واشنطن بوست: هل ما يحدث في ليبيا حرب بالوكالة؟

Washington-Post-1024x440

مترجم عن ?Is Libya a proxy war

ظهرت التقارير التي تحدثت عن قصف الجيش المصري مواقع المسلحين الإسلاميين في بنغازي شرق ليبيا مجددا كيف أن الدولة المتوسطية هي مسرح لحروب إقليمية بالوكالة. حيث يعود تدخل دول الشرق في الشأن الليبي إلى عام 2011 إبان الثورة الليبية على معمر القذافي. فخلال الثورة دعمت الإمارات وقطر الثوار بالمال والسلاح والتدريب والمعلومات الاستخبارية. وقد كان للمنفيين الليبيين دور في توجيه تلك المساعدات إلى فصائل بعينها.

لقد كان لتلك التدخلات أثر جوهري على مسار الثورة وما بعدها. فقد قلل وجود راع خارجي من اتفاق الفصائل الليبية على الأرض وعزز الانقسام فيما بينها. فقد تسابقت الفصائل الثورية على الحصول على السلاح وانتزاع المعلومات الاستخبارية من بعضها البعض، وحاولوا التفوق على بعضهم البعض في معركة تحرير طرابلس.

لكن ما حدث في 2011 لا يقارن بحرب الوكالة الطاحنة الجارية اليوم. ففي 2011، كانت كافة الفصائل المدعومة من الخارج متفقة على الإطاحة بالطاغية القذافي، لكن اليوم ينخرط العالم الخارجي في صراع سيعمق الانقسام أكثر.

تقوم الحكومة الليبية المدعومة من مصر والإمارات بتوسيع نطاق صراعها مع الجهاديين في بنغازي لتشمل الحرب الأهلية متعددة الجوانب الدائرة في طرابلس والجبال الغربية.

يعرف أستاذ العلوم السياسية كارل داتش الحرب بالوكالة بالقول “هي صراع دولي بين قوتين خارجيتين على أراضي دولة ثالثة، وذلك حول شأن داخلي لتلك الدولة وباستخدام بعض من مقاتليها ومواردها وأراضيها لتحقيق أهداف واستراتيجيات خارجية”. بينما يعرفها أندرو مامفولد بأنها “صراع يتدخل فيه طرف ثالث في سبيل التأثير على النتيجة الاستراتيجية وتوجيهها لصالح الفصيل المفضل له”.

لكن التعريفين لا ينطبقان على الحالة الليبية. فنقطة التحول في مسار ليبيا ما بعد الثورة حدثت من الخارج، وذلك بوصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر. فبدون قصد منه، تسبب السيسي في إلقاء ظلال من الاستقطاب على ليبيا المضطربة. فقد رأى فيه أعوان النظام الليبي السابق والقبائل الشرقية وأنصار الفدرالية والليبراليون فرصة لخلاص البلاد من العنف المتزايد، وأداة لإقصاء خصومهم من السلطة.

إلا أن الإسلاميين بمواقفهم المتشددة وعدم نضجهم السياسي في البرلمان عديم الفائدة – خاصة بتحويل تمويل مخصص للجيش الوطني إلى جماعات مصنفة أمريكيًا على أنها إرهابية – هم من يتحملون الجزء الأكبر من اللوم في هذا الأمر. لكن التحول الذي حدث بظهور السيسي يعني أن الصراع القائم في ليبيا قد تحول إلى نسق أكثر خطرًا هو الحرب على الإرهاب. والأهم من كل ذلك، هو أن صعود السيسي يشكل جزءًا جديدًا في الحكاية الليبية ينتظر ممثلا ليؤديه.

هذا اللاعب هو اللواء خليفة حفتر قائد الهجوم الفاشل على تشاد والذي كان مقيما في الولايات المتحدة لمدة 20 عاما وعاد في 2011 في محاولة فاشلة لقيادة الجيش. في مايو من عام 2014، أطلق حفتر عملية الكرامة، والتي بدأت بقصف مواقع جماعة أنصار الشريعة والميليشيات الإسلامية حول بنغازي. ومنذ البداية، حاول حفتر التحالف مع النظام العسكري في مصر، ودعا مصر لاتخاذ كافة التدابير العسكرية لتأمين حدودها. وفي نفس الوقت، أطلق عملية الكرامة “لردع الإسلاميين عن تهديد الجيران في الجزائر ومصر”. مشددا على أنه لن يسمح لأي مسلحين مصريين باتخاذ الحدود بين البلدين كملاذ آمن.

إن لدى مصر مخاوف أمنية حقيقية من حدودها مع ليبيا. فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن الحدود الطويلة شكلت نقطة عبور للأسلحة والمسلحين إلى سيناء وغزة ومنها إلى سوريا. لكن الكاتب يعتقد أن مصر تتبع أسلوبًا عتيقا يقضي بتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية عبر شماعة التهديد الخارجي. إن انعدام الأمن على الحدود مع ليبيا يقع في معظمه على عاتق مصر، بسبب ضعف سيطرتها على الحدود الغربية وسياسات إشراك القيادات الدينية والقبلية في السيطرة على الحدود دون علاج المشكلات الهيكلية الأعمق المتعلقة بتملك الأراضي والبنية التحتية والتوظيف.

لكن حملة حفتر في الغرب ربما تكون زادت من التهديد الموجه إلى مصر. فقد أجبرت الحملة الإسلاميين في بنغازي على التوحد في تحالف واحد. كما أطلق ذلك حشدا مضادا في طرابلس تحت اسم “فجر ليبيا”. حيث سيطر هذا التحالف على مطار طرابلس وعدة مناطق في غرب ليبيا.

إن القادة المصريين ليسوا معجبين بحفتر. فقد اكتشفوا أن وكلاءهم المحليين يتصارعون فيما بينهم وتنقصهم الأهلية. وتحاول القاهرة الآن النأي بنفسها عن حفتر.

إن عرض الرئيس المصري مؤخرا المساعدة العسكرية على قائد عملية الكرامة اعتبر جزءًا من الحرب الأوسع على تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أظهرت وثائق مسربة في منتصف سبتمبر الماضي أن ثمة اتفاق تعاون عسكري بين الدولتين. كما تستضيف القاهرة عددًا من الموالين لحفتر.

أما بالنسبة للإمارات، فقد كانت شريكًا ومحرضًا على الهجوم المصري. يستند النشاط الإماراتي على قلقها الأكبر من صعود الإخوان المسلمين وتأثير غريمتها قطر على النظام الذي تلا معمر القذافي. وقد روجت هي أيضا لانخراطها في الصراع في ليبيا كجزء من المواجهة الأوسع مع القاعدة والدولة الإسلامية. يعود النفوذ الإماراتي في ليبيا إلى عام 2011 إبان ثورة ليبيا عندما قدمت القوات الخاصة الإماراتية الدعم للواء الزنتان الذي يتحالف مع حفتر الآن. كما استضافت الإمارات على أراضيها مناوئين للإخوان المسلمين ومناصرين لعملية الكرامة.

وفي ضوء الحملة التي دشنها حفتر، كثفت الإمارات من تدخلها العسكري هناك. فقد شن الطيران الإماراتي غارات ليلية على مواقع المسلحين في مصراتة. كما تشير تقارير إلى شن القوات الخاصة الإماراتية هجمات على معسكرات الجهاديين في درنة.

بالنسبة لقطر، فقد تدخلت لمساعدة فصائل عملية فجر ليبيا وذلك بالتعاون مع تركيا والسودان. لقد كانت مساعدة قطر لفصائل إسلامية تابعة لرجل الدين علي الصلابي هي الدافع وراء اتجاه محمود جبريل وأطراف أخرى لطلب مساعدة الإمارات وفرنسا والولايات المتحدة. كما تسبب التدخل القطري في صراع على شحنات السلاح بين إسماعيل الصلابي (قائد ميليشيا في بنغازي) وحفتر. كما أقامت قطر غرفة عمليات في نالوت أسوة بالإمارات التي أقامت غرفة عمليات في الزنتان. كما قدمت قطر مساعدات لقادة ثوريين يعمل كثير منهم الآن ضد حفتر.

إن الحرب الجارية في ليبيا هي انعكاس لحالة الاستقطاب الشديدة في الخليج العربي وفي العالم العربي بصفة عامة. لكن ما يلفت الانتباه هنا هو أن كلا من قطر والإمارات منخرطتان في الحلف الأمريكي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. كما وقع البلدان على بيان يناشد جميع الدول بعدم التدخل في شؤون ليبيا الداخلية. لكنهما حنثتا بتعديهما بالقصف الجوي الأخير وبعمليات شحن السلاح والأموال السرية.

وحتى الآن، تمسك الولايات المتحدة بالعصا من المنتصف. فقد أكدت مرارا على ضرورة إجراء مصالحة بين الفرقاء في ليبيا. إن خطط المساعدة العسكرية من أمريكا إلى ليبيا ترتبط باستراتيجية محاربة الإرهاب الأوسع، والتي تعتمد على تدريب قوات خاصة محلية. لكن القيام بذلك الآن قد يؤدي إلى الوقوع في فخ التحيز إلى أحد طرفي الصراع. كما أن الدفع بقوات عسكرية جديدة في بلد مقسم أمنيا بالفعل سيعمق الصراع بدلا من حله. لذا يجب على الولايات المتحدة تأجيل خططها إلى حين إتمام المصالحة وتولي حكومة وحدة المقاليد في البلاد. كما يجب عليها المساهمة في إنشاء قوات أمنية في ليبيا تشمل كل المناطق والقبائل، وأن تكون هذه القوات تحت إمرة حكومة مدنية منتخبة وتشارك فيها جميع قطاعات الوطن.

اقترح تصحيحاً

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً