ما زال الجدل يتبع كثيرًا من تصريحات النائب الجمهوري الأميركي داريل عيسى، بالأخص حول أداء إدارة أوباما في قضية مقتل السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز ودبلوماسي أميركي آخر وعنصري مخابرات أميركية في مدينة بنغازي مساء 11 سبتمبر 2012.
وفي حفل عشاء أقيم أخيرًا في نيو هامبشاير لجمع تبرعات للحزب الجمهوري، قال عيسى إن لديه شكوكًا أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون طلبت من وزير الدفاع ليون بانيتا أن “يتمهل أو يجمّد حالة الاستنفار” أثناء معالجته أزمة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي.
يحلل هذا التصريح مقالاً أخيرًا لـ”غلين كيسلر” نشر الجمعة في مدونات صحيفة “واشنطن بوست”، واجتذب أكثر من 800 تعليق على الموقع. يفند كيسلر ذو الثلاثة عقود من الخبرة في الشأن الأميركي الداخلي والخارجي، في مقاله تصريح أو تشكيك عيسى. ويعتمد القسم الذي ينشر فيه كيسلر على تفنيد الرائج من الأفكار أو حتى الأطروحات الجديدة والأخبار المتداولة.
وعيسى (ذو الأصول اللبنانية) هو أحد مسؤولي لجنة بالكونغرس مكلفة بالتحقيق في طريقة معالجة إدارة الرئيس باراك أوباما لهجمات بنغازي.
تقارير اللجان
بحسب كيسلر فإن منصب عيسى يعطيه كل الحق في طرح الأسئلة الاستفزازية الآن. ولكن في حين أن مزاعمه تلك حول أمر “التمهل” ظلت تظهر بشكل دوري أثناء التحقيق (في هجوم بنغازي) طوال أشهر التحقيق، فإن تقارير الكونغرس الأخيرة تلقي بمزيد من الشك على ادعاءاته تلك.
يقتبس الكاتب من تقرير صدر أخيرًا عن الأعضاء الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة الأميركية: “لم يصدر أمر بالتمهل لأفراد الجيش الأميركي في طرابلس الذين سعوا للانضمام إلى القتال في بنغازي”.
كما يقتبس أيضًا من تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ (والمكونة من أعضاء بالحزبين الديمقراطي والجمهوري) والذي صدر في يناير 2014: “استعرضت اللجنة الادعاءات بأن أفراد قوات الولايات المتحدة، بما في ذلك وحدة الاستخبارات أو وزارة الدفاع، مُنعت من زيادة أو تسريع أي جهود للإغاثة أو العون العسكري أثناء الهجمات (على القنصلية الأميركية في بنغازي)، ولكن لم تجد اللجنة أيًا من هذه الادعاءات قابلة للإثبات”.
ويبدو أن عيسى يقرّ بهذا فعلاً؛ فهو لا يصف ما حدث بأنه “تراخي”، ولكنّه يعود ليستخدم هذا التعبير نفسه في سلسلة من الأسئلة “هل صدر أمر بالتمهل إلى ليون بانيتا، أم أنه فقط لم يقم بمهام وظيفته؟ هل كان هناك أمر من الرئيس الذي قال إنه أخبرهم بأن يستخدموا كل ما لديهم ولم يستخدموه؟ هذه الأسئلة يجب أن يرد عليها”.
وحاز مقال كيسلر الاهتمام؛ حيث علّق عليه كتاب، ومنهم هايز براون المحرّر في موقع “ثينك بروجريسيف” (فكر بصورة تقدمية) الإلكتروني، الذي قال إن تصريحات الرجل لم تجتذب الرأي العام الأميركي على الرغم من أنه ظلّ يردّدها خلال العام ونصف الماضيّين.
ويقول كيسلر إن عيسى يشير بوضوح إلى أن شخصًا ما (بالأخص المرشحة الرئاسية المحتملة هيلاري كلينتون أو حتى الرئيس أوباما) قد طلب من بانيتا عدم التصرف، أو على حد تعبيره “لماذا لم يكن هناك أمر واحد بتحريك إحدى وحدات وزارة الدفاع؟”
ويخلص كيسلر إلى أنه “بصراحة، سيكون من المستغرب أن يخبر وزير في الدولة وزير الدفاع عن الكيفية التي يحرك أو ينشر بها قواته”.
تحرك القوات الأميركية
يستعرض المقال الجدول الزمني الرسمي للإجراءات التي اتخذتها وزارة الدفاع الأميركية ليلة 11-12 سبتمبر 2012، والذي يبين أن الحادث بدأ في الساعة 3: 42 عصر 11 سبتمبر 2012، بتوقيت واشنطن، وأنه بحلول الساعة الخامسة مساءً كان كل من بانيتا والجنرال “مارتن ديمبسي” رئيس هيئة الأركان المشتركة، في البيت الأبيض ليتناقشا مع أوباما حول الخيارات الممكنة. كما وصلت طائرة من دون طيار فوق المنشأة (مبنى القنصلية) في بنغازي في الساعة 5.10 عصرًا، وأنه بين السادسة والثامنة مساءً عقد بانيتا سلسلة من الاجتماعات، وأعطى الإذن اللفظي لعدة إجراءات لمعالجة الأزمة.
ويظهر من التقرير أن أوباما طلب من بانيتا: “أن يفعل ما يلزم القيام به”، وأن الأخير لم يتحدث مع كلينتون في هذا اليوم.
وأضاف التقرير “شهدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في يناير 2013 أنها والجنرال ديمبسي تحدثا عن الهجوم يوم 12 سبتمبر. وقالت إنها في يوم الهجوم شاركت في مؤتمر عبر الفيديو ضم كبار المسؤولين من وزارة الدفاع”.
وحدّد بانيتا في شهادته أمام اللجنة نفسها تعليمات أوباما له بأنها “قم بكل ما عليك القيام به لتكون قادرًا على حماية مواطنينا هناك”.
ويستعرض الكاتب تفاصيل العملية وما شابها من أخطاء وتأخر وصول بعض القوات أو تحركها. وفي الوقت نفسه، يقول إنه ليس هناك أي دليل على أن كلينتون تحدثت مباشرة مع بانيتا، في محاولة واضحة لتجاوز تعليمات أوباما. “فما الذي يتحدث عنه عيسى إذن؟” يتساءل الكاتب.
وينقل كيسلر عن فريدريك هيل المتحدث باسم لجنة الرقابة بالكونغرس، أن عيسى كان يتحدث عن كلينتون وبانيتا بأنهما “الجهات الفاعلة المؤسسية” التي تعمل على “أعلى المستويات في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع”. وأنه ربما استخدم اسمي “كلينتون” و”ليون” لأنه كان من السهل للجمهور أن يفهم كونهما يمثلان “الدولة” و”وزارة الدفاع ” على التوالي.
ولكن كيسلر يستبعد هذه الفرضية، مستندًا إلى أن خطاب عيسى كان موجهًا لجمهور سياسي (حفل للجمهوريين) وأن مجرد استحضار اسم مرشح ديمقراطي محتمل للرئاسة يعني تخصيصها بالحديث.
ويقول هيل: “يسأل عيسى سؤالاً بسيطًا للغاية: هل تم عرقلة الرد أو التدخل العسكري في بنغازي أم أن القوات الأميركية لم تكن في وضع استعداد كاف أو لم تتصرف كما ينبغي؟”.
وأشار هيل إلى أن تقرير القوات المسلحة “لا يستخلص أية نتائج حول ما إذا كانت وزارة الخارجية تسعى إلى تثبيط أو الحد من أو تقييد الرد العسكري”.
وأكّد أنه “لا يمكن إنكار أنه تم إعطاء قائد العمليات الخاصة في طرابلس أمرًا بديلاً عندما كان ينوي أن يتجه بفريقه إلى بنغازي مع احتدام الهجوم”، وأضاف أنه حدث أيضًا “تأخر من وزارة الخارجية في نشر فريق البحرية الذي وصل إلى طرابلس في اليوم التالي” بسبب طلب من الحكومة الليبية لهم بخلع الزي العسكري.
ويعطي كيسلر لعيسى أربعة أسئلة يصفها بـ”أسئلة بينكيو” لاختبار مدى صدقه من كذبه. ويختتم الكاتب مقاله بأنه من الصحيح أن عيسى يطرح مجموعة من الأسئلة، لكنّه يترك انطباعًا واضحًا بأنه إما كلينتون وإما أوباما أعطى تعليمات لـ”بانيتا” بألا يستخدم كل ما لديه من مقدرات. “يمكن للمرء أن يجادل فيما إذا كانت الاستجابة بطيئة، أو فاشلة أو ضعيفة في التعامل مع الحدث. ولكن عيسى يتعدى الحدود عندما يوحي بأنه لم يكن هناك استجابة، أو أن هناك محاولة متعمدة لعرقلة الرد”، على حد قول كيسلر.
اترك تعليقاً