بعد نشر تصنيف الجامعات والتعليم فى دول العالم الذى إعتبر بعض الدول العربية وعلى رأسها ليبيا وسوريا والعراق ، خارج نطاق التصنيف ومصر التى كنا نتباهى بها فى المجال العلمى والتكنولوجى أخذت ما قبل المرتبة الأخيرة ، لا شك أن هذا إنذار خطير يتطلب التوقف عنده لأن ذلك بداية لإنهيار التقدم العلمى وبالتالى تعثر مستقبل الأجيال القادمة فى هذه الدول العربية بالذات لا شك فى ذلك.
العالم … بدأ ينظر للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجى أنه جزء لا يتجرء من الأمن القومى للدول حيث يُشكل التعليم الحجر الأساسى فى بناء الدولة .. والإهتمام بالتعليم لا يعنى بناء المدارس وإنشاء الجامعات فقط فى كل مدينة وقرية بقدر ما يُخصص من ميزانيات ضخمة للتجهيز المكتامل للقاعدة التعليمية ومتابعتها وإحتضان المتفوقين والمتميزين فى المراحل التعليمية المُختلفة وعدم السماح بالتدخل فى هذه المراحل إلا لمن لديهم الدراية والخبرة العلمية والعملية … فهل تدنى التعليم الجامعى والعالى فى ليبيا ناتج عن ما تمر به الدولة من التطاحن ونهب الثروات ؟؟ حتى أصبحت ليبيا غير قادرة على الإلتزام بمسؤولياتها تجاه التعليم بمراحله المتعددة ناهيك عن قدرتها الصرف على طلابها الموفودين فى الخارج من أجل الدراسات العليا وما تأخر المنح الدراسة عليهم لمدة تتعدى أشهر إلا دليلاً على ذلك.
لا شك أننا فى عصر العلم والتفوق العلمى،، والإنفاق على الدراسات والبحوث فى المجالات العلمية المختلفة ، هى حقيقة ، المعايير التى يُقاس بها مدى تقدم الدول ، لأن العلم أصبح سلاحاً تهابه جميع الدول فالسلاح التقليدى والترسانات العسكرية لا ينظر لها بعين الإعتبار فى الألفية الثالثة ، بينما العلم والتقدم العلمى أصبح يُشكل معياراً خطيراً ويقف عنده العدو والطامع عندما تتعرض أى دولة للضغوط السياسية دولياً فلا ينظر إلا للدولة التى تمتلك الوسائل العلمية التى تجعلها تتحدث بقوة فى المحافل الدولية وهى على أرض صلبة كما تتحدث دولة إيران وكوريا وباكستان فى هذه الأيام وهى تتعرض للضغوط الدولية فلولا قوتها العلمية والبحثية التى جعلت منها قوة لا يُستهان بها .. لكانت ضحية ولقمة سهلة أمام القوة الأحادية المتفردة بكل شئ.
إن التخبط فى مجال التعليم فى فترة ماضية فى بلادنا جاء نتيجة التدخل في شؤونه ووضع شخصيات موجهة على رأس إداراته للهيمنة والسيطرة وذلك لإرضاء السلطة حتى وصل الأمر إلى إيفاد هذا أو ذاك وإبعاد من لا يكون على مزاج السلطة أو من تكلفهم بهذه الأمور الإجرائية وذلك لإعتبارات قبلية أو سياسية أو جهوية ، وما مرور قوائم الطلبة المقبولين بالجامعات كمعيدين على جهات لا علاقة لها ، لا من الناحية العلمية أو التحصيل العلمى أو السيرة الذاتية ، وللأسف هذه التصرفات غير المسؤولة أوقعت الدولة فى تلك الفترة بأن يصل غير المتفوقين أو المتميزين حسب لوائح وقوانين الجامعات الليبية التى سارت عليها منذ العهد الملكى ، إلى إدارات الجامعات كأساتذة وهو ما ينعكس على مستوى الخريجين من الطلبة.
وهنا لا بد أن ننبه إلى أن الأعداد الهائلة التى تم إيفادها بعد إنتفاضة فبراير بقرارات من جهات لا صلة لها بالتعليم وشؤونه والتى وصلت إلى أكثر من (40) ألف دارس على مستوى العالم فى المجالات العلمية المختلفة دون النظر للتحصيل العلمى بما يعرف (درحات الموفد خلال دراسته الجامعية) أن لا يتركوا دون متابعة من قبل الجهات صاحبة الشأن والقرار والمتمثلة فى التعليم العالى تحديداً وعلى أن تكون المتابعة دقيقة من خلال أساتذة الجامعات المعتمدة لدينا مثل (جامعة طرابلس وبنغازى) الجامعتان اللتان لهما تاريخ ومعتمدة فى العالم وأن تكون المتابعة من خلال الجامعات والمؤسسات العلمية التى يدرسون بها وحتى نتفادى ما حدث فى السابق وأن يتم إحتضان المتفوقين ودعمهم معنوياً ومادياً وألا يُقتصر على المنحة فقط للنوابغ والمتميزين فهؤلاء سيكونون فخراً للوطن ورفع معنوياته أمام العالم المتقدم أما من تم إيفاده وهو لا يستحق فإنه سيفشل علمياً لا محالة وسيرجع بخفى حنين .!!
إن أمننا القومى يُحتم علينا أن لا ننظر إلى الخلف وأن نسعى إلى إتخاذ قرارات حاسمة لخدمة العلم وهو خدمة لأمننا القومى ومستقبلنا ، والتقدم العلمى لا يمكن أن يخضع لإعتبارات قبلية أو إجتماعية أو حتى إعتبارات سياسية ، صحيح أننا فى حاجة إلى السكن والمستشفى والخدمات بجميع أشكالها ولكننا فى أمس الحاجة لإطلاق شعار (العلم أولاً) هنا لا بد أن نفكر كيف نبنى مدينة علمية أو قرية نموذجية تحتضن العلم والعلماء والبحث العلمى ، فالأمر ليس فيه متسع للتأخير. ولا ننسى أن دول العالم تعتبر أن أمنها القومى مرتبط إرتباطاً وثيقاً بمدى تقدمها العلمى.
هنا أقول .. أن القاعدة العلمية ترتكز على ثلاثة جوانب أساسية وهى البحث العلمى والتكنولوجيا( التقنية) ودور المجتمع فى مدى إستيعات هذه المراحل ، وحيث أننا فى زمن عصر العلم أو ما يُسمى (قطار العلم) لا توجد خيارات أمامنا إلا خيار العلم ، فإما أن نصعد القطار بسواعد الشباب المتميز والقادر على العطاء والبحث والدراسة حتى لو لم نتحصل على تذاكر بالدرجة الأولى … وإما أن نترك القطار يمر بسرعة ونحن نتفرج عليه وسيأتى اليوم الذى نتحسر فيه على ما أنعم ألله به علينا من ثروة طائلة لم نستخدمها لرفاهية شعبنا وحمايته من الطامعين أو من الذين لا زالوا يسعون للهيمنة عليه وحين ذلك ، لن ترحمنا الأجيال القادمة ولن يترحم علينا أبناؤنا وبذلك نخسر الدنيا والآخرة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً