إن الفاعل في العلاقات الدولية هو كل كيان يستطيع في أي وقت من الأوقات أن يحدث تأثيراً يغير مجرى الأحداث الدولية ويمكن فهم التطورات التي يشهدها المجتمع الدولي من ناحية تأثير الفاعلين في العلاقات الدولية.
فعندما نعود للعصور القديمة لن نجد سوى فاعل واحد أو كيان واحد في العلاقات الدولية وهو الدولة، ولا تزال تشكل الركيزة الأساسية في الساحة الدولية وذلك لما تملكه من سلطة وسيادة، أما الآن وفي وقتنا الحالي فقد تعدد الفاعلون كالمنظمات الحكومية وغير الحكومية والهيئات والشركات المتعددة الجنسيات.
وفي هذا المقال سنحاول شرح مدى أهمية الشركات المتعددة الجنسيات وتأثيرها على العلاقات الدولية وسنسلط الضوء تحديدا على الشركات التقنية:
Samsung – Huawei – TSMC – Facebook – Amazon – Apple – Google
يرمز لكل من شركة فيسبوك التي تحولت إلى شركة ميتا وغوغل وشركة أبل وأمازون باختصار (Gafa).
لمحة سريعة عن نشأة وظهور الشركات والنظريات المفسرة لوجودها
ظهور الشركات يرجع إلى القرن التاسع عشر منذ أن بدأت كبرى الشركات الأوروبية والأمريكية بإقامة وحدات إنتاجية خارج حدودها، ففي عام 1865 قامت شركة باير الألمانية للصناعات الكيميائية بإنشاء مصنع لها في نيويورك، إلا أن شركة سنجر الأمريكية كانت أول شركة تستحق وصف (متعددة الجنسيات) فقد أنشأت في عام 1867 مصنع لها في غلاسكو ومن تم أنشأت بعدها عدة مصانع في النمسا وكندا، وسرعان ما حدت الكثير من الشركات الأمريكية حدوها.
وهنالك العديد من النظريات المفسرة لظهور هذه الشركات على النظام العالمي وأصبحت المحرك الأساسي والعصب الرئيسي لاقتصاد العديد من الدول وأدوات عقوبات اقتصادية تستعملها الدول التابعة لها من أجل خدمة سياساتها.
النظريات المفسرة لظهور الشركات
- نظرية السياسة العامة
- نظرية دورة حياة المنتج
- نظرية عدم كمال السوق
- نظرية الاستخدام داخل المزايا الاحتكارية
ولعمل محاكاة للتأثير الدولي للشركات كأحد الفواعل الدولية سنقوم باستعراض أكثر من نموذج.
النموذج رقم (1) Google-Apple-Facebook-Amazon (GAFA)
(أثر الشركات المتعددة الجنسيات علي صنع القرار والسياسة الخارجية الأمريكية – المجموعة المعروفة باسم غافا نموذجا)
ولكي نستطيع فهم واستيعاب ما سيتم سرده في هذا السياق وعمل محاكاة مع باقي النماذج التي سيتم عرضها لاحقا سأقتبس من كتاب (فهم صنع القرار في السياسة الخارجية) للكاتبين (أليكس مينتس وكارل دي روين الابن 2016).
هذه الجزئية لتفسير كيف يتم صنع قرارات السياسة الخارجية.
يشير مصطلح السياسات الخارجية إلى الخيارات التي يتبناها الأفراد والجماعات والتحالفات والتي تؤثر في أعمال دولة ما على المسرح العالمي. وتتصف قرارات السياسة الخارجية عادة بأنها ذات قيمة عالية وتكون محاطة بشكوك كثيرة ومخاطر كبيرة، ومن اللافت للنظر أن معظم ما قرأناه عن الشؤون الدولية يركز على أعمال الدول وقادتها فقط ومن المفيد أن نفهم ما الذي يؤثر في القرارات التي تسبق الأعمال والأحداث.
وبعد هذا الاقتباس نستطيع القول أن للشركات المتعددة الجنسيات دور حقيقي وفعال في عملية صنع القرار الأمريكي وخاصة الشركات المعروفة تحت مسمى GAFA، والتي اكتسبت ثقة كبيرة بين الجمهور حتى استطاعت إحداث خرق في قطاع التجزئة المالية والمصرفية.
وشهد العالم مؤخرا تطورا ملحوظا من قبل مطوري ورواد الإنترنت والتقنية في المجال الخدمي والمالي، وهذا الأمر أصبح مصدر قلق للبنوك، ولاحظوا اجتياح الشركات المتعددة وبالأخص الشركات الغير مالية لهذا المجال وانخراطهم في تطوير حلول للدفع وتحويل الأموال بشكل مستمر وصنع أدوات مالية تسمح لها بالتقرب أكثر من المستخدمين مما مكن هذه الشركات من جمع معلومات ثمينة عن العملاء.
كما استطاعت مجموعة شركات (GAFA) احتكار وتعظيم أرباحها عبر ممارسات تمنع الشركات الأصغر من المنافسة بالاستفادة من قاعدة البيانات التي تمتلكها، والتي تحتوي على بيانات المستخدمين المستفيدين من خدمات هذه الشركات. وما يؤكد قوة هذه الشركات هو استدعاءها من قبل الكونجرس الأمريكي سنة 2020 من أجل التحقيق عن الاحتكار ومنع الشركات الصغرى من المنافسة واستغلال البيانات الخاصة بالمستخدمين والتأثير على الصحافة وخصوصيات المستهلك.
إن دور الشركات في صنع السياسة الأمريكية (المحلية والدولية) حضت به أثناء مختلف الإدارات المتعاقبة في فترة الرئيسين (باراك أوباما ودونالد ترامب) وبرزت كجزء من حركة التحديث الأمريكية تهدف إلى تعزيز الأداء المهني للأجهزة الحكومية، وتركزت نشاطاتها أساساً على تقديم المشورة السياسية للإدارات المتعاقبة، وفي كل نشاطاتها تتطلع إلى التأثير في صياغة الرأي العام الداخلي والخارجي تجاه القضايا التي تقدمها كأولويات وبما ينعكس على عملية صنع السياسة بالشكل الذي تتبناه، ويظهر صعود الشركات المتعددة في صعود الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على المستوى الدولي مما يبرهن على مدى فاعلية دور هذه الشركات وخاصة مجموعة (غافا) في صنع القرار الأمريكي.
ويعتبر البيت الأبيض واجهة الشركات المتعددة لتمرير القوانين وأهم القرارات السياسية المتعلقة بالجانب الاقتصادي للشركات، وأيضاً أصبحت الشركات مصدراً للتمويل والدعم المالي للحملات الانتخابية واعتماد النخب السياسية بالولايات المتحدة في حملاتها الدعائية على هذه الشركات إلى حد كبير، مما أدى إلى جعلها كيانات اقتصادية ضخمة داخل وخارج الولايات المتحدة وتحظى بدعم مباشر من الحكومة الأمريكية، وبالمقابل استطاعت واشنطن التأثير بها على العديد من السياسات الداخلية للدول المستفادة من خدمات الشركات.
ويمكن القول:
تعتبر الشركات المتعددة الجنسيات في السياسة الخارجية الأمريكية كإطار محدد للنظام الدولي الجديد، وكلاعبين سياسيين باعتبارها أحد الفواعل الدولية المؤثرة، وإن مركزية ومحورية التفكير في تأثير هذه الشركات على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية مرهون بمعرفة توجهات صانع القرار الأمريكي.
النموذج رقم (2) شركة سامسونج Samsung Electronics Company
“قوة ونفوذ الشركات المتعددة الجنسيات على الدولة الأم – شركة سامسونج إلكترونيك نموذجاً”
تعتبر شركة سامسونج من أشهر الشركات المتعددة الجنسيات ولها دور قوي في نشر التكنولوجيا عبر العالم وأيضا تعتبر سامسونج فاعلاً دولياً قوياً ويمكن القول بأنها أقوى حتى من حكومة كوريا الجنوبية بحد ذاتها.
فلهذه الشركة ثقل اقتصادي قوي داخل كوريا الجنوبية وخارجها وسأقوم بسرد بعض من نقاط القوة لهذه الشركة وسأبدأ بمصاريف الدعاية حيث تعدت قيمة مصروفاتها التسويقية اقتصاد دولة آيسلندا، ورغم هذه الميزانية الضخمة لتمويل الدعاية إلا أن غالبية الناس حول العالم لا يعلمون أي شي عن الشركة سوى بأنها تقوم بتصنيع هواتف ذكية أو شاشات أو مكيفات فقط، وفي حقيقة الأمر هذه الصناعات تعتبر جزءاً مما تقوم به سامسونج، فالشركة وبدون مبالغة لها شركات تابعة في كل المجلات تقريبا لدرجة أن مصير الاقتصاد الكوري الجنوبي يعتمد وبشكل كبير على هذه الشركة.
وسأسرد مدى قوة ونفوذ هذه الشركة داخل كوريا الجنوبية ففي 29/01/1996 دخل الرئيس السابق لمجموعة سامسونج (لي كون هي) رفقة المحامين ومجموعة من المستشارين القانونيين إلى قاعة إحدى المحاكم في كوريا الجنوبية لتلبية استدعاء القضاء له إثر التحقيق في قضية رشوة بقيمة 2.5 مليار وون أي ما يعادل 33 مليون دولار أمريكي في ذلك الوقت.
وكان الاتهام موجهاً في هذه القضية إلى شركة سامسونج ورئيس كوريا الجنوبية (روو-تاي-ووه) وبنهاية الجلسة تم إثبات التهمة بالرشوة على رئيس مجموعة سامسونج ولأنه شبه معترف بما نسب له فحكم عليه سنتين كعقوبة مع (وقف التنفيذ).
وهذا ما يظهر مركز قوة شركة سامسونج كفاعل حتى أمام القضاء الكوري الجنوبي، وسأقوم بسرد نقاط القوة وسنستوضح الأمور في الجزئية القادمة من هذا المقال.
ففي شهر أكتوبر سنة 1997 أصدر رئيس كوريا الجنوبية (كيم يونج سام) عفواً عن رئيس مجموعة سامسونج الذي تحصل على حكم مع وقف التنفيذ ولم يدخل السجن من الأساس وهنا يُطرح السؤال: لماذا لا يسجن هذا الشخص وهو متلبس في قضية رشوة وفساد مالي؟
وللإجابة عن هذا السؤال سأستعرض تاريخ تأسيس سامسونج باختصار ولماذا تعتبر هذه الشركة جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الكوري الجنوبي.
في شهر فبراير سنة 1910 ولد مؤسس الشركة (لي – بيونج – شول) في كوريا وبالتحديد في مقاطعة غيونغسانجغ الجنوبية، ودرس في جامعة وسدا اليابانية علم الاقتصاد وحينها قام بإطلاق مشروع في تجارة الأرز ولكنه قام بإنهاء هذا المشروع وإقفاله في سنة 1937 بعد فشله في هذ المجال واتجه للسفر بين الصين وكوريا وهو لايزال شاباً لم يتجاوز 28 سنة من عمره. وفي سفره لاحظ وجود فجوة في سوق الخضار والفواكه، وقام في سنة 1938 بإطلاق مشروع لبيع الخضروات والفواكه والسمك المجفف في مدينة دايغو الكورية وكان اسم المشروع (سامسونج سانجو)، وحين لاقى المشروع نجاحاً قرر التوسع في العاصمة الكورية سيول ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب قيام الحرب بين كوريا الجنوبية والشمالية.
وبعد انتهاء الحرب وبالتحديد سنة 1953 قرر دخول مجال جديد في التجارة وهو مصنع لتكرير السكر، والذي لاقى بدوره النجاح، ولكنه في سنة 1969 قرر دخول مجال حديث وهو التكنولوجيا، وهذه هي نقطة التحول وبداية شركة سامسونج الكترونيك، وبعد 4 سنوات من تأسيس شركة سامسونج الكترونيك وبالتحديد سنة 1973 تم تأسيس شركة سامسونج للكهرباء والميكانيكا Samasung Electro-Mechanice، وأيضا شركة سامسونج لتصنيج الزجاج وأنابيب الأشعة المضيئة Samsung Corning المستخدمة في صناعة أجهزة التلفزيون. واستمر تأسيس الشركات ونجاحها حتى وصل مجموع الشركات التابعة لسامسونج سنة 1978 إلى 37 شركة تشتغل في عدة قطاعات وصناعات مختلفة.
وعند وفاة (لي – شول) سنة 1987 في منتصف شهر نوفمبر وقبل حتى دفنه، اجتمع مجلس إدارة سامسونج وقام بالتصويت بالإجماع على تولي ابن (شول) وهو (لي كون هي) إدارة المجموعة محل والده، وهو لا يزال شاباً لم يتجاوز 45 سنة. وتميز “لي” بطموحه الكبير في نقل شركة ساسونج نقلة نوعية من حيث الجودة والمواصفات وخصوصا منتجات سامسونج الكترونيك التي كانت تعاني من سمعة سيئة برداءة جودتها وكانت ميزتها الوحيدة في انخفاض أسعارها.
وفي شهر مارس من العام 1995 قام (لي كون هي) بعقد اجتماع مع العمال ورؤساء الأقسام بالشركة وأمر بإتلاف أكثر من 150 ألف جهاز الكتروني لرداءتها، وقام بإصدار توجيهات صارمة من أجل التركيز على الجودة العالية لدخول السوق العالمية والمنافسة فيه، ومن هنا بدأت الشركة بشق طريقها نحو العالمية وحدت حدو الشركات الأخرى في الأسواق الدولية.
في سنة 1998 انتجت سامسونج أول تلفزيون رقمي في العالم، وفي سنة 1999 أنتجت أول ساعة ذكية في العالم، وفي سنة 2000 أنتجت أول جهاز هاتف محمول يقوم بتشغيل مقاطع صوتية بصيغة (إم بي 3).
شكّل هذا المنتج ثورة عالمية حقيقية فحسب تقيم التايمز اعتبر هذا الهاتف واحد من أفضل 100 جهاز ذكي تم صناعته في الفترة ما بين 1923-2010، وبعد مرور أكثر من 20 عام على ذلك الحدث أصبحت سامسونج من أهم شركات الالكترونات في العالم، فهي من أكبر الشركات العالمية في تصنيع الهواتف الذكية وتعتبر في سوق الشاشات (إل سي دي) هي الشركة رقم (1) وتستحوذ ساسونج على حوالي 12.5% من سوق أشباه الموصلات في العالم أي ما يعادل ثمن السوق العالمي وأيضا تستحوذ سامسونج ما يعادل 20% في سنة 2021 على سوق معدات الجيل الخامس (5G).
وكل ما سلف سرده يعود على شركة سامسونج إلكترونيك، وهي شركة واحدة من أصل 60 شركة فرعية تابعة لمجموعة سامسونج، ولأن المجموعة تعتبر شركات تشتغل في شتى المجلات مثل (الأزياء – تصميم حدائق – التجارة – فندقة – التسويق – الاتصالات – التجزئة – محركات الطائرات – المدافع – الخدمات الأمنية – التأمين – الخدمات المالية – الرعاية الصحية – إدارة الأصول – هندسة – إنشاءات – الخدمات الغدائية – المستحضرات الدوائية – التعليم – الاسكان – السينما – الزجاج – السيارات – الكيماويات – السفن – خدمات الجنائز).
ولهذا يتمحور هذا النموذج من الفاعلين الدوليين على شركة سامسونج كفاعل دولي من خلال سيطرتها على الاقتصاد الكوري الجنوبي والذي يعتبر من ضمن أكبر 20 اقتصاد بالعالم من ناحية الترتيب وفقا للناتج المحلي الإجمالي وأيضا الثاني عشر عالمياً من ناحية تعادل القوة الشرائية.
وأيضا تشكل مجموعة سامسونج ما يقارب 20% من قيمة البورصة الكورية الجنوبية وتشمل أعمال المجموعة ما يقارب 15% من قيمة الاقتصاد الكوري الجنوبي كله، وهذا ما يفسر إنه في حالة حصول أزمة لهذه الشركة سيؤثر تأثيراً مباشراً على الاقتصاد الكوري الجنوبي.
والسؤال هنا، ماذا سيحدث للاقتصاد الكوري الجنوبي في حالة حصول أزمة لمجموعة شركات سامسونج وإفلاسها؟
قام بالإجابة على هذا السؤال أستاذ الاقتصاد بجامعة سيول “سان جيم – بارك”.
فبعد قيامه بدراسة حول مجموعة سامسونج، رأى أن الشركة تدار وفق مصفوفة غاية في التعقيد والتشابك. ولاحظ أيضا وجود ست شركات من المجموعة تتحكم في 60 شركة، عندما قام بعمل محاكاة لهذا السيناريو استنتج أنه لو تراجع سهم سامسونج إلكترونيك بنسبة 70% فإن شركة سامسونج للتأمين وشركة سامسونج للإنشاءات والتجارة سيفلسون.
ولو أن شركة سامسونج للتأمين أفلست فإن أعمال التأمين في كامل كوريا الجنوبية ستدخل في أزمة، أيضا استطاع (بارك) استنتاج أن العمال والموظفين لو فقدوا وظائفهم بشركة سامسونج فأيضا سيفقد الموردون أعمالهم وسيزداد معدل البطالة في كوريا الجنوبية إلى الضعف وبالتحديد من 3.5% إلى 7.1% وخدمة المعاشات التقاعدية ستفقد حوالي 17 مليار دولار، وأيضا ستتضرر الحكومة حيث ستخسر الضرائب المدفوعة من قبل مجموعة سامسونج، ففي سنة 2019 دفعت هذه الشركة ما يعادل 12% من ضرائب الشركات في كامل كوريا الجنوبية.
وحسب ما صرح “بارك”:
إن افلاس سامسونج سيؤثر على الموردين المعتمدين على ساسونج وبالتالي فإن البنوك لن تستطيع تحصيل الأموال وستضرر أيضا وسيفلس معظمها.
ولا ننسى المستثمرين الدوليينـ فعند وقوع الأزمات فإنهم سيلجؤون إلى سحب ودائعهم وأموالهم خارج السوق الكوري الجنوبي وهنا ستدخل البلاد في أزمة اقتصادية أكثر قوة من أزمة 1997.
ومما تم ذكره نستطيع أن نستنتج مدى قوة هذه الشركة ونفوذها الذي يفوق رئيس كوريا الجنوبية بحد ذاته، وأن الشركة تستطيع أن تلعب دورا رئيسا في أي ضغوطات على الحكومة وهذا على المستوي المحلي وأيضا نفوذها العالمي كفاعل دولي.
ولذلك لم يتم سجن رئيس الشركة سنة 1996 وتحصل على عفو رئاسي وتكرر تقريبا نفس السيناريو سنة 2017 حين تورطت سامسونج في قضية أخرى مثل سابقتها مع رئيسة كوريا الجنوبية “بارك-جين-هي” وتم عزلها من منصبها وصدر في حقها حكم 25 سنة سجن، أما نائب رئيس الشركة “لي جان يونج” وهو ابن “لي كون هي” فصدر في حقه حكم 5 سنوات في شهر 8 سنة 2017.
ولكن في شهر 2 سنة 2018 قامت محكمة الاستئناف بتبرئته من الكثير من التهم الموجهة إليه وتم تخفيض الحكم لمدة سنتان ونصف مع وقف التنفيذ.
النموذج (3) “شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة” TSMC
(أهمية شركة تي إس إم سي وسيطرتها على أشباه الموصلات وتأثيرها على الأمن القومي العالمي)
في شهر 10 سنة 2019 اجتمع مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية من أجل عقد مباحثات مع مجموعة من المدراء التنفيذيين في صناعة التكنولوجيا من أجل مناقشة مواضيع شديدة الحساسية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، وكان الاجتماع قد تمحور في مشكلة تتلخص بأن التفوق العسكري الكبير في الولايات المتحدة يعتمد وبشكل كبير على الشركة التايوانية TSMC.
ومما يعني بأن الأقمار الصناعية والصواريخ والدبابات والطائرات وحاملات الطائرات ومنظومات الطائرات اللاسلكية والطائرات بدون طيار وأي قطعة تكنولوجية حديثة يمتلكها الجيش الأمريكي تشتغل بواسطة رقائق الكترونية قامت بتصنيعها شركة (تي إس إم سي) التايوانية. وتكمن المشكلة في عدم وجود بديل لهذه الشركة مما يجعل حمايتها أمراً في غاية الأهمية، ولو توقفت ستحدث كارثة في الصناعات العسكرية والمدنية وليس للولايات المتحدة فقط وإنما على مستوى العالم.
والسؤال هنا، كيف تأسست هذه الشركة وكيف سيطرت على قطاع أشباه الموصلات في العالم واستطاعت احتكار الحصة السوقية الأكبر لها في هذا المجال؟
“ما أهمية هذه الشركة كفاعل دولي سواء على الصعيد المحلي لتايوان أو على الصعيد الدولي ؟”
في سنة 1950 قدمت الولايات المتحدة مساعدات إلى تايوان تقرب من 100 مليون دولار سنويا، وفي ذلك الوقت كانت تايوان دولة تعتمد على الزراعة في اقتصادها وكانت دولة فقيرة.
وفي عام 1965 توقفت تلك المساعدات وحينها بدأت تايوان بالتفكير في كيفية التحول من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد الصناعي والتقني. ثم في سنة 1973 قامت وزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية بتأسيس معهد البحوث الصناعية (ITRI) وأصبح أكبر مؤسسة للبحث والتطوير داخل تايوان.
بدأت تايوان سنة 1976 بإرسال بعثات إلى الولايات المتحدة من أجل تعلم ودراسة تكنولوجيا الدوائر المتكاملة وصناعة أشباه الموصلات، حيث قامت الحكومة التايوانية بمحاولة إقناع المهندسين التايوانيين العاملين بالولايات المتحدة بالرجوع إلى البلاد.
وفعلا بعد جهود الحكومة التايوانية، عاد أحد المهندسيم الماهرين بهذا المجال إلى تايوان وهو “موريس شانج” الذي درس في أمريكا بهارفرد لمدة سنة كاملة، وانتقل بعدها إلى معهد (أم آي تي) حيث درس الهندسة وتخرج سنة 1953، ثم اشتغل في شركة أشباه موصلات أمريكية المعروفة باسم (سيلفانيا لأشباه الموصلات) وفي سنة 1956 اشتغل بنفس المجال بشركة (Texas – Instruments) وكانت هذه نقطة تحول لهذا المهندس، حيث قضى بها 25 سنة إي إلى سنة 1987.
وعند رجوع “موريس تشانج” إلى تايوان أصبح رئيس معهد البحوث الصناعية (ITRI)، وقدم له اقتراح من الحكومة لإنشاء شركة تصنيع أشباه الموصلات.
ولكن عملية تصنيع أشباه الموصلات ليس بالشيء السهل ولمعرفة كيف يتم ذلك سأوضح ذلك بطريقة مبسطة.
لتصنيع أشباه الموصلات يجب معرفة عمليتان منفصلتان وهما (التصميم والتصنيع) ومن المعروف أن الشركات لا يستطيع كلها التصميم والتصنيع في ذات الوقت.
في منتصف الثمانينات كانت هنالك حوالي 50 شركة تشتغل في مجال أشباه الموصلات ولكنها كانت تقوم بالتصميم فقط وليس لها القدرة على التصنيع حيث كانت بعض الشركات تحتكر التصنيع وهي:
من الولايات المتحدة: (Intel – IBM – TEXAS INSTRUMENTS)
ومن اليابان: (NEX – TOSHIBA – FUJSTU)
وهذه الشركات كانت تحتكر التصنيع وتفرض قيوداً على العملاء بشأن التصميم وبمجرد تصنيعه يمكن للشركة استعماله أو إعادة بيعه.
وهنا جاء دور “موريس تشانج” من أجل إنشاء شركة تايوانية تقوم بتوفير خدمة تصنيع أشباه الموصلات بدون أخذ حقوق التصميم أو بمعنى أوضح أن الشركة مهمتها التصنيع فقط ولن تدخل كمنافس لشركات التصميم بأي شكل.
وعلى هذا الأساس تم تأسيس شركة تايوان لأشباه الموصلات سنة 1987 وبرأس مال يقترب من 220 مليون دولار وكانت تمتلك الحكومة التايوانية حوالي 50% من الشركة و50% كان للمستثمرين الأجانب.
بعد مرور 13 عاماً وبالتحديد في سنة 2000 استطاعت (تي إس إم سي) أن تسيطر على ما يقارب 36% من سوق تصنيع أشباه الموصلات العالمي، وازداد نشاط الشركة حتى أصبحت حصتها من سوق تصنيع أشباه الموصلات حوالي 51% في سنة 2008 واصبحت كل من APPLE, AMD, INTEL, TEXAS NSTRUMENTS تعتمد على شركة (تي إس إم سي) في التصنيع.
والجدير بالذكر أن شركة (تي إس إم سي) تعتبر شركة متعددة الجنسيات رغم أن معظم مصانعها تقع داخل حدود دولة تايوان مما سبب هذا الأمر قلقاً لدى وزارة الدفاع الأمريكية بالأخص وعموم دول العالم، حيث أن القرب الجغرافي بين الصين وتايوان والعداء التاريخي يجعل جزيرة تايوان تعيش في حالة تأهب من تصريحات الصين الدائمة بأن جزيرة تايوان تعتبر جزءاً من الأراضي الصينية ومحاولة الحكومة الصينية كسر الحدود الجوية التايوانية عدة مرات، ونية الصين اجتياح الجزيرة وغزوها وارد ومعلوم للجميع، وهذا ما يهدد الأمن القومي العالمي من الناحية التقنية والتجهيز العسكري المتطور.
حيث تقوم مصانع شركة (تي إس إم سي) بتصنيع الرقائق التي تقوم بتشغيل أحدث الأسلحة الأمريكية، وعلى سبيل المثال لا الحصر المقاتلة الأمريكية F16.
هذه الطائرة المقاتلة تشتغل بواسطة رقائق الكترونية تم تصميمها من قبل الولايات المتحدة ولكن التصاميم يتم إرسالها وتصنيعها في تايوان بشركة (تي إس إم سي) وهو ما يشكل تهديداً عالي الخطورة للولايات المتحدة، حيث تسعى الصين لغزو جزيرة تايوان مما أدى إلى ضغط على البنتاغون لإعلان افتتاح شركة (تي إس إم سي) مصنعاً لها بولاية أريزونا في شهر مايو عام 2020 وتصل كلفة افتتاح هذا المصنع إلى 12 مليار دولار.
“وتتمثل أفضلية الشركة أن جميع دول العالم المتقدم تتصارع من أجل الحصول على دور مبكر من أجل استلام الرقائق الالكترونية الخاصة به من الشركة وهو ما يعتبر مصدر قوة للشركة من أجل تحديد الأسعار والتحكم بها كما تشاء وخصوصا بعد الطلب العالمي المتزايد بعد جائحة كورونا وأزمة نقص الرقائق الالكترونية في السوق الدولي”
ويطول الحديث عن هذه الشركة كفاعل دولي، فهذه الشركة تبلغ قيمتها السوقية حوالي 550 مليار دولار وتسيطر على 56% من سوق أشباه الموصلات ولها أكثر من 50 ألف موظف في منطقة صناعية موجود معظمها بتايوان.
فبهذه القوة استطاعت الشركة أن تجعل من نفسها ملف أمن قومي لكثير من الدول مما وفر الحماية لدولتها من اجتياح الصين وأيضا محاولة الكثير من الدول توطيد العلاقات معها مثل لأمريكا وألمانيا واليابان والاتحاد الأوروبي بالمجمل.
فلو أصاب خلل هذه الشركة فإن هذا الخلل سيؤثر بشكل واضح على باقي دول العالم.
النموذج (4) شركة هواوي الصينية Huawei
بمجرد ذكر هذ الشركة، فإن معظم الأشخاص حول العالم سيظنون أنها مجرد شركة هواتف ذكية. حيث تعتبر هذه الشركة أكبر منتج للهواتف الذكية في سنة 2021 والأكثر مبيعاً لمعدات الاتصالات في العالم.
وفي هذه الجزئية من المقال سأقوم بسرد تاريخ الشركة بشكل مبسط وسأقوم بالتعريف بأنشطتها المتنوعة ودورها الاقتصادي السياسي في النظام العالمي.
تم تأسيس شركة هواوي سنة 1987 على يد الضابط السابق في الجيش الصيني Ren Zhengfei، وكان يتمحور نشاطها الاقتصادي على معدات الاتصال السلكية واللاسلكية، ولم تدخل سوق الهواتف الذكية حتى سنة 2004، ومنذ تأسيس الشركة وحتى الألفية الجديدة كانت هذه الشركة مجرد شركة صغيرة في سوق معدات الاتصالات التي كانت تسيطر عليه Ericsson, Nokia في ذلك الوقت.
كانت نقطة التحول لشركة هواوي سنة 2009 حين قامت شركة الاتصالات السويدية Telia Company باختيار شركة هواوي من أجل بناء أول شبكة 4 جي تجارية في العالم، وكان هذا الاختيار غير متوقع من الشركة السويدية حيث لم تكن شركة هواوي معروفة دوليا أو خارج الصين. وعلى خطى هذه الصفقة وقعت هواوي في نفس السنة مع النرويج صفقة من أجل تغيير شبكة الاتصالات بالكامل والتي كانت تعمل بالبنية التحتية التي صممتها وأشرفت على بنائها كل من شركة (إركسون ونوكيا).
ومن هنا كانت بداية هواوي الصينية في سوق الاتصالات العالمية، وبالتبعية اكتسبت مركزا رفيعا في سوق الاتصالات الصيني بفضل إلزام الحكومة لشركات الاتصالات المحلية بشراء ما يقارب 70% على الأقل من معدات الاتصالات من شركة هواوي.
وفي سنة 2008 إبان الأزمة العالمية، كانت الشركات الأوروبية تحاول التقليل من نفقاتها في حين كانت شركة هواوي تنفق بشكل مستمر على التطوير بفضل الدعم المتحصل عليه من الحكومة وهذا ما جعل الشركة تنمو بسرعة وتنافس في السوق العالمي من حيث الجودة والسعر أيضا، والذي يعتبر الأقل عالميا، حيث تعتبر معدات الشركة خلال الفترة الماضية والتي تخص تقنية الجيل الخامس الأرخص سعرا والأكثر تقدما وتطورا في السوق العالمي. ويرجع الفضل للتمويل المستمر لعمليات البحث والتطوير، حيث تقدر مصروفات الشركة على البحث والتطوير في سنة 2019 حوالي 4 مليار دولار، وتمتلك الشركة قسماً ضخماً خاصاً بالبحث والتطوير، ويصل الكادر الوظيفي العامل به حوالي 80 ألف شخص، ويمثل هذا العدد نصف موظفي الشركة تقريبا.
وأكثر ما ميز الشركة هو تقدمها في مجال معدات الجيل الخامس فحسب تعبير Foreign Policy: “في شهر أبريل لسنة 2019 أصبح الوضع بين الصين والولايات المتحدة معكوساً لأول مرة، فلم تعد الشركات الصينية تحاول اللحاق بالشركات الغربية وإنما العكس صحيح”.
وتشكل شركة هواوي تهديدا مباشرا من الناحية الأمنية للولايات المتحدة في شتى المجالات، فواشنطن تعلم جيدا أن تقنية (5 جي) ستكون عصب الاقتصاد العالمي وستتحصل الصين على نفوذ عالمي عند بنائها لهذه الشبكات والسيطرة عليها في جزئية قطع الغيار وأيضا ستحظى الصين بالأفضلية بمعرفة كل البيانات التي تمر من خلال الشبكة والتجسس على من تريد بخاصية BACK-DOORS أو الثغرات الأمنية التي تكون موجودة مسبقا بالنظام وبدون علم العملاء من الدول الذين يودون شراء معدات الجيل الخامس.
وهنالك سابقة لشركة هواوي في سنة 2017 وبالتحديد في شهر نوفمبر عندما اكتشف مجموعة من الفنيين بمبني الاتحاد الافريقي بأديس أبابا أن الخوادم الموجودة بالمبنى تشتغل ليلا وبالتحديد من الساعة 12:00 إلى الساعة 2:00 بمعدل أعلى من الطبيعي وبالرغم من أن مقر الاتحاد يكون مقفلا في ذلك الوقت، وبعد البحث والتحقيق في هذا الموضوع تم اكتشاف أن البيانات الموجودة علي الخوادم في المبني ترسل كل ليلة وبشكل دوري وتلقائي إلى خوادم أخرى موجودة في (شنقهاي) واستمر هذا الاختراق لمدة خمسة سنوات من سنة 2012 وحتى سنة 2017، وبعد هذه الحادثة قامت وحدات أمنية بتفتيش دقيق للمبنى وجدت أجهزة مايكروفون مخفية في مكاتب وجدران المبنى.
لقد تم إنشاء هذا المبنى وتصميمه من قبل الصين التي قدمته كهدية إلى إفريقيا سنة 2012، والأهم من ذلك أن نظام الأم المعلوماتي للمبني تم صنعه من شركة هواواي. ومنذ ذلك اليوم والشبهات تلاحق شركة هواوي، إلى أن قام الرئيس التنفيذي لشركة هواوي بتصريح من أجل طمأنة العملاء في شهر 4 سن 2019 وقال:
“لو قامت الحكومة الصينية بطلب بيانات العملاء فإن شركة هواوي سترفض ذلك وبشكل قاطع”.
والمدهش أن العالم أجمع يعلم أن شركة هواوي المتعددة الجنسيات ليست إلا أداة في يد الحكومة الصينية من أجل قضاء مصالحها وأن الشركة ملزمة بقانون التجسس الصيني الصادر في سنة 2014 وقانون المخابرات الوطنية الصادر في سنة 2017 بإلزام الشركات الصينية بتوفير أي معلومات تقوم الحكومة بطلبها.
الخلاصة
إن الشركات متعددة الجنسيات أصبحت تقود العالم من الناحية الاقتصادية وتلعب دوراً أساسياً ومهماً سواء على الصعيد الدولي أو المحلي من ناحية الأمن القومي العالمي والأمن الغذائي والمعلوماتي، وأيضا أصبحت الدول في حروب غير مباشرة فيما بينها عن طريق هذه الشركات. ولعبت الشركات دورا مهما في السياسة الخارجية لبعض الدول وتعتبر لاعباً أساسيا وفعالا في النظام العالمي بل هنالك شركات لو أصابها أي اختلال قد يكون هذا الاختلال مصحوبا بكوارث دولية يصعب السيطرة عليها ومن أمثلة هذه الشركات شركة بلاكروك BlackRock.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً