في مقال السيد عبدالباري عطوان بعنوان ” ليبيا الجديدة وثقافة القذافي “بث فيها حقدا سخي جدا جدا على الثورة الليبية ورجالها , حقدا وصل إلى مطالبة الغرب بصورة شبه مباشرة إلى استعمار ليبيا من جديد , وان يقوم الغرب بنفسه ببناء ليبيا , وحتى لا اتهم بالتجني على السيد عبدالباري , والذي بدأت علاقته بالثورة الليبية بالهجوم عليها وبضراوة منذ اليوم الأول ’ تحت رداء محاربة تدخل الناتو , لنرى كيف يغير وجهة نقده ليطالب بتدخل الغرب هذه المرة ,

فيبدأ مقاله بالقول :-

“”” قليلة هي الاخبار الايجابية القادمة من ليبيا هذه الايام “””

ولكن السيد عطوان لم يقل لنا ما هو معيار القلة والكثرة لدية , فكل مهتم بليبيا يرى أن الأخبار الممتازة وليست الإيجابية هي التي تأتي , ففيها انخفض مستوى الجرائم , وعادت الكثير من الإعمال إلى سابق عهدها بل ” حتى” إنتاج عربات النقل قد بدأ , وأصبح المواطن الليبي يشعر بالأمان و بانتمائه لوطنه ,الكثير من السلع التموينية تتوفر في الأسواق , انتخابات المجالس المحلية تمضي على قدم وساق , انتخابات المجلس الوطني سائرة في طريقها , الدولة استطاعت فرض احترامها وخصوصا بعد حادثه وزارة المالية قبل أيام . والتي قلت عنها يا سيد عبدالباري :-

“”” اقتحمت مجموعة تابعة للميليشيات المسلحة مقر الحكومة في طرابلس للمطالبة بتسديد رواتب العاملين فيها، وكانت مدججة بالدروع والاسلحة الخفيفة والمتوسطة، “””

بالطبع أخطأت أو أخفقت في تصويره كاقتحام , كما انك لم تذكر أن هذه الحادثة أعادت الثقة بالحكومة الليبية الوليدة وقدرتها على الرد وجعلت أي مجموعة تفكر في مثل هذا العمل , تفكر عشرات المرات قبل أن تفعل مثلها .

تقول يا أستاذ عطوان :-
“”” هناك اكثر من 135 مجلسا عسكريا في العاصمة الليبية”””

ولا أعلم هذا الرقم من أين أتيت به , 135 مجلس ؟؟؟ , كيف ومناطق طرابلس كلها لا تتجاوز عشر هذا الرقم . رقم كذب من نقله لك , أو أخطأت في وضعه , واستعمالك لهذا الرقم دليل على أن ما تكتب ليس دقيقا ولا يعتد به .
ومن اغرب ما تقول يا سيد عبدالباري , هو قولك :-

“”” السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن نفض الغرب يده كليا من الملف الليبي، وعدم اقدامه على انشاء جيش وطني، وقوات امن مركزية ومستشفيات ومؤسسات حكم حديثة، ونظام قضائي مستقل . “””

أنت وبالذات “أنت ” وقفت ضد ثورة الشعب الليبي بحجة كراهية تدخل الغرب , وأنت الآن تدعوا وتستغرب وتنتقد الغرب لأنه لم يتدخل على الأرض عبر إدارة الدولة , وقفت ضد طيران يضرب كتائب القذافي من الجو , وأنت تطلب الآن أن ينشئ الغرب الجيش وقوات الأمن والمستشفيات ومؤسسات الحكم الحديث والنظام القضائي , ولله لا أقول إلا – ألا ساء ما تحكمون , أنت تطالب بأن يستعمر الغرب ليبيا , مطالبة لا مواربة فيها , و وتناقض نفسك , وتتجه عكس ما كنت تقول عن كرهك للاستعمار الغربي والتدخل الأجنبي , وفي نفس مستوى التناقض الصارخ في فكرك . فأنك تتهم الغرب بقولك :-

“”” بأنها تستبدل الفوضى بالديكتاتوريات صحيحة، ونراها تطبق على الارض في كل من ليبيا والعراق، وهما الدولتان اللتان اطاح الغرب بنظاميهما بالتدخل العسكري.”””

فإذا كان المخطط الغربي بأنها هي من ينشر الفوضى , فكيف تطالب بتدخلها في بناء الدولة ؟ ثم انك دمجت الحالة العراقية بالحالة الليبية دمجا قبيحا , فالحالة العراقية كانت دخول جيوش غازية على ارض العراق الحبيب , وتنصيب ” بريمر ” كحاكم على العراق ووضع لهم بريمر الدستور , وفرق العراق إلى طوائف , ووضع أسس ديمقراطية عرجاء , وقسم العراق إلى سنة وشيعة وأكراد ’ بينما في ليبيا ثار الشعب على الأرض , وقاتل الشعب على الأرض , ولم تلمس قدم جندي غربي واحد ارض المعركة , فما هذا التدليس وسوء الاقتباس ؟؟؟؟

تقول يا عبد الباري :-
“”” ليبيا تدخل نادي الفساد المالي والسياسي بقوة هذه الايام، مثل العراق تماما، وربما تحتل مرتبة اكثر تقدما من العراق، “””

و تصر على الكلام والمقارنة بالعراق , وحتى في الفساد المالي , لماذا لم تستخدم أمثلة أخرى مثل السلطة الوطنية في رام الله , أو حتى بعض دول الخليج فتقرير الشفافية الدولية مليء بأسماء الدول , ولكنك تكرر العراق لتثبت المقارنة , ولكنك نسيت انه بعد الثورات العظيمة في العالم كانت هناك فوضى وكانت هناك خروق , ولكن الثورة الليبية , أثبتت لكل ذي عقل أنها اقل فوضى , واقل أخطاء ودموية من الثورة الفرنسية ومن الثورة الماوية في الصين والثورة البلشفية في روسيا بل وأفضل من النظام السوري الدموي الذي تدافع عنه , بدأت الدولة الليبية بالتعافي وبدأت بالمحاسبة خلال اقل من سنة , وحجم التركة التي ورثتها الثورة الليبية كبير من فساد وانعدام للبنى التحتية وانعدام مؤسسات المجتمع المدني وانعدام الأحزاب والكثير مما يجعل البناء صعبا , ولكن لأي مراقب محايد فان انجازات اقل من سنة كان ضخما وواضحا على المستوى المدني والسياسي وبناء الدولة , وأرى يا سيد عطوان انك تحاسب الثورة الليبية عن أخطاء القذافي , ولكنك لم تحاسب القذافي عن أخطاءه إلا بكلمات قليلة ومن باب رفع العتب فقط , وتحمل كل الوزر للثورة . وللدولة الليبية ألحديثه .

تقول يا سيد عبد الباري :-
“”” السكوت على هذا الوضع جريمة، والشعب الليبي الذي ثار محقا لاطاحة نظام القذافي، قبل ان تُخطف ثورته، يجب ان يثور ضد هذا الوضع المزري، ويحاسب جميع الفاسدين الذين صادروا حلمه في الامن والاستقرار والرخاء والحكم الديمقراطي الرشيد.”””

ومن قال لك يا سيد عبدالباري أن الشعب الليبي ساكت عن أي خطأ , أما ترى الإعتصامات وتسمع عن المظاهرات وتسمع الندوات , والاحتجاجات التي يقوم بها شعب ليبيا ضد كل خطأ يراه . أراك تطالب بالثورة ضد الثورة الليبية وكنت سابقا تقف ضد من ثار على القذافي , واكتفيت اليوم بكلمة ” محقا ” في وصف ثورة 17 فبراير , بينما في كل المقال أنت تدعوا الغرب لاستعمار ليبيا وتدعوا الشعب الليبي للثورة ضد ثورته , ألا ساء ما تحكمون .

ويتكرر تشكيكك في إنجازات الثورة الليبية فتقول :-
“””من المفترض ان يذهب الليبيون الى صناديق الاقتراع بعد شهر لاختيار برلمان منتخب، ولكن لا يوجد اي مؤشر يفيد بان الانتخابات ستتم في موعدها،”””

تقول من المفترض . افتراضا فقط أن تحدث الانتخابات , تشكيك بدأته في الموعد , وهل سيحدث أم لا , ثم تكمل بتشكيك اكبر بقولك ” لا يوجد أي مؤشر ” ولا اعلم من أين استقيت هذا وانه لا يوجد أي مؤشر , بينما جميع المؤشرات على الأرض تؤكد أنها ستقام وفي موعدها , ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا .

تقول يا عطوان :-
“””الثوار ليسوا فوق مستوى النقد، ولا يجب ان يكونوا فوق القانون”””

نعم , أنت تقولها تشفيا في الثوار وفي معرض نقدك للثورة , ولكننا نقولها حبا في الثورة , فكل من يحب ليبيا يكتب وينتقد أي خطأ بدر من الثوار , ويطالب حتى بإيقاف استخدام كلمة ثوار , وأنا منهم وقلت وبالحرف الواحد , (كلمة ” ثوار” يجب التوقف عن استخدامها , و تبقى جذوة الثورة في القلوب ولا أصابع على الزناد , ولا حسابات في البنوك ,) ولكن الفرق بيننا هو, من يقولها حبا بليبيا ومن يقولها كرها في ثورة ليبيا ,

تكرر يا سيد عطوان نفس المعاني وتقول :-
“””الغرب الذي ساند الثورة الليبية عسكريا هو المسؤول الاكبر عن هذه الكارثة التي نراها في ليبيا، وتجاهله لها يؤكد لنا ان كل همه هو النفط ونهب ثروات البلاد، وتشجيع الفساد، بل حتى زرع الفوضى وتفتيت الوحدة الوطنية الجغرافية و الديموغرافية . “””

يا سيد عبدالباري , إن ما يحدث في ليبيا ليس بكارثة , بل ميلاد دولة حديثه ومخاض تمر به ليبيا , وأنت تطالب بقتل الأم والطفل , , وتتهم العرب انه المسئول الأول عن تشجيع الفساد وزرع الفوضى وتقول فيه ما لم يقل مالك في الخمر , بينما في بداية المقال كنت تستغرب عدم تدخله في بناء الدولة الليبية والتدخل في كل شئونها حتى القضاء طالبت الغرب ببناءة , فأي تناقض هذا , فإذا كان المتحدث مجنونا , فليكن المستمع عاقلا .

كم كان حقدك شديدا عندما قلت :-
“””لعنة ليبيا اطاحت بساركوزي، وقطعا ستطيح بكل الذين نصّبوه مخلصا لليبيا رغم معرفتهم انه كان ينطلق من منطلقات الثأر والجشع والكراهية للعرب والمسلمين، “””

والله إني لأحس انك كنت تود كتابة ” لعنة القذافي ” بدل ” لعنة ليبيا ” , وبالرغم من انك تقيم في أوربا , وتعرف أن سقوط ساركوزي وقبله عشرة غيره على مستوى الإتحاد الأوربي كان بسبب الأزمة المالية وسياسة التقشف , ولكني أرى انك تحاول إقحام الشأن الليبي بالشأن الأوربي على طريقة الخرافة المصرية المشهورة ” لعنة الفراعنة ” ولكني أحذرك من لعنات حقيقية وليست خرافة ,” لعنة الله ” و” لعنة التاريخ” و”لعنة الشعوب” , أحذرك من هذه اللعنات الثلاث , فهي تصيب حقيقة وليست خرافه .

تختم مقالك يا عبد الباري قائلا :-
“””اننا نطالب بعدم فك،اي تجميد اموال ليبيا، في الخارج “””

ولكنك نسيت أن تقول لقرائك من تقصد بكلمة ” إننا ” فمن هم أنتم ؟ وما محلكم من الإعراب في أن تطالبوا ؟

وقبل الختام , يا سيد عبدالباري , عنونت مقالك بعنوان ” ليبيا الجديدة وثقافة القذافي” ولكني لم أجد حديثا في مقالك عن ثقافة القذافي , بل حديثك كاملا إلا كلمة واحدة فقط هو طعن وانتقاد في ثورة الشعب الليبي , فأين ثقافة القذافي التي عنونت بها ؟ أين نقدك لها ؟

أكرر يا أستاذ عبد الباري , الكتابة عن أحوال شعوبنا يتطلب منّا رؤية احتياجات الوطن واحتياجات المواطن , وأن نحترم القارئ , ولا نحاول الكتابة فقط لتعبئة صفحات , وان نكتب بقيمنا ككتاب ولنا قراء , فلا نستغرب لعدم استعمار دولة عربية , ننتقد الأخطاء بعقل وحكمة , لا نرى نصف الكأس الفارغ فقط , ولا نرى نصف الكأس المليء فقط , بل نرى ألكاس نصف مليء ونصف فارغ , ونعمل على أن يكون كله مليء , هذا إن أردنا إصلاحا .
وأحذرك يا سيد عبدالباري من ” لعنة الشعب الليبي ” كما تكلمت أنت عن ” لعنه القذافي ” , وأسميتها بلعنة ليبيا تجاوزا , وأقول لك , ” قل خيرا أو أصمت ”
أقول للشعب الليبي

رعاك الله , سر على طريق البناء , ولا تلتفت إلى الوراء إلا للعبرة والاستفادة من التجربة .
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي .

صالح بن عبدالله السليمان