لم تكن هناك لا تجربة سياسية ولا حتى ثقافة سياسية تؤهل المجتمع للتفكير في مسار الأحداث وكان المجتمع ينتظر الأحداث حتى تقع ثم يتم تقييمها بشكل عفوي وسطحي وربما من يصنع القناعات كان هو الإعلام والشائعات ولذلك كانت التقييمات والتقديرات للأحداث وكذلك لمن هم في المشهد خاطئة وبناءا على معطيات غير دقيقة وتبين بعد حين أننا صدقنا الكثير من قصص النضال الكاذبة والزائفة وأننا تعاطفنا مع البعض من السجناء وفي غير محل التعاطف وأن مظاهر البعض من القادمين لنا من أصقاع الدنيا كانت كاذبة فقد كانوا من المتسكعين في شوارع الرذيلة والفساد وأن ثقافتهم ضحلة لدرجة الصدمة، وآخرون كانوا لصوصا ليس إلا ولا ينزعج البعض من الشرفاء والذين غادروا بسرعة المشهد أو لم يشاركوا فيه وهم جدا قليل فاللصوص الذين نقصدهم منهم وزراء نعرفهم جيدا ولعل الصحة والكهرباء كمثال عانت منهم وتسببوا في كوارث ثم هربوا وبقيت لنا آثار فسادهم.
فبراير لا يجب أن ينزعج منها أحد فهي أوضحت ونشرت المخزون الإستراتيجي لنا من الرذيلة والفساد والانحطاط المتراكم في عقولنا.
فبراير فضحت أولئك الذين كانوا يتصايحون بين يدي قائدهم فوق جثث ذبحت بلا قانون “سير ولا تهتم نصفوهم بالدم” “ياقايد نحن حراسك” فضحت الملايين التي كان يهذي بها القائد الملهم وعندما جاءت ساعة المواجهة والحقيقة هرب الجمل بما حمل وسرق الرهبان والراهبات ما يستطيعون وهربوا بعد أن أحرقوا أناجيلهم وأسفارهم واختفت حتى صفة الرجولة لديهم وختمت المسرحية بالقذافي وحيدا مع ابن وحيد فقط وبغض النظر عن تقييم النظام السابق وماله وما عليه ولكن من خذلوه في لحظات الشدة هم المستفيدون منه وتبين أن القذافي لو احتضن كلابا لماتت معه وفاءا له.
ونورتنا فبراير عن منظومة القبائل وما تحمله من كراهية وعنصرية ضد التمدن وضد دولة المؤسسات والقانون والمواطنة واستعدادها الدائم لأي دور يحفظ للشيخ دبل كابينة ومناصرة الصيع من أبناء قبيلته ولو كانوا مليشيات ولو كانوا لصوصا لا يعرفون خلقا ولا قيما يتقاسمون غنائم السلب علنا دون حياء وضاعت أمام عقولهم المليئة بالرذيلة كل قيم التعايش والنسب والأخوة، ورجعوا بنا إلى ثقافة جاء بها أجدادهم من بني عبس وبني كلاب وبني غطفان هناك في جزيرة العرب.
ولقد طال انعدام القيم والانحطاط أيضا أولئك الذين تستروا بالدين وكنا نظنهم أولياء الله بل هم حاولوا أن يرسموا لنا الصورة وأن من أراد الله فليتبعنا يحببه الله وتعاطف الجميع معهم وصوت الناس لهم ثم تبين أنهم أسوء من بني قريضة والقينقاع والنضير في سلوكهم وأنهم في معظمهم هم بين لصوص باسم الرب وبين مرضى نفسيين يعتقدون أنهم هم من يتحدثون باسم الرب دون سواهم وأن من أغضبهم أغضب الرب، وجاءت حكومة المؤتمر ليستلموا السفارات ووزارات الفلوس والعقود مثل الأسكان والكهرباء والنفط ويتركوا لمن يتهمونهم بالعلمانية وزارت الأوقاف والثقافة والإعلام والتعليم وهي الأدوات الحقيقية لإصلاح المجتمع ولكنها وزارات فقيرة فلا حاجة للإسلاميين بها.
وهم الذين خبرهم القطريون في السرقة فالإسلامي x استلم من القطريين اثنا عشر مليون دولار لدعم الثورة استثمرها بالكامل في إسطنبول، والمجموعة Y استلمت خمسة وستون مليون دولار لإنشاء قناة تمثل الريادة الإعلامية وسرقت أيضا من آية الله Z واشترى بها مع عصابته عشرات العقارات، أما الفارس أحد قادة الكتائب القبلية فقد استلم ستة عشر مليون دولار مرتبات لأسماء مزيفة ولا زال يستضيفك في مقاهي إسطنبول ليحدثك مليا وطويلا عن شرع الله وعن الحاكمية والولاء والبراء وضرورة صيام الاثنين والخميس ويسهب معك ناصحا عن صلاة الضحى ومآثرها وإيمانه بالمفتي وعلمه.
أظهرت فبراير أننا لا نمتلك من الوطنية إلا أغاني وأشعار وصارت بلادنا مرتعا لدول يحكمها رعاة متخلفين وبعملاء منا يتسابقون على العمالة وبيع الوطن.
أظهرت فبراير أن دمائنا أرخص من رصاصة لا تساوي دولار وأنه لا حرمة لدمائنا أو لبيوتنا وأن كل ما كنا نتفاخر به بنيان غير مرصوص انهار في جرف هار.
وختاما فمن تحدثنا عنهم تلبسوا بالنضال أو بالإسلام وهم بعيدين عنهما ولكنهم بكلمة واحدة مجرمين ليس إلا وإن خدعونا وضحكوا علينا فالثورة ليست لهم وإنما للبسطاء الذين افتقدوا حقوقا خرجوا لأجلها ليس إلا فلقد كانت فبراير ضوءا أنار ظلاما كنا نتحدث فيه ولا يرى بعضنا البعض ولكننا اليوم وقد فضح الضوء والنور سرائرنا واتضح من نحن وأننا لابد أن نجلس بهدوء وبلا مكابرة لكي نجد الحلول بعد أن أدركنا من نحن وفي أي درك من الانحطاط والسفالة وصلنا فلا قيم دينية تهدينا ولا قيم إنسانية حقيقية تردعنا فلقد صدمنا في أنفسنا فأجيالنا تحمل جهل مدقع وحقد وكراهية عجيبة غريبة.
كم يعتصرني الألم وأنا أصف من نحن ولكن هناك استثناءات من الشرفاء الأنقياء الذين حاولوا أن يصلحوا مسارنا فلهم الأسف ربما كان سياق الكلام عاما ولكن وجودهم يدركه العقل وإن كانت لآصواتهم غائبة فهم تاج مرصع بالجواهر ولكن لللآسف لا مكان لهم حتى يأذن الله.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً