الجزائر – ينطوي كتاب “المصالحة الجزائرية” على عصارة أفكار وتراكمات وتجارب عاشها الكاتب الجزائري نوردين خبابه، وصاغها عبر 7 فصول وأكثر من 300 صفحة.
والكتاب على صلة بالأزمة الجزائرية، ويرتبط بتجربة الكاتب الشخصية وعلاقتها بالأحداث السياسية والأمنية، دون اغفال السياق التاريخي، حيث تطرق إلى الأطماع الخارجية التي تعرضت لها الجزائر منذ سقوط الأندلس، مرورا بالتوسع العثماني والاحتلال الفرنسي إلى غاية اليوم.
والكتاب تحليل وتشخيص للأزمة ولمواطن خللها، عبر محطات تاريخية، وعبر شهادات حية وحوارات أنجزها على مدى سنوات.
ويصدر “المصالحة الجزائرية” يوم 11 ديسمبر/كانون الاول المصادف لتاريخ ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي خرج فيها الشعب الجزائري يطالب فيه بتقرير المصير.
وفي القسم الأول يطرح المؤلف سؤال: لماذا المصالحة الجزائرية؟ ليجيب في أكثر من خمسة وعشرين صفحة، عبر تشخيص عميق للأزمة الجزائرية التي ابتدأت قبل الثورة.
ويشرح الكاتب بإسهاب انطلاق الجمهورية على أساس خاطئ، عن طريق الانقلابات والصراعات والتصفيات الجسدية، التي قادت البلاد الى حالة من الفوضى والهمجية.
واعتبر نور الدين خبابة ان أي أساس يبنى على الخطأ يقودنا حتما إلى أخطاء متراكمة تؤدي إلى حالة الانسداد ومن ثم الانفجار، وهذا ما حصل في الجزائر، بحيث كانت الزعامة والمشيخة، والعمل الفردي، والنرجسية النظرة الظرفية والتكتلات المبنية على الولاء والتصفيات والإقصاء والتهميش والاستبداد المنطلق الخاطئ لبناء الجمهورية الجزائرية، مع ما يحفظ من انجازات لكل من ساهم في بناء الجزائر.
ويطرح في نفس الوقت البديل الحضاري لبناء دولة جزائرية عصرية تحقق حُلم الشهداء وتنهي عصر الارتجال والتسيير العشوائي.
وفي الفصل الثاني يعرض الكاتب بيان 1954 الذي يعتبر كمنطلق لكل المشاريع الوطنية في الجزائر، مرورا بعقد سانت جيديو بروما سنة 1995، بوصفه خارطة طريق يمكن الاستفادة منها، سيّما وأن اللقاء جمع التيارات السياسية الفاعلة في البلاد، التي فازت بأول انتخابات تعدّدية سنة 1991.
ويتضمن الكتاب وثيقة تاريخية بخط يد الشيخ محمد السعيد، الرئيس المؤقت للجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي اغتيل سنة 1995، والتي تجيب عن ألغاز كثيرة كانت مطروحة.
كما يتطرق الكتاب إلى قانون السلم سنة 2005 الذي خفف من فاتورة المأساة لكنه لم يعالجها.
وفي القسم الثالث مقتطفات من حوار، يتحدث عن ثقافة الاستئصال والاقصاء المتجذرة عند الحاكم العربي، وتفاصيل حظر حركة الوفاء والعدل التي كان يتزعمها وزير الخارجية الاسبق أحمد طالب الابراهيمي والمرشح لرئاسيات 1999، كون أن مؤلف الكتاب كان أحد مؤسسي الحركة وداعما لمشروعه الذي كان شعاره: المصالحة، والجزائر للجميع.
وفي القسم الرابع، شهادات مثيرة حول الأزمة الجزائرية ابتداء من الانقلاب، حيث يشرح أمين عام حزب سياسي بوصفه شاهدا، كيف عرض وزير الدفاع السابق خالد نزار الرئاسة على آيت أحمد في مكتبه وكيف رفضها.
ويعرض الكتاب شهادة نقيب في القوات الخاصة بالجيش الجزائري، حول علامات إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وشهادة ابن الرئيس محمد بوضياف حول اغتيال والده.
ويستعرض الكاتب تحقيقا حول تفجير عملية مطار هواري بومدين، من خلال شهادات حية أثبتت براءة المتهمين الذين أعدموا ظلما، وكشفت عن المنفذ الحقيقي الذي تدرب في أفغانستان.
ويقدم بيان تهديد بالتصفية لرئيس حزب سياسي، تطرح من خلاله علامات استفهام؟ سيما وأنها تحمل طابع الجيش الاسلامي للانقاذ، الذي لم يكن متواجدا في العاصمة؟.
ويبرز الكتاب شهادات حية حول مجزرة سجن سركاجي التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، اضافة الى مجزرة سجن البرواقية التي راح ضحيتها أكثر من 50 شخص، وفرار أكثر من 1200 سجين بسجن تازولت.
في الفصل الخامس يتحدث المؤلف، عن ضرورة فتح قناة المصالحة، ويبرز دورها في صناعة الرأي والوعي العام، وتعبئة الشارع، ويشرح بالتفصيل خيارات التغيير، والخيار الأمثل للحالة الجزائرية، بعد التجارب المريرة التي عاشها الشعب.
وينقل الكتاب انطباعات رؤساء بعض الحكومات، ورؤساء الأحزاب حول المشروع، بعد اللقاءات التي أجريت معهم جماعات وفرادى، ويطرح أرضية للنقاش قبل موعد مؤتمر وميثاق الجزائر.
وفي الفصل السادس، يعطي تصورا حول الجمهورية الجزائرية الجديدة والحوار الوطني، وفتح ورشات حول الإصلاح في كل القطاعات وضرورة إجراء محاكمة عادلة “بعد بناء دولة المؤسسات” وصولا إلى عفو شامل بشروط وضمانات، وتدوين المأساة الجزائرية وتدريسها للناشئة.
وفي الفصل السابع والأخير، يتحدث الكتاب عما سمي “الربيع العربي” الذي انتقده في بدايته وتوقع حدوثه، وأكد اختراقه.
ويطمح المؤلف أن يلقى هذا المشروع الدعم للبدء في مصالحة جزائرية، مرورا بمصالحة مغاربية، فمصالحة عربية إسلامية، وصولا الى مصالحة أممية، ينعم فيها العالم بالأمن والسلام.
اترك تعليقاً