يخوض الملك عبدالله الثاني في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي احرق الطيار الاردني الاسير حيا، اصعب اختباراته منذ اعتلاء عرشه قبل 16 عاما من خلال المشاركة في حرب ضد التنظيم في منطقة تعصف بها الازمات.
ويذكر هذا الموقف بتحديات كثيرة نجح والده الراحل الملك حسين بن طلال الذي توفي في 7 شباط/فبراير 1999، على مدار عقود في تجاوزها بفضل ما عرف عنه من حنكة ودهاء سياسي.
واظهر الملك عبدالله، الذي اتم قبل ايام عامه الـ53 والذي تولى سلطاته بعد وفاة والده، حزما شديدا في الرد على اعلان تنظيم الدولة الاسلامية الثلاثاء حرق الطيار معاذ الكساسبة حيا.
وأعدمت عمان فجر اليوم التالي الانتحارية العراقية ساجدة الريشاوي التي شاركت في تفجيرات عمان عام 2005 والتي كان التنظيم طالب بإطلاق سراحها، والعراقي زياد الكربولي المنتمي للقاعدة والذي نفذ اعتداءات على مصالح اردنية في العراق.
ويقول المحلل السياسي محمد ابو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، انه “ليس هناك اختلاف جوهري وجذري في التعامل مع الازمات التاريخية الكبرى عما كان الوضع عليه في فترة حكم الملك حسين”.
واضاف ان “الملك عبدالله شديد الواقعية في التعامل مع الازمات”.
ويتمتع الملك، الذي تخوض بلده الان حربا مع تنظيم الدولة الاسلامية بخبرات عسكرية متنوعة اكتسبها من تدريباته في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا، كما حافظ سياسيا طيلة فترة حكمه على موقع الاردن كحليف اساسي لواشنطن في المنطقة.
وتشارك عمان منذ ايلول/سبتمبر 2014 في ضربات جوية يشنها حلف دولي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي يحتل مناطق شاسعة من العراق وسوريا.
وحرص عبدالله الثاني على الحفاظ على علاقة قوية مع العشائر الاردنية التي شكلت دائما دعامة للنظام في مملكة نحو نصف عدد سكانها من أصول فلسطينية.
ولم يتردد عاهل الاردن لدى بث التنظيم شريط فيديو الثلاثاء، يظهر فيه اعدام الطيار معاذ الكساسبة الذي أسره في 24 كانون الاول/ديسمبر بقطع زيارته الى واشنطن.
وخرج مباشرة على التلفزيون الرسمي في كلمة واسى بها الاردنيين وتوعد “برد قاس”، مؤكدا ان دم الطيار “لن يضيع هدرا” قبل ان يعود الى عمان ويجتمع بقيادة الجيش.
وأغارت عشرات المقاتلات الاردنية الخميس على مواقع التنظيم انتقاما لمقتل الطيار، وحلقت لدى عودتها في سماء الكرك (120 كم جنوب عمان) والتي كان الملك فيها يقدم العزاء لذويي الطيار.
واكد الجيش ان “هذه هي البداية” في حين اسمى العملية باسم “الشهيد معاذ” ما كان له اثر كبير في نفوس الاردنيين الذين فرحوا بمشاهدة طائراتهم على التلفزيون الرسمي تقلع وتقصف مواقع التنظيم.
ويقول روبرت دانين الخبير في دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي بواشنطن، ان “الملك قرر وتصرف بسرعة بداية بإعدام جهاديين اثنين ثم تكثيف ضرباته العسكرية ضد التنظيم الارهابي”.
واضاف أن “هذا التصرف كان مهما جدا لأنه يشير بوضوح الى ان التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية حقيقي وغير مقبول”.
واكد ان “الملك يرى بوضوح ان تنظيم الدولة الاسلامية يشكل خطرا على ممكلته وعلى الامن الإقليمي”.
واشار دانين الى ان واشنطن ترى الاردن “نموذجا للاستقرار والاعتدال وسط منطقة مضطربة”.
ويبدو ان الاردن استطاع، حتى الآن على الأقل، تفادي تداعيات ما حدث في بلدان مجاورة في اقليم مشتعل نتيجة ما عرف بالربيع العربي، الا ان الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية ليست سهلة.
ويرى نديم شحادة، مدير مركز فارس للدراسات الشرق اوسطية ومقره بميدفورد في الولايات المتحدة، انه “لا يجب الاستخفاف بالخطر الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية على الاردن والسعودية”.
واضاف لفرانس برس ان “محاربة داعش عملية تحتاج توازنا حساسا وقد يكون لها عواقب وخيمة فالتنظيم يتحداهما على ارضهما ولذلك يشكل تهديدا كبيرا جدا لهما”.
واوضح ان “السبب يكمن في ان الطرفان (السعودية والاردن من جهة وداعش في المقابل) يهددان شرعية كل منهما ولا يمكن ان يتعايشا، بل يريد احدهما ان يلغي الاخر”.
ونجح عاهل الاردن في احتواء غضب الشارع الاردني لسنوات اثناء ما عرف بالربيع العربي وايضا تجاه مشاركة بلده في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية.
ويرى المحلل محمد ابو رمان ان ذلك يعود لكون “النظام الاردني ليس له تاريخ دموي ولا طائفي ولم يواجه ازمات داخليه عنيفة”.
واضاف ان “هذا خدم الملك عبدالله واستطاع التعامل مع حركة الشارع والتغيرات الاقليمية بقدر من التوازنات السياسية التي لم تخرج عن السياق التقليدي لمعادلة الحكم”.
وللملك عبدالله اربعة ابناء، هم ولي عهده حسين وهاشم وايمان وسلمى، من زوجته الملكة رانيا (44 عاما) التي تتمتع بشعبية كبيرة في الخارج وتم اختيارها من بين الشخصيات الاكثر تأثيرا في العالم.
قدمت ملكة الاردن الخميس العزاء لذويي الطيار الكساسبة، وشاركت الجمعة في تظاهرة ضمت اكثر من 10 آلاف اردني للتنديد باعدامه على ايدي تنظيم الدولة الاسلامية.
اترك تعليقاً