يصادف تاريخ 5 جويلية/ تموز 2018، ذكرى استقلال الجزائر وتحريرها من المستعمِر الفرنسي بعد احتلال دام ما يقرب من ثلاثة عشر عقدًا من الزمن، ذلك الاستقلال الذي كتب بدماء وتضحيات شعب الجزائر وبجهود الحكومات والشعوب التي وقفت معه. ولعل الأمم الأفريقية تولت جانبًا من الكفاح الجزائري ومساندته. ويلخص هذا مقولة لزعيم ثورة جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا: “الجزائر كانت وستبقى قلعة الثوار والأحرار، والسند القوي لكل الشعوب المناضلة من أجل العدالة والحرية، ومواقفها الأصيلة ترجمتها إلى عطاء ودعم وإسهام مباشر في تحرير القارة الأفريقية، إن عطاء ثورة الجزائر وجبهة التحرير الجزائرية كان عظيماً وقوياً وفاعلاً، وستظل كل الشعوب الأفريقية تذكر باعتزاز للجزائر دورها الرائد في تحريرها من الاستعمار، وتثمن جهودها في توحيد وتضامن القارة وشعوبها، والنهوض بالتنمية والاقتصاد فيها”.
وعندما انتقلت حرب التحرير الجزائرية، كانت معظم البلدان الأفريقية تحت الاستعمار، وكان واضحًا أن الاستعمار لن يتنازل عن مناطق كثيرة منها: أنغولا، جنوب أفريقيا، وناميبيا، واعتبرت جبهة التحرير الوطني باستمرار بأن عملها التحرري جزء مكمل، وله تأثير متبادل من أجل تحرير أفريقيا ككل.
وقد وجدت حركات الاستقلال والتحرر الأفريقية في الثورة الجزائرية نموذجاً ليس فقط في إخراج استعمار تقليدي، بل كذلك نموذجاً لمواجهة الاستعمار الاستيطاني وخاصة في أنغولا، الموزمبيق، زمبابوي. وكانت دافعاً قوياً لحركات الاستقلال لعدم المساومة مع المستعمر مثل ما حدث في غينيا والكونغو وغانا ومالي، وأما عن التأييد الأفريقي للثورة الجزائرية. وكانت لبعض الدول الأفريقية مواقف متشددة ضد الاستعمار الفرنسي، ومساندة بدون تحفظ للقضية الجزائرية ولحرب التحرير الجزائرية:
1 ـ موقف غينيا:
كان لدى غينيا قيادة وطنية برئاسة أحمد سيكوتوري، الذي عرف بمواقفه الثابتة ضد الاستعمار وهيمنة القوى الرأسمالية ليس فقط على غينيا، بل على أفريقيا والعالم ككل. وكان سيكوتوري أحد القادة البارزين والقياديين المناوئين للاستعمار، والمطالبين باستقلال وتحرير الشعوب دون قيد أو شرط، ومناصراً لكل الوسائل التي تضمن ذلك بما فيها العمل المسلح حين قال:
.. فنحن مصممون تصميماً راسخاً على تقديم مساعدتنا غير المشروطة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من أجل استقرار السلم في الجزائر، حسب الشروط والضمانات التي حددتها الحكومة الجزائرية… ونحن نعلم بصفة واضحة أن موقف الحكومة الفرنسية نحو الرغبات الشرعية للشعب الجزائري؛ سيحدد بشكل أقوى وأوضح موقف الشعب الغيني وحكومته من الحكومة الفرنسية.
ولم يتوقف الرئيس أحمد سيكوتوري في تأييده المطلق للثورة الجزائرية على العلاقات الثنائية بين البلدين الجزائر وغينيا، بل حمّل كل دولة أو حكومة مسؤولية إجرامية في حالة التردد أو التحفظ من مساندة الثورة الجزائرية:
إن كل حكومة لا تهتم بقضية الشعب الجزائري في استقلاله إنما تشارك الاستعمار في جرائمه، وإن أية حكومة تعلن أنها غير مسؤولة إزاء القضية الجزائرية؛ فإنما تتحمل بموقفها هذا مسؤولية تأييد الاستعمار ومناصرة الظلم والعدوان.
2 ـ موقف الكونغو:
اتخذ السيد لومومبا أثناء إدارته للحكومة الكونغولية مواقف هادفة وقوية بجانب حرب التحرير الجزائرية والأفريقية بصفة عامة، ولو على حساب وجوده على رأس الحكومة الكونغولية، وذلك ما تضمنته مثلاً تأكيدات السيد لومومبا إلى السيد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة أثناء لقائه بهذا الأخير «13 أوت 1960م»:
إن المشكل الجزائري بالنسبة لنا هو مشكل القارة الأفريقية بأكملها، إن أفريقيا لا تحمل أي حقد للرجل الأبيض، وإنما تطالب بحقها في الكرامة والحرية مثل جميع بلدان العالم.
إنه لا وجود لجزائر فرنسية في نظرنا، وإنما هناك جزائر وكفى، وهذه الجزائر توجد في القارة الأفريقية.
على الغرب اليوم أن يختار: أما أن يقبل بتحرير أفريقيا بأكملها ويعيش معها في ظل الصداقة، وإما أن يرفض صداقة أفريقيا.
3 ـ موقف غانا:
الرئيس الغاني كوام نكرومة أكد دورياً انسجام مواقف حكومته مع الشعب الغاني، مبرزاً قناعته وتأكيده من حتمية الانتصار الجزائري على فرنسا، في خطابه أمام الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أكتوبر 1960م، وكرر الرئيس نكرومة وأكد موقف بلاده والمتمثل في: “إن فرنسا لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً، والطريق الوحيد للخروج بفرنسا من هذا المأزق هو طريق التفاوض”.
4 ـ موقف مالي:
كانت مالي حكومة وشعباً بقيادة موديبو كابتا داعمة للتحرر الجزائري، وكانت ممراً هاماً لعبور الأسلحة عبر الجنوب الجزائري لتدعيم حرب التحرير الجزائرية، وكانت تنظم مظاهرات شعبية خاصة في المناسبات الوطنية للثورة الجزائرية، منددة بالاستعمار الفرنسي، مؤكدة تضامن الشعب المالي مع معركة تحرير الشعب الجزائري.
وقال مندوب مالي في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر 1960م: إن حرب الجزائر وحدها كانت سبباً كافياً لحمل الدول الأفريقية على قطع علاقاتها مع فرنسا، إذ أن فرنسا تقود في الجزائر حرباً إبادية.
وبالنسبة إلى مالي لم يكن هدف ونموذج الثورة الجزائرية فقط لتحرير الجزائر، بل لتحرير أفريقيا ككل لأن تضحيات الوطنين الجزائريين بعد تضحيات الوطنين في فيتنام؛ هي السبب في تطور الموجة التحريرية، التي تعدّ جميع الدول الأفريقية مدينة لها بالاستقلال. وساندت حكومة مالي كل مطالب الحكومة الجزائرية المؤقتة في مفاوضات إيفيان، ذلك ما أكده الرئيس موديبو كابتا نفسه في رسالة موجهة إلى السيد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة.
ومهما كان مستوى حجم المساندة للثورة الجزائرية من بعض الدول الأفريقية؛ فإنها لا تخفي التأييد الأفريقي الجماهيري الواسع على مستوى البلدان الأفريقية، سواء التي كانت مستقلة، أو التي كانت آنذاك ما زالت تحت الاستعمار.
وشعبيًا، كان الجميع في تضامن مطلق مع الثورة الجزائرية، ومساندة مستمرة على مستوى التنظيمات والتجمعات غير الحكومية إقليمياً ودولياً. كما كان بالمقابل لممثلي جبهة التحرر الوطني والحكومة المؤقتة تنسيق وتضامن دائم مع قوى وحركات التحرر الأفريقية في المحافل الدولية، من أجل مناصرة استقلال وتحرير كل الأراضي المستعمرة في أفريقيا خارجيًا.
إذًا، ساندت حكومات وشعوب أفريقيا، وقد ذكرنا بعضها، وعلى قدر استطاعتها كفاح الجزائر، وبادرت للوقوف معه. ويمكن القول: هنا مغزى نضال الشعوب، وكيف تتوطد العلاقات الإنسانية، أيّ؛ من خلال الكفاح والمطالب المشروعة العامة والحوار السياسي البناء، وكانت الجزائر أيقونة هذا النهج في ستينات القرن العشرين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً