العادة عندنا تقول إننا نتغير حسب المواقف والآراء والأفكار لكي نقترب ويرضى عنا صاحب الجاه أو السلطان لأن العادة عندنا فوق العبادة فالتغيير ما يريده صاحب السلطة والتغيير عندنا هو ما يوافق هوانا فحين نكون في جماعة نناقش موضوعا على سبيل المثال ويكون من بين الجلوس شخصا مرموقا ذو مكانة عالية أو صاحب منصب كبير في الدولة فإن سير النقاش سيتغير وفق توجهات المسؤول ويبدأ الجميع حين يعرفون توجهه بتحويل النقاش من نقاش إلى توجيه وتمجيد رأي المسؤول فهو الوحيد الذي يفهم ورأيه سديد أما البقية من الحاضرين فهم أقل فهما وتفكيرا منه، هكذا نحن تربينا تربية ذل وخنوع فيالها من تربية ؟؟؟
التغيير عادة ما يمر بمراحل هي: الاستعداد للتغيير أولا والتغيير الفكري والتغيير القلبي ثم يتحول التغيير إلى سلوكا وممارسة يومية. لا شك أن التغيير يبدأ بالاستعداد له وقبوله وتأتي هذه المرحلة من خلال الاطلاع على مختلف العلوم خاصة ما يتعلق منها بالجوانب النفسية والاجتماعية للإنسان إلى العلوم الأخرى التي تمس حياة الفرد فإذا ما اتسعت مدارك الفرد من خلال هذه المطالعات ساهمت في نمو فكره والارتقاء به مع سعة في المدارك تلمس وتستقر في القلب وتسكن في النفس لتأثر فيها فتنعكس بعد ذلك على سلوك الفرد وتصرفاته في حياته اليومية. فهل التغيير في الإنسان يتم بهذه السهولة؟ وهل التغيير في المجتمع سهل وممكن؟
إن التغيير يحتاج إلى جهد وعمل وصبر على المكاره التي قد تواجه المتغير من قبل الناس وقد تكون من قبل المجتمع عامة فعامة الناس يرفضون التغيير ويميلون إلى الاستقرار حتى على حساب القيم والتقدم والازدهار هذا ما يريده أغلبية الناس لا يريدون التضحية ولو بالقليل ويريدون النعيم السهل الدائم دون عناء ومشقة وهذا لن يتأتّى أبدا فمن أراد العزة والعلى تعب وقدم وضحّى من أجلهما يقول الإمام الشافعي رحمه الله: بقدر الكد تكتسب المعالى ** ومن طلب العلا سهر الليالي.. ومن رام العلا من غير كد ** أضاع العمر في طلب المعالى. ويقول صلى الله عليه وسلم: “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ” فتغيير النفس والإنسان إلى الأفضل يمر عبر المكاره من اقتحام الحواجز والقيود التي قد يضعها المجتمع من أعراف وعادات وغيرها وتغييرها والانتقال بها لمراحل أفضل لتكون جاهزة لنقل المجتمع بأسره إلى مرحلة متقدمة مزدهرة يتمناها الجميع ولكن يسعى لها ويحمل عبئها القليل من الناس وهؤلاء هم من يقودوا المجتمعات والدول إلى مراحل النمو والازدهار.
الإنسان في مجتمعاتنا العربية ينتظر التغيير إلى الأفضل ويتمناه قبل الغد ولكنه لا يقوم بشيء نحوه وينتظر الحكومة أو الرئيس أو الملك ليصدر قرارا بالتغيير في السياسة أو الاقتصاد أو النواحي الاجتماعية؟! إن التغيير بقرار من الرئيس أو المسؤول غالبا لا يأتي بالنتائج المرجوة منه والتي صدر من أجلها حتى وإن كان في صالح الناس ما لم يكن مرتكزا على المواطن نفسه فالمواطن هو محور التغيير ومركزه فإذا لم يغير المواطن نفسه فكريا وسلوكيا لن ينجح التغيير، فمن الذي سينفّذ قرار التغيير الذي أصدره الرئيس على سبيل المثال أليسوا أفرادا من المجتمع باختلاف مناصبهم ورتبهم فإذا لم يتغير هؤلاء فكريا وعمليا سينعكس ذلك سلبا على تطبيق القرار ولن يحقق التغيير مبتغاه ولن ينفذوا القرار بالصورة السليمة.
الله جل جلاله يدعونا أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولا والقيام بدورنا وواجباتنا على أكمل وجه ولا ننتظر “كما هو حالنا” ونطلب تغيير مجتمعاتنا ودولنا من غيرنا، قال تعالى: “إنّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد الآية 11)، يجب أن نعي أن التغيير عادة ما يكون مصاحبا بالألم والصعوبات خاصة لمّا يتعلق الأمر بتغيير مجتمعات أو دول، كما يجب علينا أن نبتعد عن التعصب لأن المتعصب لا يمكنه التغير والتغيير، فنفسك هي رحبك الذي تدور وتعمل فيه ما تشاء فإن نجحت في تغييرها فأنت على غيرها أقدر.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً