بكل الألم والتردد، بل وحتى الخذر في أصابعي والهذيان في تفكيري، تتحرك أصابعي على لوحة مفاتيح حاسوبي للعودة للكتابة في الشأن الليبي، بعد نشر مقالتي الأخيرة: “من فشل غزو طرابلس .. إلى برلمان عقيلة وحكومة باشاغا” بتاريخ 2 مارس 2022، المرتهن عند دول يهمها ليبيا ولا تكثرت للشعب الليبي وإرادته في العيش الكريم في ظل دولة مدنية ديمقراطية، دولة بدستور توافقي يحكمها العدل والقانون. قراءة ما يحصل في ليبيا باتت واضحة لمن يريد أن يستوعب طغيان اليرغماتية أو ما يطلق عليه الكاتب ما بعد النفعية التي تجاوزت حدود الأخلاق والمهنية الدبلوماسية المفترض أنها مبنية على المصالح المشتركة. ولمراجعة ما أدلت به السيد ستيفاني وليامز، المكلفة من الأمين العام للأمم المتحدة كمستشارة خاصة لمتابعة مسارات برلين الثلاثة: السياسية، والاقتصادية والأمنية، والعسكرية، بالإضافة إلى دعم الانتخابات، فمن إجاباتها وتصريحاتها خلال مقابلة على الـ قناة الـ بي بي سي البريطانية تستوقفنا النقاط التالية:
توافق البرلمان ومجلس الدولة:
صحيح سيكون الوصول إلى الانتخابات أكثر واقعية مع توافق مجلسي الدولة والبرلمان إلا أن ذلك مرهون بالتدخل الإيجابي في سياسة المجلسين من بعض الدول وخاصة التدخلات في خصوصية البرلمان المختزل في شخصية عقيلة صالح، مُشرعن غزو طرابلس والانقلاب على حكومة معترف بها دولياً، بل والمستجير والمستنجد بالجيش المصري في مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط بتاريخ 24/6/2020م. وفي لقائه بتاريخ 13/12/2018م مع رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين في موسكو صرح بأن ” ليبيا تهتم بالخبرات الروسية في مجال تدريب الكوادر العسكرية، ” فكانت الفاغنر مع غزو طرابلس! فهل استوعبت مصر اليوم، وأمريكا قبها، بالتخلي عن دعم مجرم الحرب حفتر، المطلوب للمثول أمام محكمة فرجينيا 25 من هذا الشهر. فهذه التدخلات لن توصل إلى توافق. التوافق الإيجابي ينطلق أولاً من مصلحة الشعب الليبي ثم بناء مصالح مشتركة مع الدول المتدخلة في الشأن الليبي.
غياب موقف بشأن الحكومة:
بالرغم من أن خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي تحدد بأن يونيو 2022م نهاية مدة سلطة الحكومة التنفيذية إلا أنه مع بداية مارس يوافق البرلمان، متجاهلاً خارطة الطريق، على حكومة جديدة برئاسة السيد فتحي باشاغا ونسمع من السيدة ويليمز “الأمم المتحدة لم تتبنى ولن تتبنى موقفاً بشأن اعتراف بحكومة أو أخرى” وتقول أيضاً “نريد أن نبقي الهدوء على الأرض”. هذه دبلوماسية متطرفة تناقض نفسها السكوت على ميلاد غير شرعي لحكومة باشاغا في ظل وجود حكومة الدبيبة التي باعتراف أممي! ولا تساعد في الهدوء على الأرض!.
إبقاء الهدوء على الأرض:
الشعب الليبي سيتفق مع قول السيدة وليامز “نعم الليبيون لا يريدون العودة للعنف” ويتفق الكاتب معها بأن الهدوء سيسمح لليبيين الجلوس مع بعضهم البعض ولكن بعد سكوت المجتمع الدولي وقبوله ترشح مجرم الحرب حفتر ومعه في القائمة المجرم سيف القذافي، السؤال: هل جلوس الجلاد مع الضحية وبنفس مستوى التفاوض أي بنفس الحقوق والواجبات مدعاة للهدوء؟! لا يمكن اقناع ضحايا العاصمة وجميع المدن المجاورة، وخاصة ترهونة، بقبول أن يكون للمجرمين، ولا نقول من وافقهم على غزو طرابلس، مكان في المسار السياسي بحجة الهدوء.
العقوبات للمعرقلين لمسار السياسي:
صدقت السيدة وليامز في تحديد من المعرقلين حين ذكرت: “من الصعب تحديد من المعرقلين في ليبيا ” وهذا يرجع لتداخل الأسباب وليس لسبب واحد فقط وعلى النحو التالي:
- بالطبع كيف سيُحدد المعرقلين وهي تعلم علم اليقين بأن معظم الساسة اليوم أغلبهم أدوات بأيدي دول أجنبية.
- غياب التوافق الدولي بشأن حل الأزمة في ليبيا يجعل من الصعوبة بمكان تحديد من المعرقلين.
- صحيح كلام السيدة ويليمز بشأن طغيان المصالح الشخصية عن مصلحة البلاد، ولكن لا ننسى بأن المحرك لدغدغة المصالح الشخصية وتهيجها دول أجنبية تستخدم بعض الشخصيات الليبية لتكون أحياناً موافقة على المسار السياسي وأحياناً رافضة له حسب استطلاعاتها وما يصلها من تقارير بشأن مُرشحيها!.
التحديات الاقتصادية والإشكاليات السياسية:
أكيد من حق المجتمع الدولي تحقيق مصالحة الاقتصادية في ليبيا بالشراكة مع الحكومات السابقة واللاحقة ولكن لو أخذنا كلام السيدة وليامز “مع احترام كامل السيادة الليبية وسلطة البلاد في اتخاذ القرار” سنشكك في ذلك! فكيف يتم وضع مرتزقة الفاغنر وجنجاويد في مستوى واحد مع الضباط والجنود الأتراك الأجانب المتواجدون على أرض ليبيا باتفاقية عسكرية دولية معتمدة عند الأمم المتحدة ؟ فهذا كيل بمكيالين وبالتأكيد التدخل الدولي يهدف بالنهاية لتحقيق مصالح اقتصادية. فحسب كلام السيدة ويليمز: “لا يمكننا تجاهل المقومات الاقتصادية للصراع في ليبيا: الشفافية والمحاسبة وإدارة الموارد النفطية لليبيا هي أمور باعتقادي قام المجتمع الدولي في السابق بإنجازات عدة فيها مع احترام كامل السيادة الليبية” ما تعلمه الشعب الليبي أن قفل مصدر قوته “النفط” لا تقرره الحكومات الليبية بل الدول المتدخلة في سياسة الشعب الليبي فوقف النفط مرهون للصراع الدولي ولا علاقة للشعب الليبي بمختلف أطيافه بسياسات النفط اللهم إلا تحريك ملفات الحقوق والتهميش لتبرير القفل وترويج أن السبب داخلي. فاليوم محاولات اقفال النفط في ليبيا دعم لروسيا وضد أوروبا بالتأكيد كلياً وجزئياً ضد أمريكا. التلاعب الدواي بالشأن الداخلي ينجح إلى حد كبير ويبرئه من التهمة لوجود بيادق بيده داخل ليبيا.
الحرب في أوكرانيا:
كلام السيدة وليامز بعد السؤال عن أثر الحرب في أوكرانيا على ليبيا اختزلته في النص التالي: “نتوقع أن ترتفع أسعار الغذاء في ليبيا بسبب اعتماد البلاد على واردات القمح من هذا الجزء من أوروبا وخصوصاً مع شهر رمضان الكريم .. سيكون هناك أثر سلبي على اقتصاد البلاد وأن نحرص على أن يتم إجراءات البلاد اللازمة لدعم إجراءات الليبيين الأكثر احتياجاً” لا نريد الخوض في مبررات روسيا لغزو أوكرانيا والتي يفسرها البعض ضرب للمختبرات الجرثومية الوبائية بها أو من يقول بأن أمريكا ترى الحرب إضعاف لقوتين منافستين لها، روسيا والاتحاد الأوروبي!.
هناك من يقول بأن هناك إيعاز لإشعال حرب كونية ينتظرها المتلهفين لظهور المسيح أو المؤمنون بخفض عدد سكان الأرض بحجة قلة الموارد الغذائية على سطح الأرض. لكن ما يخص ليبيا فإن الحرب في أوكرانيا شغِل روسيا عن تموضعها في ليبيا بعد أن سمحت لها أمريكا، في ظل حكومة ترامب، معاونة مجرم الحرب الداعشي حفتر، ومعها فرنسا وباقي الدول العربية، لغزو العاصمة، وبوجود حكومة معترف بها دولياً، لإسكات جميع الأفواه المطالبة بالحقوق والشفافية والمشاركة مع المجتمع الدولي وليس الانصياع لتعليماته الانانية.
كلمة أخيرة:
لا ندري يا سيدة وليامز هل المجتمع الدولي جاد في بناء الثقة مع الشعب الليبي المنادي بقاعدة دستورية توصله لانتخابات برلمانية أولا ثم رئاسية؟ لتكون له مشاركة اقتصادية معه وتبادل مصالح! أم سيظل المجتمع الدولي يبحث عن عميل منبطح ينفذ التعليمات؟ لقد رأينا نتيجة دعم أمريكا، وروسيا، وفرنسا، والإمارات، والسعودية، ومصر، والأردن لمجرم الحرب حفتر: الهزيمة النكراء. والسؤال الأخير لحضرتك لما تستمر محاولات المجتمع الدولي في إدخال حفتر من نافذة الانتخابات والتلاعب السياسي بعد طرده من باب العاصمة مدحورا مذموما؟ الشعب الليبي لا يملك صنع المؤامرات ولكن تظل يده ممدودة لمن يريد أن يشاركه بناء وعمار ليبيا “أربح إربح”.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً