على النفس كالجهاد والتضحية والنضال وحب الوطن وتقديم الوطن على النفس وإدراك نعم الله وشكرها.
لكم كنا نتمنى أن يحذوا حذو ذلك التونسي الذي أنف وأستنكر أن يأخذ من رزق شعبه تعويضاً عن سجنه السياسي أيام بن علي . أن يحذوا حذو قيادات أخوان مسلمي مصر في السبعينات عندما أطلق سراحهم السادات فهم بعضهم برفع دعاوى تعويض فأنكروا عليهم بشدة وأنهم ما بذلوا ما بذلوا وما عانوا ما عانوا من أجل المال بل من أجل تحرير الوطن وشعبه.
لا بل حتى من الناحية الاقتصادية سيؤدي ذلك إلى ضربة شديدة للاقتصاد الليبي والليبيين أنفسهم من جراء تدفق تلك الأموال وما تحدثه من تضخم يعاني منه الليبيين الآن ، لا بل يؤدي إلى انقسامات مجتمعية خطيرة وإتاحة فرصة لفساد كبير.
لهؤلاء وأولئك نقدم لكم نصيحتنا ، ولا نلزم بها وبصحتها أحداً ، التعويض جاءنا بأكثر وأعظم مما نتصور في الدنيا وهو زوال حكم ظالم باغي مستبد. التعويض جاءنا عندما نرنوا بأبصارنا إلى سوريا ونقارن . ونرجوا أن ننال تعويضاً مماثلاً في الآخرة. التعويض يكون ببناء دولة قوية عادلة تبني وطناً يتسع لكل أبناءه ويوفر فرص التعليم والصحة والعمل والآجر الكريم لكل أبناءه. دولة تنهض بالوطن وتدخله حقبة التاريخ الفعلي . هذا هو التعويض الفعلي أما المال مقابل الوطن والمبادئ والجهاد فإننا – نراه ولا نلزم بذلك أحداً – اهانة ما بعدها اهانة للإنسان ، وترك نموذج سيء للأجيال القادمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً