التقت صحيفة الجزيرة السعودية بوزير الاقتصاد السيد أحمد سالم الكوشلي والذي يأتي كجزء من نسيج أول حكومة في تاريخ ليبيا بعد سقوط نظام القذافي. معالي الوزير الكوشلي تحدث لـ (الجزيرة )عن عدة قضايا أبرزها أموال عائلة القذافي وما لها وما عليها، وعن نوعية الاستثمارات التي تحرص ليبيا على اجتذابها في الفترة القادمة، إلى جانب إفصاحه عن خفايا قطاع النفط في ليبيا والفاتورة التي ربما تدفعها ليبيا في هذا الجانب، وعن علاقة ليبيا بالمملكة قيادةً وشعباً، وغيرها من القضايا التي تطلعون عليها في ثنايا هذا اللقاء:
* بدايةً، ما هو حجم تعافي الاقتصاد الليبي بعد نجاح الثورة الليبية والدمار الذي خلفه نظام القذافي على مدى 40 عام؟
– من الصعب أن أحدد لك الإجابة بالأرقام، لكن نحن انتهينا من مرحلة تحرير ليبيا ولله الحمد في شهر نوفمبر الماضي وتم تشكيل حكومة انتقالية من نفس الشهر، ولقد ورثنا حكومةً وشعباً إرثاً صعباً للغاية، ورثنا بنية تحتية مدمرة ومصلنع متوقفة وقطاعات مهمشة وحتى قبل الثورة هذه الجوانب مهمشة أساساً. بدأنا أولاً في إعادة القطاعات الحيوية للحياة، فاستعدنا الكهرباء وأصبحت بلا انقطاع، وأعدنا شبكات الاتصالات والانترنت والهواتف المتنقلة، وبدأت الحياة تعود طبيعياً إلى دولتنا، وكذلك الشركات الأجنبية بدأت تعود للبحث عن فرص الاستثمار والقطاع الخاص بدأ ينهض مجدداً بعد تجاهله لسنوات طويلة، ولا تنسَ بأن البنية التحتية كانت مدمرة بالكامل …
* برأيك معالي الوزير كم تحتاجون من وقت لإعادة إعمار هذه البنية التحتية؟
– هناك جانبان: البنية التحتية في ليبيا قبل الثورة كانت ضعيفة مقارنةً بدول نفطية عربية كدول الخليج وغيرها، والجانب الآخر هو أن هناك مشاريع كثيرة تنتظر عدداً كبيراً من الشركات تأتي وتنفذها لكن الهاجس الأمني أحياناً يكون عائقاً لقدوم هذه الشركات، بالرغم من أن الأمن يسود ليبيا بأكملها ولله الحمد، وحالياً بدأت شركات بالتفاوض للعودة ويطالبون بتعويضات عن فترة الثورة والتي توقفت فيها أعمالهم بالكامل، وبالتالي أي تأخير في عودة هذه الشركات سيسبب في المزيد من التأخر في بناء البنية التحتيتة وإعادة الإعمار.
* ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهكم كحكومة ليبية في مسألة استعادة أموال عائلة القذافي خارج ليبيا؟ وبكم تقدّر هذه الثروة؟
– هناك استثمارات وأموال ليبية موجودة في الخارج كثيرة وبالمليارات في مختلف دول العالم، وأغلب هذه الاستثمارات لم تكن على أسس اقتصادية او استثمارية سليمة، بل قرارات فردية وسياسية وعاطفية وارتجالية، هذه الاستثمارات الخارجية تشرف عليها المؤسسة الليبية للاستثمار وقد تم تشكيل مجلس إدارة لها وقد بدأ المجلس في حصر وتقدير هذه الثروة وتقييمها وتوظيفها التوظيف الجيد لما يخدم الشعب الليبي. وهناك أموال في الخارج تم استثمارها بأسماء شخصية سواء أبناء القذافي أو مقربين له، وهذه نتعامل معها من خلال الإجراءات القانونية، وجزء كبير من مشاوراتنا مع الدول تكون حول هذه الأموال وكيفية استعادها بالطريقة القانونية.
* وهل ستتطلب وقتاً كبيراً هذه الإجراءات لاستعادة أموال القذافي؟
– بكل تأكيد ستحتاج لوقت طويل، لأن بعضاً من هذه الأموال مخفي والبعض الآخر تكون بأسماء شخصيات غير معروفة للأسف، ولا أستطيع أحدد لك أرقام هذه الثروة لأن هذه الأرقام مرتبطة بأشخاص وبحسابات كثيرة، وجزء من مساوئ النظام السابق أنه لم يكن لديه أرشيف أو ملفات لحفظ هذه الثروة أو تحديد أماكنها، بل كان فوضوي للغاية في هذه الجزئية ومنعدم الشفافية، وهذا الأسلوب متعمد لإخفاء هذه الثروة.
* بالنسبة لقطاع النفط في ليبيا، هل ستدفعون ثمن مشاركة الناتو في تحرير ليبيا وتوقعون عقود مع شركات أوروبية لتولي القطاع النفطي؟ وما هي خطط في الاستفادة من هذا القطاع؟
– الهدف الرئيسي من تطوير قطاع النفط هو إعادة إعمار ليبيا وخلق حياة كريمة للمواطن الليبي، فالشعب الليبي عانى كثيراً وعاش لسنوات طويلة في الظلم والقهر ومورس الإجحاف بحقه طويلاً، وبالتالي أموال النفط وعوائده سيتم توظيفها في خدمة الليبيين. نسعى من خلال النفط أن نؤسس للخدمات الأساسية للمواطن الليبي، كقطاع الصحة والعلاج وقطاع التعليم وغيره.
بخصوص دفع ثمن تحالف الناتو، نحن لسنا مُلزمين بدفع فاتورة الحرب ضد نظام القذافي وليس وارداً أن ندفع تكاليف الحرب بتاتاً، والتدخل الدولي في ليبيا أتى من خلال قرارات دولية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإنقاذ الشعب الليبي من بطش الطاغية القذافي، هذا أولا. ثانياً بخصوص تولي الشركات الأوروبية لعقود النفط في ليبيا فهذا من تخصص وزارة النفط وليس من تخصصي، ولدينا قانون خاص بالنقط ينظم هذه المسألة، وبشكل عام الأولوية حالياً في ليبيا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع غيرنا ونكون دولة قانون وتعتمد على الشفافية، والمحك في اختيار شركات النفط سيكون معتمداً على الكفاءة والتنافسية والخدمات.
* ما هي نوعية الاستثمارات التي تحرصون على جذبها لدولة ليبيا هذه الفترة، وما السبب؟
– الاستثمار هو أن تبحث عن عائد، ونحن في ليبيا نختلف بعض الشيء عن الآخرين في هذه النقطة، نحن من أولوياتنا في جذب الاستثمار هو أن نطور بلدنا ونبني ليبيا حتى نؤسس لقواعد إنتاجية تخدم الوطن، ونحن حريصون حالياً على نقل التقنية والتكنولوجيا إلى ليبيا، وتوطين صناعات حيوية لنستطيع من خلالها وبها أن ننوع من مصادر الدخل في ليبيا. هذه الاستثمارات التي نريد جذبها نسعى من خلالها الاستفادة من القدرات الموجودة في ليبيا، لدينا من الإمكانيات الهائلة التي لم يتم توظيفها لغاية هذه اللحظة، نحتاج لتدريب الكفاءات وتطوير القدرة الإدارية وهذه أشياء مهمة للنظر إليها. نحن نملك في ليبيا شاطئ طوله 2000 كيلو متر على البحر الأبيض المتوسط، هذا بحد ذاته ثروة هائلة، نستطيع من خلاله أن يكون لدينا موانئ تكون نقاط جذب جيدة فيما يتعلق بالتجارة، ولدينا كذلك ثروة حيوانية وسمكية كبيرة على سواحل ليبيا، ولم تستغل جيداً حتى الآن. ولدينا كذلك الجانب السياحي والذي برأيي لا بد من الالتفات إليه وتطويره، لدينا أجمل السواحل في شمال إفريقيا، والآثار التاريخية مثل سبراطة ولبدة وغيرها، كل هذه نقاط جذب للسيّاح بمختلف مشاربهم.
«الطاقة المتجددة» هي ما نعوّل عليه مستقبلاً في إيجاد طاقة نظيفة في ليبيا من خلال الصحراء الشاسعة التي تتمتع بها ليبيا إلى جانب الرياح القوية وغيرها من الإمكانيات، لكننا حالياً لا نستطيع الاستفادة من كل ما ذكرت آنفاً دون البنية التحتية المطلوبة.
* هناك خوف من بعض المستثمرين في جزئية تولي الإسلاميين ربما مستقبلاً لمقاليد السلطة في ليبيا، إلى جانب الهاجس الأمني.. تعليقكم؟
– هذه التخوفات غير مبررة، نحن في النهاية جميعنا مسلمين، وليبيا لا يوجد بها تشدد ديني كما يظن البعض، وهي أساساً دولة معتدلة ومتزنة دينياً، ونحن نسعى حالياً لأن نجسد «دولة قانون» ونسعى لبناء دولتنا، وحتى في فترة الثورة لم يكن من بين الثوّار من هو متشدد دينياً أو يقاتل لأجل أهداف غير وطنية. بالنسبة للجانب الأمني فأقول إن ليبيا آمنة للغاية، ونحن نعيش في ليبيا ونرى الأمن والأمان، وحتى بعض المشكلات الأمنية التي حصلت تم معالجتها في مهدها، والدليل على ما أول هو انعدامية استمرارها بعد حدوثها ونهايتها مباشرة، والسبب في ذلك هو الترابط الاجتماعي في ليبيا والعقلانية الحاضرة بقوة في علاج القضايا. اليوم نحن موجودون في دبي، بعد أيام سيكون لدينا مؤتمر حول الصناعة العربية التركية في بنغازي، بعد شهر سيكون لدينا مؤتمر لإعادة إعمار ليبيا، يوم السبت القادم سيكون لدينا المعرض المهني في طرابلس وهو يتيح فرص عمل للشباب الليبيين، قبل أسبوعين انتهينا من معرض الغاز والنفط في ليبيا، وغيرها من المعارض والمؤتمرات، كل هذه الفعاليات والمناسبات دليل على جديتنا في البحث عن بناء الدولة وكذلك دليل على الأمن القوي في ليبيا. لم يكن أحد يتصور بأن الأمن سيعود بهذه السرعة إلى المدن الليبية بعد الثورة وفي وقت قياسي، بالرغم من انتشار السلاح بين أوساط الليبيين، لكن السلاح برأيي هو نقطة ضمان وليس باعثاً للمخاوف كما يظن البعض.
* هل سنرى معالي الوزير أحمد سالم الكوشلي في الحكومة الجديدة بعد الانتخابات التي ستقام في ليبيا؟
– على المستوى الشخصي أنا مستعد لخدمة ليبيا في كل مكان وفي أية وقت، وأنا لم أطمح لأية منصب طيلة حياتي.
دعني يا عبدالرحمن في ختام لقائك هذا أوجه تحية كبيرة لـ«أهلنا» في السعودية، نعم أقول أهلنا لأننا شعب واحد، ونحن نكن للشعب السعودي الاحترام والتقدير دوماً، ونسعى للتعاون مع شقيقتنا السعودية للمضي في بناء مسيرة ليبيا الجديدة، ولا نستطيع الاستغناء عن دولة بحجم وثقل السعودية. النظام الليبي في السابق تم اختزاله في شخصية متناقضة وسبب لشعبكم وقيادتكم المتاعب والمشاكل للأسف، لكن نحن في ليبيا الجديدة نعتز بالسعودية ولديها في قلوبنا المكانة العظيمة، ونحن في كل يوم نتوجه بأفئدتنا إلى أرضكم الطيبة في صلواتنا ودعائنا، أتمنى أن نتكاتف سويةً للنجاح. وتحية أخرى كبيرة لصحيفتكم الغراء الجزيرة ولقرائكم الكرام.
اترك تعليقاً