لقد صعقت شخصيا فعلا من زيارة عباس كامل إلى الرجمة قبل أيام، والتي بلغني أنها جاءت لتقديم شفاعة مصرية لإنقاذ رأس عقيلة، من مخطط يعتزم الإطاحة به من رئاسة البرلمان، عبر إجراء انتخابات جديدة على هذه الرئاسة، وبحيث لن تطال هذه المرة نائبيه فقط كما جرى بحالات طارئة أو استثنائية سابقة، بل ستطاله هو شخصيا، وخص نص.
والحقيقة أنه لم تصعقني الشفاعة المصرية لعقيلة، حيث يبدو أنه ومن خلال ما أظهرته مصر من حرص كبير من خلال الزيارة أن عقيلة يمثل شيئا لا يقدر بثمن لديها، بل إن ما يصعقني (ويظهر الأهمية الاستثنائية لعقيلة لدى المصريين) هو ترك رئيس المخابرات المصرية، لكل الأهوال التي تحيط بمصر هذه الأيام، وحقيقة غزوها غزوا بزيارات متلاحقة من كل قادة المخابرات والأمن الدوليين والإقليميين، وغرق جهاز مخابراتها على مدار الـ24 ساعة، بدراسة وتحليل آلاف الوثائق ومتابعة المئات من الأفكار والسيناريوات للتوفيق بين الأطراف المتباعدة، لبلوغ اتفاق يوقف وبأسرع الآجال الجنون الصهيوني المتورط منذ أكثر من 10 أشهر بارتكاب أبشع جرائم الإبادة الجماعية الدائرة في غزة، إلى جانب وقد يكون هذا الأهم للقاهرة إنقاذ المنطقة من اشتعال حرب إقليمية ضارية ستكون مصر من بين أكثر الخاسرين والمتضررين منها، صحيح أن ترك عباس كامل لكل هذه الأهوال وراء ظهره وزيارته للرحمة على (ملا وشه) على لسان شعبه، لأجل إنقاذ عقيلة من مصير هو ملاقيه لا محالة، إنما يعكس الأهمية الاستثنائية غير المسبوقة لعقيلة صالح لدى القاهرة، ودونا عن كل الليبيين، إلا أنني لم اتصور أبدا أن تبلغ طبيعة هذه العلاقة، حد قيام عقيلة بتحويل الانتقام لمصر من الدبيبة، جراء طرد هذا الأخير لعدد من الديبلوماسيين المصريين من طرابلس، إلى انقلاب يقلب به نظام الحكم القائم والمُصنّع والمدعوم أجنبيا رأساً على عقب، بينما البلاد تمر بقلب ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية غاية في التعقيد والفوضى والتخبط والتردي الشديد، والتحضير لتوريطها بصراعات أجنبية مسلحة على ترابها هي غاية في الخطورة والتهديد لاستقلال واستقرار ومستقبل شعبها، وذلك لمجرد رغبة عقيلة بإرضاء القاهرة وإشفاء غليلها من الدبيبة!.
ولأن إجراءات عقيلة ليست إلا إجراءات باطلة وسخيفة، على مظهرها الذي يبدو وكأنها الثورة الفرنسية أو البلشفية بيوم انبعاثها، وقد أضحى فيها الدبيبة وكأنه الملك لويس السادس عشر، أو قيصر روسيا نيكولا الثاني!!، ولأنني اعتقد بأن عقيلة قد زايد فعلا بهذه الإجراءات، حتى على ما يمكن أن تكون القاهرة قد طلبته منه فعلا لردع الدبيبة (وهي التى لم تصدر أي بيان يؤيد انقلاب عقيلة الذي أقامه لأجل الانتقام لها)، وذلك لاستحالة طلب هذه الأخيرة (بحسب تقديري) لمثل هذه الإجراءات، لعلمها سلفا بأنها ستغضب واشنطن وما يسمى بالمجتمع الدولي منها، فلقد اقتضى الأمر، وحتى يتحصن الناس من الضلال المتصل بهذا الانقلاب الأرعن، والذي هو في الحقيقة (وهو ما يعظم من شدة سخفه) انقلاب على مجلس الأمن الدولي، وعلى النفوذ الأمريكي والبريطاني وبعثة الوصاية الأجنبية في ليبيا، وليس انقلابا على الدبيبة، فقد وجب توضيح ما يلي:
إذا كانت للبرلمان أهمية تذكر بالنسبة لوضع الدبيبة، لكانت حكومته قد غادرت طريق السكة، منذ أن نزع عقيلة ثقته وشرعيته عنها، لا سيما وأن ثقة البرلمان وشرعيته لم تكن قد منحت للدبيبة والمنفي أصلا، بل لوزراء الحكومة فقط، حيث أن عصبة الأربعة كان قد اختارها برلمان ستيفاني وليامز العرفي الموازي، والذي كان برلمان عقيلة ممثلا فيه، بل إن هذا الأخير لم يصدر عنه أي اعتراض على برلمان وليامز (حين أعلنت وليامز عنه) رغم أن هذا البرلمان العرفي الموازي كان يحط من قدر وشرعية برلمان عقيلة ويصفه ضمنيا بالفشل وبكونه طرف صراع غير موثوق فيه.
كما أن مجلس عقيلة نفسه الذي انتهت شرعيته الشعبية منذ سنوات، لا يستمر حتى ساعتنا هذه، إلا بموجب (الشرعية الأجنبية) وحدها، والتي مُنحت لمجلسه بكلا من الصخيرات وبرلين!.
حيث إنه لم يعد لا لعقيلة ولا لمن معه، منذ الصخيرات وحتى اليوم، إلا الشرعية الأجنبية!.
وبهذا فإن حكومة الدبيبة، هي من حال عقيلة تماما، حيث أضحى مجلس الأمن الدولي، هو السيد الوحيد لكليهما، ظاهرا، وواشنطن ولندن هما سيدتيهما باطنا!.
وعليه فإنه لا يمكن لخادم للشرعية الأجنبية مثل عقيلة، أن يطرد خادما مثله، دون إذن سيدهما،أو سيدتيهما!.
كما أن منصب القائد الأعلى للجيش، لا يكون إلا لرئيس سلطة تنفيذية بكل دولة محترمة تحترم شعبها!.
ما يعني أن القائد الأعلى للجيش لا يكون إلا رئيس الدولة في النظام الرئاسي!! أو رئيس الحكومة في النظام البرلماني!.
ولبيان الأمر أكثر، فإن جو بايدن، هو القائد الأعلى للجيش في أمريكا، وليس مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، لأن النظام الأمريكي رئاسي، وكذلك الحال في فرنسا وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل!.
كما أن (النتن ياهو)، الذي بات عقيلة يشبه (بخنسه ومراوغاته) هو القائد الأعلى للجيش الصهيوني، وليس أمير أوحانا، رئيس الكنيست الصهيوني، لأن النظام الصهيوني نظام برلماني، وهكذا هو الحال في ألمانيا وإيطاليا والهند!.
إن اغتصاب عقيلة الذي جرى اليوم لمركز القائد الأعلى للجيش، (والذي سلبه اغتصابا من أسامة حمّاد صاحب هذا الاختصاص الأصيل) وفقا للنظام البرلماني القائم في شرق البلاد (ولو شكليا)، هو عار يماثل تماما عار الجمع بين الأختين!.
وحتى (نكتبولكم) أنت ومن معك يا عقيلة، بقعر نخلة علكم تفهمون:
فإن الجيش (أي جيش) هو إدارة تنفيذية عامة، تحاسب أمام البرلمان بصورة مباشرة، عبر استدعاء وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو ضابطا من كبار قادتها كلما كانت هناك حاجة للمساءلة!.
أو تحاسب بصورة غير مباشرة، عبر استدعاء الرئيس أو رئيس الحكومة، واللذين يقعان بموقع القائد الأعلى للجيش كلا بنمط نظامه، لمساءلتهما على السياسات الدفاعية والعسكرية!.
ومن هنا فإنه لا يمكن للبرلمان أن يكون القاضي والجلاد بذات الوقت يا عقيلة صالح ومن معك!.
حيث كيف يمكن لبرلمان أن يساءل ويحاسب قادة الجيش، بينما (رئيس البرلمان)، هو نفسه القائد الأعلى للجيش؟!.
حين يحصل هذا يا برلمان عقيلة، فإن أخطر ما تتجنبه الدول التي بها برلمانات محترمة، واقع لا محالة، وهو ما يسمى بتعارض أو تضارب المصالح الصارخ!.
كما أن استنادك إلى الإعلان الدستوري يا عقيلة كما ذكرت بحيثيات تبريرك لانقلابك اليوم على نظامكم المستورد والعاجز في ليبيا، هو باطل ومحض هراء لسببين:
الأول: هو لأنك أنت ومن معك من حولتم الإعلان الدستوري، إلى ورق مراحيض، يوم قبلتم ووقعتم على اتفاقي الصخيرات وبرلين، وأصبح ما جاء فيهما من أدبيات تخص سلطاتكم لا تعود إلا لشرعية أجنبية خالصة، وهي الأدبيات والشرعية التي باتت مقدمة على شرعية إعلانك الدستوري يا عقيلة!.
بينما هذان الاتفاقان، لا يعطيانك، لا حق عزل حكومة الدبيبة، التي لم تأت بها أنت أصلا لتعزلها!.
ولا هما يعطيانك حق تنصيب نفسك قائداً أعلى للجيش، لأنهما قد قاما بتحديد من هو القائد الأعلى للجيش وانتهى الأمر.
ولو كنت سبع حقاني يا عقيلة أنت ومن معاك، لما كنتم ذهبتم لركوب ظهر الحمار القصير في مسار انتقامكم للقاهرة!.
بل لكنتم صوتم على إلغاء اتفاقي الصخيرات وبرلين، وعدتم بنا إلى ما قبل الصخيرات، ولكنك تعرف النتيجة جيدا لو أنك ومن معك تجرأتم على واشنطن ولندن!.
ولكنتم أكملتم تحديكم، الذي كنا سنصفق له جميعا، وأعلنتم عن تاريخ محدد لإجراء انتخابات عامة بالتعاون مع قادة البلديات، ومن خلال مفوضية جديدة ينشئها مجلسكم، بحال قرر عماد السايح تحدي إرادتكم!! واعتبار كل بلدية ترفض الامتثال لإجراء الانتخابات هي بلدية معلقة وخارج التمثيل البرلماني، إلى حين إشعار آخر!.
ولكنك يا عقيلة، عودتنا دايما على أنك تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، وذلك بحسب المنفعة والمصلحة!.
حيث إنك تعلم أن إلغاءك لاتفاقي الصخيرات وبرلين، سيجعلك أنت نفسك ملغيا!! وإن العالم قد يرد عليك بإعلان دخول ليبيا إلى تهديد الفراغ السياسي، ويقوم بتنصيب سلطة عرفية مؤقتة أو انتقالية، على نمط حكومتي التشلبي في العراق، وكارازاي في أفغانستان، وعندها ستجد نفسك أنت ومن معك في الشارع، وخلفكم القانون والملايين من الناس للقصاص منكم!.
وأخيراً:
أنت يا عقيلة تعرف تماما أن الإخوان، هم الذين صنعوا الإعلان الدستوري!.
وأنهم هم الذين ضمنوه أن يكون رئيس السلطة التشريعية هو نفسه القائد الأعلى للجيش، في أغرب وأشنع حالة وأكثرها بطلانا، وتماثلا تام مع الجمع بين الأختين في الزواج!.
وهو ما يدفعني لأن أتحداك أنت ومن معك أن تذكروا لنا مثيلا واحدا لعاركم هذا في العالم؟!.
ولأنك ربما كنت لا تعرف يا عقيلة لماذا فعل الإخوان هذا، دعني أوضح لك الأمر، لتكون شاهدا على صنيعك هذا يوم القيامة:
لقد فعلوا هذا، لأنهم كانوا يعرفون تماما من خلال حسن تنظيمهم وامتدادهم العابر للحدود، بأنهم هم الذين سيسيطرون على المؤتمر الوطني العام وهذا ما وقع فعلا بأمعانهم ترهيبا وترغيبا بكتلة حزب التحالف والمستقلين!.
ولقد فعلوا هذا لأنهم كانوا يعرفون بأنهم سيضطرون لتوسيع نفوذهم من خلال إبرام علاقات انتهازية مع أشخاص ليسوا منهم.
وإن هذه الانتهازية قد تبلغ حد تنصيبهم لرئيس حكومة ليس منهم، وهو ما حدث فعلا، وذلك باعتبار أن هذا الاتجاه مهم لإظهار أنفسهم بمظهر الحريصين على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم!.
ولكنهم انتبهوا مبكرا إلى أن هذا الشريك لا بد وأن يكون منزوع الدسم!.
وإن نزع دسمه لا يكون إلا بنزع الجيش منه وإبقاءه تحت أيديهم لسببين!.
أولا: لأنهم كانوا يحتاجون بتضور إلى إتمام تفكيك الجيش (الذي كانوا يطلقون عليه جيش معمر طاعة لأدبيات المخابرات الأمريكية والبريطانية مع أن الجيش تأسس في 1940)، واتخاذهم بدعم إنجلوسكسوني كامل لقرار استبدال الجيش بالمليشيات الراهنة.
وثانيا: لمنع رئيس الحكومة بحال لم يكن منهم من إعادة جمع الجيش أو توجيهه ضدهم، أو أن يتدخل ليمنعهم من تفكيكه وتدميره!.
ولأنك يا عقيلة ينطبق عليك دائما صفة (الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه)، فها أنت تأتينا اليوم لتحاججنا، بقاعدة باطلة وجدت بإعلان دستوري مشبوه ولأسباب قذارة، لتبرر بها احتلالك، لمنصب تريد فعلا أن تكون فيه حاملا لخزي المتزوج من أختين!.
بل إنك لم تخجل حتى من إعلان زواجك منهما للناس!.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً