بالحقيقة أن وجود ليبيا على مساحة كبيرة مع تعداد سكاني بسيط وهي بلد فقير ولا توجد به انهار ووجود منطقة شاسعة تفصل المدن عن بعضها ربما كان سببا أساسيا في وجود كيانات شبه معزولة ربما وبشكل نسبي لها خصوصياتها وعاداتها وحتى ربما لهجاتها.
فقد تحررت ليبيا من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية وتم إنشاء الكيان الليبي بشكله الحديث وخلال مفاوضات تكوين البلاد وتمت المفاوضات على أساس وجود ثلاث أقاليم كنقطة انطلاق لتأسيس الدولة مرحليا ثم تم دمج تلك الأقاليم باعتبار تأسيس الدولة الليبية المتحدة وتم تسمية عشر محافظات وكانت ظروف الدولة محدودة في مواردها المالية والبشرية أيضا ولذلك لم تنجز بالمطلق الدولة البديلة وهي دولة المواطنة بالكامل وحقيقة أن المدى الزمني لم يساعد فقد حدث تغيير نظام الحكم بعد فترة وجيزة وجاءت الدولة المركزية بكل تفاصيلها وكان هاجسها الأول ليس تحقيق التنمية بل كان هاجسا أمنيا.
وبعد أحداث فبراير تعالى صوت المطالبين بالفدرالية بالشرق باعتبار أن الغرب في ليبيا هو المهيمن على ثروات البلاد وهو مطلب انطلق من البعض بغرض مصلحي وليس العيب طبعا في الفكرة الفدرالية ولكن هل هذا هو ما يحقق مصلحة الوطن أم أنه مطلب للبعض لتحقيق المصالح ولإثبات فكرة المحاصصة وهل كل أهل الشرق متوافقون على هذا المبدأ أم إن خلافا حادا قائم بين بعض القبائل وتنافسا شديدا بين المدن وهل أهل الغرب الليبي أيضا هم على قلب رجل واحد وضد الشرق أو الجنوب وهل الجنوب المهدد في هويته بالزحف القائم اليوم من الأفارقة هو ضد الشرق أو الغرب.
بالحقيقة إن فكرة الفيدرالية في صلاحياتها لابد أن تتحقق من خلال المحافظات ولابد أن نسعى جاهدين لبناء دولة القانون والمؤسسات والحقوق الكاملة وتحولنا من حالة التخلف والبداوة التي نعاني منها في عقولنا إلى نشر ثقافة التمدن والتحضر.
فمن خلال الواقع والمشاهدة نرى أن من يتحدث اليوم ومن يتصدر المشهد هم عصابات متحدة من الشرق والغرب والجنوب تمثل مسرحية الصراع لتحقيق مصالح دنيئة على حساب الوطن فبعضهم من رجل بسيط شكلا وموضوعا يبحث عن لقمة عيش إلى مالك لعشرات الملايين تتابعه وسائل الإعلام وهو لا يملك فكرا ولا ثقافة وليس له من زاد إلا شتم الآخرين والتطاول عليهم للحصول على مكاسب أكبر وكذلك بارونات الحرب والذين يتباهون بانهيار وطنهم يتجولون بين عاصمة وأخرى لتقديم ولئاتهم وخدماتهم الرخيصة ومن سوء الحظ أن المجانين أيضا صار لهم صوت متعالي منهم من له عكوز ومنهم بدونه.
إن الأزمة الحقيقية هي غياب مبدأ المواطنة والحقوق الثابتة بالدستور والقانون والأزمة أيضا غياب دولة القانون والمؤسسات فلن تمنع سرقة موارد الدولة الفيدرالية بل سوف تزداد ولن تمنع وجود عديمي الكفاءة الفيدرالية فهي سوف تنظم المحاصصة فقط.
أما الاحتجاج بدول قد تجاوزت مراحل التأسيس ولها تاريخ في التمدن والحضارة ووجود هوية تحرص على الوطن فذلك من باب عدم إدراك من نحن وحقيقة مستوانا الحضاري المتدني والذي يحتاج ترميما بالعلم والمعرفة والتربية الحل الحقيقي هو بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مبدأ العدالة والمواطنة وضمان وجود قضاء نزيه مستقل وجيش وطني عقيدته الدفاع عن الوطن ولا علاقة له بالسياسة وفي بناء دولة لامركزية بثلاثة عشر محافظة حسب تقسيم الدوائر الانتخابية وصلاحيات كاملة في إطار الدولة الواحدة والتخطيط الشامل لاستثمار موارد الدولة مع التشديد والتمسك بمركزيتها في شؤون الأمن القومي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً