في أحد أيام يوليو من العام الماضي زرت ترهونة مع فريق من قناة الجزيرة لإنجاز تقرير عن سجن سري كان مسلحو مليشيا الكانيات يعتقلون فيه ضحاياهم ويعذبونهم وبعد ذلك يقتلونهم بشكل بشع عبر الإعدام بإطلاق الرصاص على الرؤوس مباشرة، من المؤكد أنكم تذكرون ذلك السجن، إنه سجن الصناديق الحديدية الصغيرة التي كان أولئك المجرمون يشعلون فوقها النار إمعانا في تعذيب الضحايا وإذلالهم بعد وضعهم في الصناديق الضيقة جدا، والتي لا يستطيع الضحايا الجلوس فيها ممدودي الأرجل إمعانا في تعذيبهم.
التقيت في ترهونة – خلال تصوير هذا السجن وبعده تصوير عدد من القبور الجماعية – بأفراد شرطة من مكتب النائب العام رافقوا فريقنا خلال ساعات إنجاز التقرير، أخبرني أحدهم أن عجوزا كبيرا في السن من ترهونة اختطف الكانيات ابنه في شهور الحرب على طرابلس، وبعد دخول مقاتلي قوات بركان الغضب إلى ترهونة وهروب تلك العصابة ومن ساندها من مرتزقة فاغنر والجنجويد وقطاع الطرق وشذاذ الآفاق بحث ذلك العجوز عن ابنه في كافة المعتقلات والسجون الموجودة في ترهونة فلم يجده، ولاحقا تحصل على هاتف محمد الكاني فاتصل به وسأله عن ابنه فأجابه ذاك السفاح قائلا: “احفر في ترهونة ودوّر على وُلدك، ترهونة كلها قبور”.
حسبنا الله ونعم الوكيل.. يا لبشاعة هذا الرد، كيف تحمّل قلب ذاك الأب العجوز هذا الرد البشع من مجرم قاتل كان يمارس الإجرام كما يتنفس؟ الآن، مضى المجرم محمد الكاني إلى ربه، قتله حفتر وابنه صدام بشكل بشع مشابه تماما للطريقة التي كان يقتل بها ضحاياه، وسيقف بين يدي الله تعالى ليحاسبه عن جرائمه ولن يجد في المحكمة الإلهية ما يبرر به الجرائم التي ارتكبها مع أشقائه والتي أحرقت النسيج الاجتماعي في ترهونة ورمتها في مستنقع الدم والحزن والأحقاد.
مجرمو مليشيات الكاني القبلية حولوا ترهونة ومشاريعها الزراعية وضواحيها إلى قبر كبيرٍ مترامي الأطراف، أدخلوا ترهونة في نفق الدم والأحقاد الذي سيظل شاهدا إلى الأبد على إجرامٍ منقطعِ النظير، لم تشهد ليبيا مثله في تاريخها الحديث أو القديم، وحتى الآن لم يتوقف العثور على المقابر الجماعية في ترهونة، وربما ستكشف الأيام والشهور المقبلة عن المزيد من القبور الجماعية و جرائم الحرب التي ارتكبتها عصابات حفتر ضد الليبيين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً