يشير القرآن الكريم إلى حقيقة ، أن القُرب من الله تعالى والبعد عنه والأفضلية لديه سبحانه وتعالى لا يتحدد بلون البشرة أو النسب قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال أيضاً عز وجل (فإذا نفخ فى السور فلا أنساب بينهم) .. فنحن فى ليبيا نعتبر أنفسنا أمة واحدة وجسد واحد وإذا ظهرت هذه الأيام بعض المطالبات التاريخية من قبل بعض الليبيين والتى تستحق الإحترام منا جميعاً فهذا حق ولا يرفُض الحق إلا ظالم فإذا تواجد على هذه الأرض الليبية هذا قبل ذاك أو هذه العرقية قبل تلك فهذا لايعنى أن يُحاول أحد منا تهميش الآخر أو الإساءة إليه وإلى موروثه الحضارى والتاريخى وإلى طلباته المشروعة لأن ذلك سيزيد من الهوة بيننا وزرع الأحقاد وربما إعطاء الفرصة لجهات أخرى خارجية بالتدخل للإستفادة من الإختلاف فى الرأى وخصوصاً نحن فى ظل مجلس وحكومة يوصفها الكثير بالضعف وقلة الحيله وعدم الخبرة السياسية ،، غير أن الإسلام مذ بدأت مسيرته الخالدة لم يعرف الغلظة والإستكبار ولم يعرف حرب الأجناس ولا تعصبات الأعراق ، لقد جاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم بصيغة تسوى بين كل البشر لأنهم من أب واحد وأم واحدة فالعربى لا يتفضل على الأعجمى والأعجمى لا يتفضل على العربى إلا بالتقوى والعمل الصالح.
فى فترة من الزمن الماضى أتيحت لى فرصة لحضور دورة تدريبية علمية فى أسبانيا وبعد إنتهاء البرنامج العلمى إشتركت مع (جروب) سياحى لزيارة الجنوب الأسبانى وما يُعرف تاريخياً فى أسبانيا بالأندلوسيه (الأندلس) وقد كانت المجموعة المشاركة تتضمن الكثير من المشاركين من أمريكا الجنوبيه وعرب من شمال أفريقيا ومن أوروبا الغربيه ، المهم .. كانت فى الرحلة معنا مرافقة أسبانية متخصصة فى مجال التاريخ والجغرافيا وعلم الإجتماع وقد كنا فى حافلة إنطلقت من مدريد إلى الجنوب عبر طريق مزدوج مُتعرج فى الكثير من المناطق وكنا من حين لآخر نشاهد مبان قديمة على هيئة (قصور) محمية بأسوار وسط الغابات الكثيفة والمتشابكة ، وكلما كنا نمر على أحد من هذه القصور … تبتسم وتقول (قصرعربى) ومع تكرار المشهد أثارت حفيظتى وقلت لها … أليس هذا تاريخاً يُفتخر به ؟ تجنى منه هيئات السياحة الأسبانية اليوم مئات الملايين !!! فأجابتنى بقولها أننى أستغرب لحضارة عربية تواجدت على أرض (الأندلوسية) لما يقرب من ثمانية قرون ، وأصبحت اليوم أثر بعد عين لماذا ؟؟
….. وهنا أردت الحديث فقالت رجاءً لا تحاول إيجاد المبررات وتقول لى أن الأسبان أهل الأرض الأصليين تآمروا على العرب بمساعدة اليهود وتم إخراجهم بعد هذه المدة الطويله من الأندلوسيه وتنكروا لهذه الحضارة التى يشهد لها العالم ، وأضافت بقولها أن العرب عندما جاءوا لأسبانيا .. جاءوا كمستعمرين وليسوا فاتحين وليس من أجل نشر الدين الإسلامى ولو كان كذلك لوجدنا اليوم فى الأندلوسيه من يقول (أشهد أن لا إله إلا ألله وأشهد أن محمداً رسول الله) .. ولا تنسى أن فى سنة 1000 م كان عدد العرب والمسلمين هنا ما يقرب من (30) مليون نسمه جاءوا من الجزيرة العربية والشام وشمال أفريقيا .. كلهم عرب … وأضافت بقولها أستميحك عذراً حيث أننى درست تاريخ العرب وأنا مؤهلة للحوار فى هذه المجال ، فالعرب لم يكونوا ديموقراطيين مع غيرهم وخصوصاً مع أهل الأرض فقد كانوا يعتبرون تقديم الجزيه بعدم الدخول فى الإسلام نوع من الحرية ولكنها فى طبيعة الأمر محاولة لإبعاد غيرهم من التمتع بالمزايا التى يمنحها الحكم الإسلامى لمن هو مسلم .. وهنا حاولت التدخل فقاطعتنى أعلم أنك تود قول الكثير ولكن ألا تعلم أن العرب فى الأندلوسيه عندما إستنجدوا (بالبربر) من شمال أفريقيا أولئك المحاربين الأشداء وهم ليسوا عرباً كما تقول كتب التاريخ ، فبمجرد أن ساعدوهم وثبّتوهم فى الحكم حتى رجعوا إلى شمال أفريقيا لأنهم لم يجدوا قبولاً فى البقاء حيث تخوّف منهم العرب من أن يستولوا على الحكم ، وهو ما يؤكد أن العرب يحبون أنفسهم ويتخوفون على الحكم أكثر من خوفهم على الدين الإسلامى فكان همهم السلطة والبذخ وحب النساء والمال والإستحواذ والتآمر مع الغريب ضد الشقيق ومن يجلس على الكرسى ينسى الكل ويبدأ فى ظلم وقهر شعبه ورعيته ، وهو ما جعل من الأسبان الترصد لهم حتى تم إبعادهم من الأندلوسيه للشمال الأفريقى فى سنة 1492م بعد أن دخلوها فى سنة 711م ولا أود قول طردهم كمستعمرين جاءوا لإستعمار بلادنا ونهب خيراتها.
تلك المرافقة تتحدث لغات عدة ومن بينها العربية (بطلاقه) وقالت لى سأُعطيك الوقت الكافي لترد على وتشرح وجهة نظرك كما شئت بعد وصولنا وزيارتنا للمدن الأندلوسيه والمعالم التاريخية ، وما أن وصلنا وبدأنا فى زيارة المدن والحضارة العربية التى تُبهر الأبصار غرناطه وإشبيليه وجرنادا ومعلم قصر الحمراء وغيره من المعالم التاريخيه . حتى بدأ الجميع يبدون إعجابهم بالعرب وحضارتهم وبدأوا يتساءلون هل من بنى هذه الحضارة العظيمة هم العرب ؟؟ … وهنا لم تجد تلك المرافقة إلا الرد والقول .. إنك فى الأندلوسيه لو قمت بحك جلد الأندلسى لوجدت تحت جلده جلد عربى فأكتفيت بذلك وقلت لها لقد ظلمتى العرب ولم تنصفيهم وربما كنت تحت تأثير من يكتبون ضد العرب وليس من حكم الإندلس ملوك الطوائف فقط الذين أساءوا لسمعة العرب والمسلمين وهم ليسوا بمرجعية لتقييم العرب فى الأتدلس أما ما حدث بين العباسيين والأمويين فهو أمر الله تعالى وله حكمة فيما أراد ولا راد لقضائه .. أعذرونى ربما إبتعدت عن الموضوع ولكنى أقول أن العرب كان لهم دوراً فى نشر الدين الإسلامى واللغة العربية وقد توافدوا على شمال أفريقيا على هيئة (تجاريد) إما من الشرق إلى الغرب أو من الغرب إلى الشرق وأستوطنوا أينما حل بهم المقام وعاشوا فى ظل الشريعة السمحة للدين الإسلامى.
