دكتور ناصر الجهاني – باحث في القانون الدولي
هناك العديد من الأشخاص المحسوبين على التيار الاسلامي في ليبيا أو التيار المعادي للجيش الوطني الليبي الذي يقوم حاليا بمحاربة الإرهاب في مدينة بنغازي ودرنة تحت اسم عملية الكرامة قد صرحوا أو كتبوا بان إدراج تنظيم انصار الشريعة بليبيا من قبل لجنة عقوبات تنظيم القاعدة بمجلس الأمن ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية ليس له أي علاقة بما حدث وما يحدث حاليا في مدينتي بنغازي ودرنة. في الحقيقة هذه الآراء ما هي إلا آراء ايدلوجية تفتقر الى الأساس القانوني، فهناك حجتين ذات صلة ببعضهما قد تدحضا هذه الآراء . الحجة الأولى تستند على التفسير المنطقي، حيث ان ليست هناك أعمال أو تصرفات سوى التي أُرتكبت في بنغازي ودرنة قد يتم الإستناد عليها لتقييم تنظيم انصار الشريعة وفق القانون الدولي من قبل مجلس الأمن الدولي. فمجرد الإشارة الى تنظيم انصار الشريعة بمدينتي بنغازي ودرنة يعطي انطباع ان التصرفات المرتكبة في تلك المدن هي كانت المعول عليها لتصنيف التنظيم. الحجة الثانية واساسها هو مدى انطباق قواعد القانون الدولي ذات العلاقة على تصرفات تنظيم انصار الشريعة في بنغازي ودرنة وهو ما سنتناوله بشيء من الايجاز أدناه.
تتفق اغلب الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب والتي ابرزها الاتفاقية الدولية لمكافحة التفجيرات الإرهابية لسنة 1997 اوالاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب لسنة 1999 أن هناك عنصرين يجب توافرهما حتى يمكن تصنيف تصرف معين على انه يقع ضمن مفهوم الإرهاب الدولي. العنصر الموضوعي يتطلب القيام بعنف جسدي ضد شخص أو اشخاص، أو تدمير أو إحداث ضرر بليغ بممتلكات عامة أو خاصة. اما العنصر الثاني وهو غرضي في طبيعته كونه يتطلب قصد من قبل الفاعل لخلق حالة من الرعب أو الخوف ضمن إطار سكاني معين ، أو اجبار حكومة أو منظمة دولية على اتخاذ أو الامتناع عن تصرف معين.
من الواضح ان لجنة عقوبات تنظيم القاعدة التابعة لمجلس الأمن الدولي وجدت ان تصرفات تنظيم انصار الشريعة بمدينتي بنغازي ودرنة هي تصرفات إرهابية نتيجة لانطباق العناصر المذكورة أعلاه وان كانت اللجنة قد صنفت التنظيم ولم تصنف التصرفات الصادرة عن التنظيم. على اية حال هذا المنهاج المتبنى من مجلس الأمن أو لجنة العقوبات التابعة له لا يخل بمدى فاعلية القرار، خاصة وان اللجنة اتبعت نفس المنهاج تجاه تنظيم أنصار الشريعة بتونس بتاريخ 25 سبتمبر 2014 . مما لا شك فيه ان إرهابية التصرف تقود إلى ان مرتكب التصرف هو “إرهابي” بطبيعة الحال.
ما قام به تنظيم انصار الشريعة في بنغازي من اغتيالات ضد أعضاء الشرطة والجيش والقضاء والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك أشخاص عاديون يدخل ضمن العنصر الموضوعي لمفهوم الإرهاب الدولي. هذا العنصر أيضا يستوعب التفجيرات المرتكبة من قبل التنظيم والتي طالت المرافق الأمنية والقضائية في مدينتي بنغازي ودرنة. على الجانب الآخر، العنصر القصدي كان حاضرا أيضا في تصرفات تنظيم انصار الشريعة. فالتصرفات المادية المرتكبة والتي هي موضوع العنصر الموضوعي كان قصد مرتكبيها وهم أعضاء تنظيم انصار الشريعة هو إجبار سلطات الدولة على إلغاء القوانين الوضعية كونها قوانين مخالفة لشريعة الله كما يزعمون. أيضا عمليات القتل والتصفية الجسدية التي أخذت أشكال الذبح والرمي بالرصاص وتفجير المركبات وهي تصرفات موضوعية تدخل ضمن العنصر الموضوعي كما ذكرنا أعلاه حيث كان غرض مرتكبيها هو خلق حالة من الرعب والخوف بين شريحة أعضاء الشرطة والجيش والإعلام والقضاء لكي تحجم هذة الشريحة عن أداء أعمالهم أو قول كلمة الحق كما في حالة رجال الإعلام.
في ختام هذة المقالة المختصرة، إنني اود ان أقول ان قرار مجلس الأمن بإدراج تنظيم انصار الشريعة بليبيا ضمن جدول التنظيمات الإرهابية ومن ثم للتدابير المنصوص عليها في القرار/2014 2161 هو ليس بمعزل عما يحدث في بنغازي ودرنة كما يدعي البعض ، فالقرار قد تقدمت به حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الذين هم على دراية كافية بما يحدث في بنغازي ودرنة. فأعضاء تنظيم أنصارالشريعة هم أشخاص إرهابيون كون تصرفاتهم إرهابية وفق القانون الدولي لمكافحة الإرهاب. هناك ثغرة قانونية واحدة قد تثار عند تطبيق التدابير الواردة في القرار. أن المراقب للأحداث في بنغازي يعي جيدا ان أعضاء أنصار الشريعة في بنغازي قد انصهروا مع تنظيمات كتائب درع ليبيا، 17 فبراير و راف الله السحاتي وشكلوا تنظيم مجلس شورى ثوار بنغازي وبالتالي فالتصرفات الصادرة عن تنظيم انصار الشريعة منذ تأسيس تنظيم مجلس شورى ثوار بنغازي هي تصرفات صادرة عن الاخير وليس عن انصار الشريعة. عليه، فان أي شخص أو جهة قد قدمت الدعم سواء بالمال أو السلاح لتنظيم انصار الشريعة الذي اصبح يتصرف باسم مجلس ثوار بنغازي قد يدفع – عند تطبيق التدابير المنصوص عليها بالقرار 2161/2014– بان الدعم كان موجه لمجلس ثوار بنغازي وليس تنظيم انصار الشريعة وبالتالي فلا مجال لتطبيق القرار 2161/2014 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
اترك تعليقاً