يأخذ تصفح الفيسبوك من شبابنا معظم وقتهمم، وفي الآونة الأخيرة انتشرت موجة من الألعاب على هذا الموقع الإلكتروني بشكلٍ خيالي لتسيطر على ما تبقى لهم من وقت.
وتتنوع أنماط هذه الألعاب لتحاكي أذواق مختلف الشرائح الاجتماعية. فهناك ألعاب مخصصة للذكور، تروي شغفهم بالسيارات والقتال والعنف بشكلٍ عام. وأخرى مخصصة للإناث تعنى بالأزياء والمودلات. بالإضافة إلى وجود نمط ثالث يحبذه الجميع حتى الصغار في السن.
وتقوم سياسة ألعاب الفيسبوك في غالبيتها على التمهيد والتصعيد. فما أن تتورّط بقبول اللعبة، حتى تولد لديك ميولا للبدء فيها. وكلما لعبت أكثر تشدك أكثر مما يجعلك مدمناً عليها.
وفي البداية تكون اللعبة سهلة وتقضي فيها وقتا قصيرا، لكنها تزداد صعوبةً كلما تخطيت مرحلة وراء أخرى. مما يأخذ منك وقتاً أكبر فتتحول بذلك من شخص كان يفتح الفيسبوك ساعة أو ساعتين في اليوم إلى شخص يقضي كامل وقته فيه. بالإضافة إلى أنها تشعرك بضرورة فتح الفيسبوك حتى أثناء العمل مما يشغلك عن النشاطات المهمة التي تقوم بها عادةً في حياتك.
ولا تكتفي هذه الألعاب بتوريطك أنت فقط. بل تطلب منك توريط عدد كبير من أصدقائك على الفيسبوك. وذلك حتى تضمن وتسمح باستمراريتك في اللعبة. فمثلاً في لعبة المزرعة السعيدة التي لقيت إعجاب ما يزيد عن 3096218 شخص، المطلوب منك في هذه اللعبة أن تجمع أكبر عدد ممكن من الجيران لتفتح لك مراحلها المتقدمة.
ويكتشف أولئك اللاعبون أن هذه الألعاب لا تنتهي. وتنافي منطق الألعاب القائم على الفوز في نهاية اللعبة. مهمتها الأساسية هي أن تجعلك مستمراً في لعبها دون انقطاع وأن تدمن عليها أكثر فأكثر.
ولا توجد لعبة من بين ما هو موجود على الفيسبوك تحاكي العقل وتنشّط الخيال بشيءٍ مفيد، على العكس تماماً. و نلاحظ أن كل هذه الألعاب، تعتمد في مضمونها على المكسب والربح. دون أن تفسح المجال للخسارة. وهو أمر خطير يدفع بصاحب اللعبة للتفكير طيلة الوقت بما سيكسب وكيف سيزيد من رصيده وممتلكاته؟ وهذا التفكير سينعكس بالضرورة على الحياة الطبيعية الحقيقية. وبالتالي سيتم تفريغ المتعاطين لها من محتواهم الروحي والعاطفي لصالح ذلك المادي والتجاري البحت.
ومن السلبيات الأخرى التي تنجر عن هذه الألعاب، أن الأطفال ما بين الـ8 سنوات والـ 15 سنة أصبحوا متواجدين وبكثرة على مواقع الفيس بوك فقط للعب إحدى هذه الألعاب. وأحياناً أكثر من واحدة في نفس الوقت.
وفي الحقيقة هذه ظاهرة خطيرة فعلاً. فالمادة وصلت إلى عقول أطفالنا واستطاعت تشويههم. حتى صاروا يستبدلون أوقات الفراغ التي كانوا يقضونها بالقراءة أو باللعب مع أصدقائهم في الحي. بالجلوس وراء الشاشة الجامدة مستخدمين أزراراً لتحقيق مكاسب وهمية.
ولنسأل أنفسنا.. هل هذه الألعاب موجودة لتسليتنا فقط وهي فعلاً ألعاب مجانية كما يتم الترويج لها؟ الجواب، طبعاً لا، فليس هناك من عطاء دون مقابل. خاصةً في الأمور الدعائيّة التي يعمل أصحابها على انتشارها بشكلٍ واسع بين أوساط الكبار والصغار.
لهذا السبب علينا ان نحد من تسريبها إلى عقولنا أكثر فأكثر، ولنوقف إدماننا عليها، لأنها ليست سوى وسائل لتفريغنا من محتوانا العقلي والعاطفي لصالح الفكر المادي والتجاري، سواء بقصد أو دون قصد.
اترك تعليقاً