نحن فى ليبيا شعب عظيم ولسنا سكان أو عابرى سبيل لنا حقوق وعلينا واجبات فى ظل الشريعة الألهية والدساتير الوضعية ، ولسنا مثل عرب الأندلس الذين تواجدوا يوماً فى شبه جزيرة إيبيريا ، صحيح أن حكم الطاغية وعائلته واتباعه كان لهم رأى آخر بأننا لا نرقى إلى مستوى شعب عظيم ونحن عبارة عن (وكالين عيش) يرمون لنا الفتات وما يسد الرمق وكانوا ينظرون إلينا من علو شاهق فقد حكموا ليبيا كما كان حكام الطوائف فقد نهبوا خيرات الوطن وبنوا القصور وأودعوا أموالنا التى نهبوها فى بنوك العالم وأهانوا المواطن الليبى ووضعوه فى درجة متدنية لا حقوق له ولا رأى له إستباحوا دمه دون رحمة ولا شفقة وإنتهكوا عرضه دونما حياء ولا خجل أولئك المشكوك فى نسبهم فهم كحكام الطوائف من أبناء الحرام ، نسوا الله فأنساهم أنفسهم حتى جاءت ساعتهم جميعاً وسخّر الله لشرفاء ليبيا من يساعدهم من أهل الكتاب حتى سقط حكم الطاغية ومن معه من الظالمين إلى الأبد ودخلوا التاريخ كطغاة العصر الحديث.
قرأت خبراً مثيراً للضحك والإستغراب فى آن واحد حيث جاء فى الخبر أن المصرف المركزى يطلب من المواطنيين التبرع بالمنحة الماليه حسب القانون رقم (10) أو جزءّ منها لصندوق الزكاةّّ !! … غريب هى الأمور غير المدروسه وهو ما يذكّرنى بالمثل الشعبى القائل (عطى إعطيوه وخاطرا فيها) وإننى أتذكر بأننى كتبت مقالة منذ إصدار القانون بتوزيع هذه المنحة تحت عنوان ( لا لحكومة توزيع صدقات المال على أصحاب المال) نُشرت فى موقع ليبيا المستقبل وبعض المواقع الأخرى وصحفية الحقيقة ـ بنغازى وإقترحت على الحكومة إما فتح مصرف إسلامى ووضع القيمة التى قُدرت بـ (3.5) مليار جنيه لإستثمارها لصالح المواطنيين أو إستخدامها فى إعادة إعمار المدن والقرى التى دُمّرت بفعل الحرب فى تحرير ليبيا وحسب ما تراه الحكومة وبالرغم من ذلك وصلنى العديد من الإعتراضات على هذه الإقتراع وجاء فى أحد التعليقات (فكونا من الإقتراحات وخلونا نتذوق طعم أمولنا بهدوء) ، للأسف اليوم يخرج علينا المصرف المركزى بعد أن إنتظر الجميع هذه المدة وخصوصاً من أصحاب المعاشات المتدنيه والمحتاجين وإستبشر الأطفال بأن أهلهم سيقومون بتسليمهم (200) جنيه حقهم فى المنحة لكى يشترون بها ما يحتاجونه من ملابس وغيرها … تأتى الحكومة المُبدعة اليوم لتُفسد عليهم فرحتهم بالإشارة إلى صندوق الزكاة أفلا تخجلون من أنفسكم ونحن دولة لا يكاد يخلو مصرف من مصارف العالم إلا ولها أرصدة فيه إما قانوناً أو نهباً أو إختلاساً من أتباع القذافى ، أما كان الأجدر بكم أن تبحثوا وتخاطبوا الجهات المصرفيه العالمية للحصول على أرصدة أتباع القذافى من اللصوص والمجرمين لكى تُضخ فى صندوق الزكاة أم أن المواطن الليبى (راقد الريح) هو المركوب القصّير والسهل فى معادلاتكم أيها الساسة الجدد . أعلموا أننا شعب عظيم له الحق فى ثروته ولسنا سكاناَ نقيم فى بنسيون للمتقاعدين أو العاجزين ثم نغادر هذه الحياة وتستمتعون أنتم وأبناؤكم بثروات ليبيا ولسنا عابرى سبيل تجوز فينا الصدقة والزكاة ولكم فى شيخ الطغاة القذافى عبرة لمن يعتبر …. والله من وراء القصد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً