يعتبر معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس من أهم المعابر البرية بين البلدين، والبوابة الرئيسية المشتركة بينهم، فما وضع المعبر بعد إعادة افتتاحه، وهل هناك عراقيل تعترض عمله، وما وضع حركة التجارة، جميع هذه الأسئلة وغيرها يجيبنا عليها رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير.
قال عبد الكبير في حديث لشبكة “عين ليبيا”: “الأمور ووضعية المعبر بين تونس وليبيا ليست طبيعية وليست وضعها العادي، لأنها في الوضع العادي هي محكومة بجملة من الاتفاقيات وجملة من البروتوكولات بين البلدين”، مشيرا إلى أن “المعبر في السير العادي يعيش نوعا من الهدوء ونوع من التوافق الداخلي الليبي ونوع من التنسيق المحكم بين الأطراف الليبية انطلاقا من المعبر وصولا إلى كل المدن الليبية وارتباطا بالعاصمة الليبية طرابلس وتحديدا الإدارة العامة للجوازات، مع الحضور القوي لبلدية زوارة باعتبارها المشرف اللوجستي”.
وأضاف: “هذا المنفذ مهم جدا لكل البلديات المجاورة على غرار زلطن والجميل ورقدالين والعجيلات، ومهم جدا لكل البلديات الحدودية والمدن الحدودية الموجودة بين تونس وليبيا، والتي تقتات منه في التجارة، ويحقق مداخيل كبيرة للدولتين تصل إلى 150 و200 مليون دينار في السنة، وحجم مبادلات كبير من التبادل بين البلدين، يعني في اليوم الواحد اكثر من خمس آلاف سيارة، والمواطنين يدخلوا 10 آلاف و15 ألف مواطن يوميا ذهابا وإيابا، وحجم الشاحنات الكبيرة من 300 الى 500 شاحنة ثقيلة تمر عبر القارات تمر يوميا”.
وتابع رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى: “يعجز الآن المعبر على تقديم هذه الخدمات، بسبب التوترات داخل ليبيا، وخاصة بين البلديات الحدودية وعلى رأسها زوارة وحكومة (الدبيبة)، وتحديدا وزارة الداخلية، وهناك أعداد قليلة الآن تتنقل بين تونس وليبيا، والتجارة بينهم متوقفة تقريبا تماما، يعني الآن وضع المعبر ليس طبيعيا بالمرة بل هو منذ 18 مارس الماضي، تقريبا يعمل بنسبة 10 إلى 15% من طاقة العمل والاستيعاب في كل المبادلات التجارية وحركة المواطنين”.
وحول العراقيل التي تعترض عمل المعبر، قال مصطفى عبد الكبير: “هناك عراقيل كثيرة متعلقة بعدم التوافق الليبي الليبي، وهناك صراع حقيقي بين البلديات الحدودية وحكومة طرابلس ووزارة الداخلية، وأيضا هناك عدم توافق حقيقي بين تونس وليبيا في مسألة العودة إلى ما قبل 18 مارس، قبل حادثة الاشتباكات الأمنية التي دارت من الجانب الليبي، وأيضا هناك عراقيل على مستوى انقطاع منظومة العمل الأمنية، التي تنقطع من حين لآخر والمواطن الليبي والتونسي ينتظر لساعات عديدة تتراوح من 3 ساعات إلى 7 و8 ساعات في اليوم”.
وأضاف: “اليوم هناك أشياء فعلا تؤكد أن هذا المعبر يعيش صعوبات حقيقية وهذه الصعوبات مردها لعراقيل متسببة فيها الحكومات والمواطنين على الحدود، باعتبار أن القضاء على مصدر رزقهم هو شريان تنموي لأكثر من مدينة تونسية وليبية على الحدود”.
وتابع مصطفى عبد الكبير: “كل الأطراف التي تعتبر هذا المنفذ، يضيق عليهم عيشهم، وهم جزء من هذه العملية ويرفضون ذلك، لذلك شهدنا في المدة الأخيرة اعتصامات من مواطني زوارة وغلق الطريق دام لأكثر من 10 ساعات، كحركة احتجاجية باعتبار أنهم يعتبرون وزارة الداخلية وكتيبة تأمين المنفذ وعلى رأسها قوة إنفاذ القانون، قامت بسوء المعاملة مع المواطنين الليبيين وانتهاكات تضيق على تجارتهم، وكذلك من الجانب التونسي هناك تململ على مستوى معتمدية بن قردان ومواطني بن قردان باعتبارها البلدية المحيطة بالمعبر، الذين يعتبرون أن هناك تضييق على الحركة التجارية، كما أن تجارتهم في ليبيا تشهد صعوبات”.
وحول الطلبات من الجانب التونسي، قال مصطفى عبد الكبير: “هي طلبات قديمة جديدة، والجانب التونسي يطلب تطبيق الاتفاقيات، ويطلب حسن معاملة المواطنين التونسيين، وشاهدنا في الآونة الأخيرة أرقام كبيرة للانتهاكات، وسجلنا أكثر من 50 و60 انتهاك على المواطنين خلال 24 ساعة، تعرضوا للاعتداء اللفظي أو المادي، ووصل الأمر إلى حد أنه قبل غلق المعبر بمدة في شهر مارس الماضي، مزق رجل أمن ليبي وثيقة رسمية “جواز السفر التونسي لمواطن تونسي”، حيث استنكرت السلطات التونسية رغم أن السلطات الليبية اتخذت إجراء وقرار في هذا المواطن”.
وأضاف عبد الكبير: “أيضا تونس لها طلبات من الجانب الليبي هي مسألة التبادل التجاري وتأمين الحدود والعمل على التنسيق، وجميعها يشهد تراجعا كبيرا جدا، فمطالب الجانب التونسي هي في التنظيم والتنظم وحسن المعاملة ومبدأ المعاملة بالمثل على مستوى المعبر، معاملة بالمثل للقوات الأمنية الليبية ومصالح الجمارك الليبية وكل السلطات الليبية في التعامل مع المواطنين الليبيين مقارنة بالمواطنين التونسيين”.
وقال: “في الجانب التونسي، المواطن الليبي يحظى بكافة الاحترام، وله كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن التونسي، وهو حر في تونس، بينما المواطن التونسي على الأراضي الليبية، يعيش صعوبات واعتداءات وفي بعض الأحيان إجبار على دفع رشاوى، وأيضا الجانب التونسي يطالب الجانب الليبي، بمزيد من التنسيق خاصة فيما يتعلق بجانب الهويات والعناصر التي قد تكون مطلوبة للأمن التونسي أو الأمن الدولي، باعتبار تورطها في الإرهاب، لأن أكثر نقطة توقيف من الجانب التونسي هي الجانب الأمني”.
وتابع رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير: “المعبر هو بوابة رسمية فيها أكثر من 5 أو 6 أجهزة أمنية، سواء كان جمركية، ديوانة، مكافحة الجريمة، مكافحة الإرهاب، الاستخبارات العامة، بوابات أمنية وعسكرية، وكلها تؤمن تفتيش السلع والمواطن، يعني هو بوابة رسمية ولا يمكن بحال ما اعتباره بوابة تهريب التهريب”، مضيفا: “التهريب يتم عبر المسالك غير الرسمية كالساتر الترابي والبحر والحدود البرية المفتوحة”.
وأردف: “هو من أكبر البوابات التي تربط بين تونس وليبيا ومن أكثر البوابات اللي تنتشر فيها قوات أمنية وجمركية لمراقبة كل التحركات وكل المبادلات التجارية، وهناك تفتيشات دقيقة من الجيش الليبي والجيش التونسي، وإن وقعت حوادث تهريب فهي تضاهي 0.5% بما يقع في البوابات والموانئ الأخرى الليبية التي تهرب إلى داخل ليبيا أو من ليبيا إلى خارج ليبيا”.
وحول أهمية المعبر، قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان: “المعبر يغدق الخيرات على سكان المدن في البلدين، وهناك ما يقارب 70 مدينة تونسية ليبية موجودة على الحدود تعيش على التجارة البينية وتعيش على ما يقدمه المعبر من خدمات، ويعتبر المعبر هو مصدر عيشهم، وهو ليس مكان للتنقل والسفر والانتقال من بلد إلى بلد، فهو مكان للعمل، والجميع يقصد هذا المكان للحصول على قوته”.
وأضاف: “إن غلق المعبر له تأثيرات كبيرة على أرزاق الناس التي تعيش ضائقة مادية كبيرة، وتتفشى البطالة في المناطق الحدودية الليبية التونسية، والاحتجاجات التي حدثت وتحدث لأن المحتجين فقدوا مصدر رزقهم وقوتهم والشباب تم التضييق على أرزاقها بمنع السلطات الليبية والسلطات التونسية لتدفق السلع والحد من التبادل التجاري”.
وقال: “هذا المعبر هو الرئة التي تتنفس به المناطق الحدودية التونسية الليبية ورئة مهمة لكل الليبيين والتونسيين، كونه يقدم خدمات إنسانية بالتنقل من أجل العلاج والتزود بكل مستحقات المواد الغذائية سواء كان الجانب الليبي أو الجانب التونسي، بالإضافة إلى السياحة والتسوق بين شعبي البلدين، والتبادل الاقتصادي التجاري، حيث أن هناك مستثمرين ماليين ليبيين في تونس وعندهم أموالهم واستثماراتهم في الحركة الاقتصادية في تونس، هناك العديد من الشركات التونسية والمقاولات التونسية والمصانع، كلها هي في ارتباط وثيق مع ليبيا”، مضيفا: “هذا المعبر له تأثيرات كبيرة جدا على البلدين، ويعتبر شريان تنموي ومن أكثر المناطق التي لها مردود اقتصادي على البلدين”.
وتابع رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان: “المعبر أغلق لأسباب أمنية، نتيجة الصراع المسلح بين أطراف ليبية، وتحديدا بين قوات تابعة لمديرية أمن زوارة والمجلس العسكري في زوارة وأيضا قوات تتبع لإنفاذ القانون التي تم الدفع بها من العاصمة الليبية طرابلس لبسط نفوذها على المعبر”.
وحول تأمين المعبر، قال عبد الكبير: “الموضوع داخلي ليبي ليبي، والجميع يدرك أن هذا المعبر هو نقطة مهمة ومن يسيطر سيكون له الحظوة الكبيرة لدى الدول الأجنبية على غرار الأمريكان والأوروبيين والأتراك والخليجيين، وكل الأطراف الدولية المتواجدة داخل ليبيا، وعينها دائما على هذا المعبر، لأنه يعتبر بوابة يربط بين قارتين (أفريقيا وأوروبا)، وفي الجانب التجاري، يربط بين ثلاثة بوابات (قارات آسيا وأفريقيا ومن أفريقيا إلى أوروبا والعكس صحيح من أوروبا إلى أفريقيا إلى آسيا”.
ونوه مصطفى عبد الكبير إلى أن “ليبيا تعيش مخاضا أمنيا وصعوبات أمنية كبيرة جدا، والصراع والحرب الباردة في ليبيا بين الفاغنر الروس والقوات الأوروبية التركية هو صراع كبير جدا، وبالتالي من يستطيع السيطرة على هذا المنفذ يريد تأمين نفسه نحو عملية الإمداد، في حال حدوث الحرب وعملية الإجلاء وكل هذه العمليات هي بطبيعة الحال مرتبطة بجانب الدخول والخروج نحو ليبيا لتأمين مصالح هذه الدول”.
واستطرد قائلا: “الحركة التجارية في المعبر تكاد تكون فاشلة، ولا يمكن الحديث عن حركة تجارية، والعملية متوقفة تماما وعملية التبادل التجاري لم تسترجع بعد، باعتبار أن الاتفاق الأمني الحاصل بين تونس وليبيا، هي جاءت باتفاقية العودة التدريجي، يعني عادت الحركة الدبلوماسية، ونقل الدبلوماسيين وسيارات الإسعاف، أما التبادل التجاري، فحتى الآن لم يتم الاتفاق بين تونس وليبيا على ما هي البضائع التي يمكن للمواطن الليبي والتونسي حملها، وما البضائع التي يقع عليها رسوم وضرائب، والقيمة المالية المسموح بها في عملية التبادل التجاري، وجملة من الأشياء لم يتم الاتفاق عليها”.
وأضاف: “عندنا 8 اتفاقيات تجارية من 2001 حتى الآن تربطنا بليبيا، فهل سنرجع إلى اتفاقيات التسعينات؟ هل سنرجع إلى اتفاقيات الثمانينات؟ هل سنبحث عن اتفاقيات جديدة؟ كل هذا الآن غير واضح، ولذلك الحركة التجارية تعتبر قليلة وقليلة جدا فقط في نقل بعض المواد الغذائية البسيطة وبعض المواد الاستهلاكية والملابس التي لا تتجاوز قيمة كل تاجر إلى ألف دينار ليبي أو ألف و500 دينار ليبي، وهي لا تعتبر حركة تجارية”.
وقال: “الجميع ينتظر عودة الحركة التجارية التي تمتص البطالة وتوفر التشغيل وتجعل الوضع الاقتصادي يتحسن والجانب التنموي تدريجيا يصبح أفضل”، مضيفا: “لا يمكننا الحديث عن أي حركة تجارية بل بالعكس المعبر يعيش صعوبات حقيقية قد تهدده بالإغلاق مرة أخرى”.
وحول آثار غلق المعبر، أوضح مصطفى عبد الكبير أن “غلق المعبر له آثار سلبية كبيرة جدا على مستوى الوضع الاقتصادي للمواطن الليبي والمواطن التونسي خاصة، وأيضا عودة التوترات على مستوى الطرقات المؤدية للمعبر سواء كان من الجانب التونسي أو من الجانب الليبي، وعودة الفوضى، وهناك صعوبات اقتصادية لسكان المناطق الحدودية الليبية والمناطق الحدودية التونسية الكبيرة، وأيضا هناك فتور حتى في العلاقات التونسية الليبية ألقت بظلالها على وضعية المعبر”.
وأضاف: “الدولتان تخسر آلاف المليارات في مسألة التبادل التجاري، وآلاف المليارات في جانب الرسوم والضرائب التي تجنيها كل دولة عند فرضها في عملية التبادل التجاري، كذلك الحركة في الجانب الإنساني والناس كلها تستطيع يعني قضاء حوائجها والقيام بكل مشاغلها سواء كان في الجانب الصحي أو الجانب الترفيهي وتبادل الزيارات الاجتماعية العائلية والعائلات المتصاهرة وجلب المواد الغذائية خاصة من الجانب التونسي وجلب المواد الأخرى الاستهلاكية للمواطن التونسي من ليبيا”.
واستطرد عبد الكبير قائلا: “هناك آثار سلبية كبيرة جدا تظهر في وجوه المواطنين سواء سكان المناطق الحدودية من الجانب التونسي أو من الجانب الليبي، وهناك شح كبير للمحروقات على مستوى المناطق الحدودية خاصة الجانب التونسي، لأن هذه المناطق اعتادت لسنوات أن تستهلك المحروقات الليبية، والتي ارتفعت أسعارها للضعف تقريبا في السوق السوداء نتيجة توترات المعبر، وهذا الحال يثقل الكاهل الاقتصادي للمواطنين”، مضيفا: “الآن هناك شح حقيقي في المواد، والجانب التونسي والليبي تأثرا بشكل بالوضع الراهن”.
وأضاف رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، في حديثه لشبكة “عين ليبيا” بالقول: “إن عدم عودة المعبر إذا لوضعه الطبيعي سيسبب مشاكل حقيقية لتونس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وحتى في مستوى جانب الاستقرار، وسيشكل قلاقل للحكومة الليبية وللدولة الليبية على مستوى عديد من المناطق الحدودية المترامية على أطراف مئات الكيلومترات على منطقة رأس إجدير لأن هذه المدن تعيش على المواد الغذائية التونسية والأدوية التونسية والعمل مع تونس وتعيش على التجارة البينية مع تونس والعكس صحيح”.
وختم بالقول: “من يريد قراءة المناخ السياسي التونسي والليبي فهو يطلع على وضع المعبر، لأنه مرآة عكس حقيقية للعلاقات التونسية الليبية”، مضيفا: “العلاقات السياسية التونسية الآن فاترة جدا مع الجانب الليبي وهناك فتور كبير ومشاكل حقيقية، وبالتالي على الدولتين اليوم أن يكثفوا من اللقاءات الدبلوماسية والحركة الدبلوماسية لتنقية الأجواء من أجل العودة إلى ما كانت عليه قبل 18 مارس، وعلى تونس وليبيا أن تعمل بمزيد من التنسيق ومزيد من تطوير العلاقات من أجل حماية بلدهم من كل ما يمكن أن يحدث على مستوى الحدود، من أجل تأمينها من الجماعات الناشطة سواء الإرهابية أو الاتجار بالبشر والاتجار بالمخدرات، وبالتالي الدولتين في وضعية تحتاج فعلا إلى تحرك سياسي دبلوماسي سريع جدا”.
اترك تعليقاً