في أعراف الدول القائمة أن إعلان الحرب قرار سياسي تقوم بالإعلان عنه القيادة العليا للدولة ممثلة في البرلمان أو رئيس الدولة وتقوم بتنفيذه الحكومة بشتى أجهزتها وكل في مجاله، فالدفاع بأركاناتها واستخباراتها تمتلك ميادين المعارك وخبايا المعلومات، والداخلية تقوم بالدعم الداخلي للمجهود الحربي، والخارجية والإعلام تقوم بخوض الحرب الدبلوماسية والسياسية لشرح القضية أمام الهيئات الدولية وزيادة الدعم الخارجي من أجل مواكبة الانتصارات في المعارك، والصحة تسخر إمكانياتها لتخفيف الضرر، وحتى الكهرباء والمواصلات لها دور في دحر العدو وكبح جماحه.
هذه البانوراما المنسجمة مع تحقيق الأهداف بسهولة ويسر غير متوفرة في حالة حكومة الوفاق الليبية بل أن الكثير من القرارات تتحرك عكس المجهود الحربي الذي يخوض غماره ثلة من الشباب أثبت ثباتا رائعا لمدة سنة كاملة في مقارعة العدو.
هذه السمفونية المتسقة والتي تتبعها الحكومات الرشيدة تجلب النصر بسهولة وتقنع العدو قبل الصديق بعدالة القضية، بل يحتار الغازي في طريقة الولوج إلى الصفوف المتراصة فيندحر.
ولكن كل ذلك لم يحدث، وكان قرار الحرب والتصدي للغازي والصمود في المعارك، من فئة قليلة من الشباب المؤمنين بالحرية والرافضين لحكم العسكر، وكان معهم ضباط عسكريين أحرار لم تلوث عقولهم بالأوامر المستديمة السيئة السمعة طيلة أربعة عقود من التدجين والتدجيل العسكري، فخاضوا المعارك وامتلكوا الأجواء فكبدو العدو خسائر فادحة فاقت ثلاثة عشرة ألف قتيل على أبواب طرابلس، في ظروف ينقصها أبسط مقومات المعركة وهو التموين والذخيرة.
بعد عام من الصمود ضد دول مستبدة وحكومات مارقة ومرتزقة جائعين وأعراب بدو متخلفين وروس كفرة، علم جميعهم أن صمود الأشبال بدعم تركي وحيد أصبح عقبة بل حسرة يتلاشى معها حلم تنصيب عملاء الداخل، وبدوره استحالة اجترار منظومة حكم عسكرية جديدة وانتفاء المكاسب المرتقبة من أرض اللبن والعسل، وذهبت تلك الدول إلى سيناريوهات بديلة (Plan B) والتي مفادها الدعوة لإيقاف النار من الكرامة والجامعة العربية من أجل العودة إلى برنامج 5+5 أملين في كسب الوقت، ووضع قوات عسكرية أوروبية ضمن عملية قرصنة عسكرية لاعتراض أي شحنات أسلحة قد تصل إلى ذلكم الأشبال، وتم اختيار لها اسم يوناني إريني (Irini) بمعنى السلام وهو ليس بسلام بقدر من امتعاض اليونان وقبرص وفرنسا وإيطاليا من الدعم التركي للقضية الليبية.
ورغم دعم العملية بوسائل رصد متطورة جواً وبحراً إلا أنها صممت للقرصنة البحرية لأي سفن تحاول مساعدة حكومة الوفاق بالأسلحة للدفاع عن موطنيها، بالمقابل تتدفق الأسلحة والذخائر والمرتزقة من منفذ سيدى البراني عبر الحدود المصرية إلى الرجمة وجواً من الإمارات، وبحرا عبر المياه الليبية المصرية المحايدة للجرف القاري، ولن يعترضها أحد.
هذه الحرب لا علاقة للسياسيين ولا للنواب بها، لم يكن لمجلس الدولة دور ولا لمجلس النواب، لا على المستوى السياسي ولا الدبلوماسي، وبالتأكيد كان الرئاسي أكثر سؤاً في تعامله مع القضية، بل اكتفى جلهم بالرواتب المرفه والمزايا الهليودية لخمسة سنوات خلت ومستمره تنخر في ميزانيات دولة على شفاء الإفلاس، دون عناء ولا جهد ولا موقف مشرف.\
فهل هؤلاء يستشارون لإيقاف الحرب؟
لم يتحدث السياسيون عن تسييل أكثر من خمسة وأربعين مليار دينار للمنطقة الشرقية، 80% منها خصص لشراء الأسلحة والذخائر لقتل الليبيين إضافة إلى ما نهب من المصارف، ولم يتحدثوا عن دفع الرواتب لجنود وموظفي المعتدي، وحتى حفتر نفسه والناظوري وزبانيته والمرتزقة الجنجويد يتلقون مرتباتهم من المصرف المركزي، لم يعترض أحداً منهم على انتهاك السيادة الوطنية ببناء قواعد إماراتية مثل قاعدة الخادم، ولا شك أننا نصفق كثيراً عند احتراق تلك الأسلحة الثمينة وصهاريج الوقود والطائرات المسيرة والحربية وقتل من فيها لأنها أداة دمار عطلت الحياة لتكثل سكاني يتجاوز ثلاثة ملايين، إنها حرب عبثية من جانب واحد.
لا شك أن هذه الحرب لها رأي عام كبير يدعمها ويتفاعل معها في الغرب الليبي ولها قوات عسكرية وقوات مساندة تخوض غمارها، فهذه النخبة التي حرضت على رد العدوان هي التي أعلنت الحرب أول مرة، وهي التي ستعلن عن إيقافها، وبين هذه وتلك هم الذين ألحوا على دعمها ومؤازرتها وتوفير الإمكانيات لها، ويحاولون جر الأيدي المرتعشة بالسلاسل إلى النصر، وبالتأكيد لن تتوقف إلا برفع مشاعل النصر وسقوط الطاغوت إلى غير رجعة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً