سلط تقرير لموقع مجلة “ناشيونال أنترست” تحت عنوان “حان الوقت لأن يختار الغرب طرفاً في ليبيا”، الضوء على الوضع في ليبيا وعلاقة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بالأزمة هناك في ظل التغيرات التي تطرأ على المجتمع الدولي، في ظل التداخلات العالمية بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.
وذكر التقرير أنه “حان الوقت الآن لواشنطن وباريس وروما للخروج من السياج وممارسة الضغط بشكل جماعي على رئيس الوزراء المؤقت عبد الدبيبة للذهاب”.
ولفت التقرير إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا أخيرًا حوّلت مصير ليبيا الفوضوية إلى سؤال حاسم للولايات المتحدة وحليفتيها فرنسا وإيطاليا، إذا تصرفت واشنطن وباريس وروما بشكل حاسم، فيمكنهم تحقيق الاستقرار في ليبيا مع تشديد الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن التردد قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في ليبيا، لصالح موسكو.
وجاء في التقرير: “مع استمرار منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في الامتناع عن ضخ المزيد من النفط ، تظل ليبيا معفاة من سقف الإنتاج والمبيعات الذي تفرضه المنظمة، ويمكن للبلاد بسهولة مضاعفة إنتاجها إلى مليوني برميل – أو، مع بعض التحديث، حتى ثلاثة ملايين – برميل يوميًا، وفقًا لرئيس مؤسسة النفط الوطنية الليبية، مصطفى صنع الله، إن تحقيق هذه الأرقام المثيرة للإعجاب من شأنه أن يخفف من صدمة النفط التاريخية التي توقعت أوبك أن تكون ناجمة عن خسارة روسية محتملة بسبعة ملايين برميل يوميًا ناجمة عن العقوبات”.
ونوه التقرير إلى أن الاضطرابات المستمرة- لسوء الحظ- تُهدد إنتاج النفط الليبي، في العاصمة طرابلس، ابتليت مؤسسة النفط الوطنية بسوء الإدارة المالية، على الرغم من الإيرادات القياسية، فإن المؤسسة الوطنية للنفط عليها ديون متزايدة، مما يجعلها تفتقر إلى الأموال المخصصة للرواتب والصيانة والمعدات الجديدة، وأصبح الإغلاق الفوري للآبار من قبل المجموعات المسلحة الساخطين في غرب البلاد، تحت إشراف طرابلس، أمرًا شائعًا”.
وتابع التقرير:” يُهدد الجمود السياسي وفي الوقت نفسه، مع برقة، المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في ليبيا، الجزء الأكبر من إنتاج النفط في وقت تؤدي فيه محدودية العرض العالمي وارتفاع الأسعار إلى إبقاء الاقتصاد الروسي واقفاً على قدميه”.
وشدد التقرير على أن ظهور رئيس وزراء محتمل، وهو فتحي باشاغا، يوفر لليبيا أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل ثماني سنوات، تتمثل المهمة الحاسمة للولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا في منح باشاغا فرصة للحكم من خلال إنقاذ آخر عملية سلام دولية بقيادة الأمم المتحدة”.
وأوضح أن إحدى العقبات الرئيسية تقف في الطريق هي رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، يرفض الاستقالة، وهو ما التزم بفعله عندما قبل زمام الأمور المؤقتة قبل عام واحد، في انتهاك صارخ آخر لشروط السلطة، وقدم رئيس الوزراء اسمه كمرشح للرئاسة، مما ساعد على إفشال الانتخابات التي طال انتظارها والمقرر إجراؤها في ديسمبر الماضي”.
ويُضيف التقرير أن مجلس النواب، أقر اقتراعاً بحجب الثقة عن الدبيبة في سبتمبر 2021، وفي الشهر الماضي، صوت مجلس النواب على استبدال الدبيبة بباشاغا، ولكن فقط بعد تنسيق الخطوة مع المنافس، والمجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، كان هذا المثال النادر للتنسيق السياسي بين الشرق والغرب بحد ذاته اختراقًا في ليبيا المستقطبة بشدة.
كما نوه التقرير إلى أن باشاغا نجح في جذب الدعم من خليفة حفتر، وغضباً من رفض الدبيبة التنحي، انسحب الممثلين العسكريين الخمسة لقوات حفتر من المحادثات الأمنية في اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وهذا أكثر من مجرد إجراء شكلي.
ويُشير التقرير إلى أن ممثلي شرق ليبيا طالبوا بإغلاق الطرق والمطارات التي تربط شرق وغرب البلاد، الأوصياء بحكم الأمر الواقع لحقول النفط والغاز الليبية في برقة وفزان، وهدد الممثلون أيضًا بوقف الإنتاج حتى يتنازل الدبيبة عن منصبه إلى باشاغا، وبعد نداء من السفير ريتشارد نورلاند، الولايات المتحدة المبعوث الخاص لليبيا، تراجع حفتر في البداية عن التهديد، وبعد أربعة أيام، في 14 أبريل، أغلقت القوات في الشرق والجنوب جزئياً حقول ومحطات النفط، وهي خطوة أثارها الخلاف حول عائدات النفط المهمة لليبيا.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط حولت 8 مليارات دولار من الأموال المجمدة إلى حسابات وزارة المالية التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة في مصرف ليبيا المركزي، وكان مجلس النواب طالب بتجميد مثل هذه التحويلات حتى تنحي الدبيبة، وفقاً للتقرير.
ونوه التقرير إلى أن الإغلاق الكامل للآبار الشرقية والجنوبية قد يُؤدي إلى رد فعل قسري، مما يؤدي إلى إعادة إشعال الصراع وتعميق الانقسامات، والتي من المحتمل أن تصل إلى نقطة الانهيار، وستكون روسيا هي الفائز الواضح.
كما يُشير التقرير إلى أنه في الفترة القصيرة التي قضاها في منصبه، أدى الدبيبة إلى تفاقم حالة ليبيا القاتمة، ووفقاً لمعارضيه، فقد أساء رئيس الوزراء المؤقت استخدام الأموال العامة للتشبث بالسلطة، مع تصاعد مشاكل السيولة، وتكافح الحكومة للوفاء بوعود الدبيبة، والتي تضمنت زيادة الرواتب والمكافآت لمجموعة من الفئات المهنية، ومن بين مخصصات الأطفال والأسرة التي وعدت الدبيبة بتقديمها في بداية شهر رمضان، وهي ستة أشهر، لم يتم دفع سوى جزء منها.
وأفاد التقرير، بأن الأزمة المالية هي نتيجة سنوات من الفساد المستشري، والتلاعب بالعملة (من خلال إساءة الاستخدام الصارخ لخطابات الاعتماد)، والإسراف (إساءة استخدام نموذجية لاقتصاد ريعي)، والصراع، وتكلفة الحفاظ على “الأمن” في رأس المال من خلال – في كثير من الأحيان- المجموعات المسلحة المتناحرة، وإن “إنجاز” الدبيبة هو أنه دفع الاقتصاد الليبي إلى الهاوية”.
وبحسب منتقديه في الشرق، استمر الدبيبة في حرمان برقة من الأموال لموظفيها العموميين والجيش، على الرغم من الاتفاقات السابقة، مع منح أموال للمجموعات المسلحة لتأمين موقعها في العاصمة، وتم التحقيق مع عائلة الدبيبة بتهمة ارتكاب جرائم مالية في المملكة المتحدة وكندا واختلاس مليارات الدولارات من معاملات تعود إلى عهد القذافي، فالدبيبة متهم شخصيًا بالفساد والمحسوبية، حيث زُعم أنه وجه ملايين الدولارات إلى شركات وأفراد مرتبطين بعائلته، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أن المخاطر تكثر في منطقة طرابلس الكبرى، حيث تُرك الأمن في المقام الأول للمجموعات المسلحة، وتشتبك المجموعات والعصابات المتناحرة عدة مرات في الأسبوع، وتُشكل جرائم الشوارع وعمليات السطو والاختطاف خطراً يومياً على سكان طرابلس والمدن الكبرى الأخرى في جميع أنحاء ليبيا، ويعتبر الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والأسلحة والسلع الاستهلاكية ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
وتابع التقرير:” غض الدبيبة الطرف عن الوضع الأمني في البداية، حيث لم يكن لديه قاعدة قوته العسكرية لتحدي المجموعات المسلحة القوية الآن، يحتاج إلى قوات المجموعات المسلحة لردع منافسه، رئيس الوزراء المكلف باشاغا، عن العودة إلى طرابلس”.
وبيّن التقرير أن ظهور شخصية مثل باشاغا – بدعم من جميع أنحاء البلاد – يمثل أفضل أمل لليبيا منذ سنوات، على عكس الدبيبة، واكتسب باشاغا سمعة طيبة أثناء توليه منصبه، كقائد مقتدر وسياسي ماهر، قاد النقيب السابق في سلاح الجو وزارة الداخلية ، حيث ساعد في توجيه دفاع طرابلس ضد هجوم حفتر على العاصمة قبل عامين، مع قاعدة سلطته في مصراتة ونجاحه في صد غزو خليفة حفتر لطرابلس، ولا يمكن افتراض أن باشاغا قد تعرض للترهيب أو التلاعب من قِبل حفتر بالطريقة التي يتواجد بها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في الشرق.
وأكد التقرير، أن باشاغا في وضع جيد مثل أي شخصية في ليبيا للتنقل في الخطوات الحاسمة مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، والتي يمكن أن تقود البلاد في النهاية إلى الانتخابات الوطنية، وهناك حاجة إلى رقم توافقي قوي لضمان إجراء الاقتراع بنزاهة واحترام النتائج من قِبل جميع الأطراف، بما في ذلك الإسلاميون والموالون للقذافي وحفتر.
واستطرد التقرير:” لكن الدبيبة، خصم باشاغا، رجل الأعمال الماكر، يحتفظ باثنين من الأصول القوية: المجموعات المسلحة ومصرف ليبيا المركزي، وأنشأ عدد من مجموعات طرابلس الكبرى– التي يمولها الدبيبة – قوة جامعة، وهي “قوة دعم الدستور والانتخابات”، والتي خاطرت بمواجهة عنيفة بمنع باشاغا من دخول طرابلس في 10 مارس، وطالما أن البنك المركزي يوفر لحكومة الدبيبة إمكانية الوصول إلى الأموال الرسمية، فلا يمكن لباشاغا أن يحكم، واقترح المبعوث الأمريكي الخاص نورلاند وجود رقابة دولية على عائدات النفط الليبية، بموجب هذا النظام، سيتم فقط تحويل الأموال المخصصة لتغطية الرواتب والإعانات والواردات الغذائية والبنى التحتية الرئيسية إلى البنك المركزي، وفقط تحت إشراف دولي، وستبقى الإيرادات الأخرى مجمدة في المصرف الليبي الخارجي، وتحدث المفتي الصادق الغرياني وأنصار الدبيبة الآخرين على الفور وبقسوة ضد الولايات المتحدة”.
يُشار إلى أن ناشيونال إنترست (إنجليزية:The National Interest) هي مجلة أميركية نصف شهرية عن الشؤون الخارجية صادرة عن مركز نيكسون، وتأسست عام 1985 على يد إيرفن كريستول وتعكس بدرجة كبيرة أراء ومواقف اتجاهات من داخل حركة المحافظين الجدد، وفي 2005، قام بعض أعضاء هيئة التحرير بقيادة فرانسيس فوكوياما بانشاء مجلة أميركان إنترست احتجاجاً على التغييرات المفروضة على سياسة التحرير من مركز نيكسون، ناشر المجلة منذ 1998.
اترك تعليقاً