يعيش المثقف تحث براثن الاستبداد في الكثير من الدول العربية، وتبعا لمعدنه، يتماها البعض مع الوضع لأجل حصد المكاسب والمغانم أو ينكفئ على نفسه وينعزل مخافة الاضطهاد، وفي الكثير من الأحيان تفرض عليه بيئة اجتماعية تحول دون انتقاله إلى أرض الله الواسعة للتعبير عن رأيه المخالف.
الأكثر خطراً من هؤلاء المنافقين؛ مطبلوا الاستبداد الذين يركبون أمواج المستبدين لتلميع صورهم والدفاع عن غيهم وظلمهم وتبرير تصرفاتهم، فيصبحون جراثيم تنخر في عظام الأمة،هؤلاء المنافقين قال عنهم مصطفى الرافعي “إن شر النفاق ما داخلته أسباب الفضيلة، وشر المنافقين قومٌ لم يستطيعوا أن يكونوا فضلاء بالحق؛ فصاروا فضلاء بيء جعلوه يشبه الحق“ ما ينتج عن ذلك أدهى وأمر وهو اعواججاً في قيم المجتمع بل خروجا عن القيم الإنسانية والمدنية في الكثير من الأحيان، والتي يعبر عنها الدكتور نجيب الحصادي بـ”وهن الروح المهنية”.
على مدى ستون عاما ابتليت دول الشرق الأوسط والمغرب الكبير بحكومات العسكر التي كتبت دساتير غير معلنة مثل الميثاق الوطني في مصر والكتاب الأخضر في ليبيا ووظفت لها مثقفون يسبحون بحمدها وينشرون تعاليمها السمجة.
انتهى القذافي وعبدالناصر وصالح وصدام وبوتفليقة وعرف الجميع أن المطبلين مثل هيكل والصحاف وعثمان سعدي ومحمد الفيتوري وعمر الحامدي ومحمد حسن ليس لهم مكان في تاريخ المجتمع، بعد يقظة الشعوب وثورتها على جلاديها.
ولكن ما يثير السخف عودة الطبالون مع عودة مشاريع العسكر وتماهي طبقات من الشعب معهم، ففي مصر برر الإعلام والقضاء تغيير القوانين ومواد الدستور لأجل استمرار حكم العسكر، وفي ليبيا سعت الدول الداعمة لحفتر إلى ضم رموز العهد السابق لخلق جوقة التطبيل، بل استثمرت الملايين لفتح منابر إعلامية لهم.
للأسف أن الوعي الجمعي الليبي رغم الهزة الكبيرة في سنة 2011م لم تستطيع مدن ومناطق الخروج من ثقافة التطبيل وهي جزء من مهالك كثيرة أكتسبها الشعب خلال سنوات التكيف مع الظلمة مثل التأفف من العمل ونبذ التراتبية والنظام، ونهب المال العام وتوظيفه للقبيلة أو الجهة، وعدم قبول الاختلاف، وهذا كله يترجم سياسيا في شعارات لتركيع والنيل من الآخر.
في الحالة الليبية يتم تجنيد أشباه المثقفين للتدجيل، من خلال ترديد كلمات محددة، مثل مكافحة الإرهاب، والقضاء على المليشيات والمرتزقة ومجابهة الاستعمار التركي، وتنسج القصص والأخبار لصناعة رأي عام انطلى على قسم كبير من العوام، فنجد من يتحدث عن نقص البنزين ويعزي ذلك إلى المرتزقة ومن يناقش الهوية يضيف إليها المليشيات، ومن يستعرض أمراض النخيل في هون قد لا يستنكف أن يعزي سببها إلى الاستعمار التركي، وبالمثل دمج مؤسسات الدولة وتكوين حكومة واحدة يحول دونها تفشي الإرهاب.
هذا يذكرني (بالفقي علي) رحمه الله رحمة واسعة، قال في معرض حديثه عن طب الأعشاب وممارسته للتجارة، إنه في إحدى السنوات اشترى كيسا من ورق الحناء ووضعه في دكانه، ولكن ليس عليه طلبُ كبير، ففكرت أن أتخلص منه بطريقة مناسبة، حيث أقوم بإيضاح المرض وتحديد دواءه المناسب للمريضة ثم أقول: يفضل أن تكوني مخضبة بالحناء من النوع الورقي النظيف خلال العلاج، وبذلك ربحت النساء الشفاء من المرض والاهتمام بالمظهر وتخلصت من شوال الحناء.
ولكن في حالة المطبلون خسر المجتمع كثيراً من تدجيلهم وتزويرهم وقلة حيائهم والمتاجرة بعقول سامعيهم من جمهور المتابعين من العوام، وأطالوا من عمر الظلمة مقابل حفنة من الدولارات أو الظهور الإعلامي المزيف.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً