الهجوم البري وهو أحد الصفحات الحربية المُرّتقبة، في مسار أحداث غزة العسكرية، التي اقتحمت وفرضت حضورها في التداول اليومي من حياة الناس كفعل حربي استثنائي، وصارت تتناولها الألسن والجرائد والمجلات والإذاعات المتلفزة وغيرها، ما بين مُرجح لحدوث الهجوم، وآخر يذهب إلى غير ذلك، والبعض من هذا الأخير لم يقف عند هذا الحد عندما رفع صوته مُحذراً من فتح صفحت الهجوم البري، وقد عرض تحذيره في ثلاث مقالات متتالية على صفحات جريدة أمريكية شهيرة، كما قالت إحدى الفضائيات التي تجوب سماء الله الواسعة.
واستند تحذير هذا الكاتب على حجم الأضرار الذي سيلحقه هذا الهجوم في ارتداداته السلبية على الجانب الاقتصادي والسياسي للإسرائيلي وحليفه في الغرب الأطلسي مع الآخر الفلسطيني وحليفه الداعم له في سعّيه الدؤوب وحراكه المشروع المدعوم بالقرارات الأممية نحو بعث وإنشاء دولته فوق الأرض وتحت الشمس على مساحة فلسطين الجغرافية ما قبل 1967م.
غير أن ما جاء في ما خطة الكاتب فريدمان في تجاهل ظاهر لسبب آخر لا يقل أهمية عن ما تناولته تحذيراته التي جاءت – في تقديري – لتُرسخ في ذهن قادة جيش الصهاينة، أو لتحّفزهم على فتح السبيل لبديل آخر، عندما أشار وقال في مقالاته ما معناه بأن أضرار الهجوم ستكون باهظة أكثر بكثير من المقبول.
ويرجع تجاهل الكاتب وإغماض عينه عن ذكر السبب الآخر الذي قد يكون له الآثر الأكبر في إلغاء الهجوم البري والذي اعتقد بأنه لم يغيب عن فهْم الكاتب عندما حاول تخطيه إلى تبني سبب وحيد واعتمده المبرر الأساسي للابتعاد والإحجام عن القيام بالهجوم البري، ربما يرجع إلى أن الخطاب كان موجها إلى أحد أطراف الصراع، دون الخندق الآخر.
فالهجوم المباغت على غزة قد ألحق بصدمته الصاعقة أضرارا بالغة بالبنية النفسية لمؤسسة الجيش الصهيوني الذي عملت واشتغلت أجهزة دولته على ترسيخ فكرة أنه جيش لا يقهر، واجتهدت على تجديرها في فضاء شرق وجنوب المتوسط على امتداد عقود طويلة من الزمان.
هذا الشرخ المعنوي الذى طال كيان المؤسسة العسكرية الصهيونية، يعرف المختصون فيها جيدا، بأنه شرخ يصعب التئامه على المدى القريب والمتوسط، إذ يحتاج ذلك لجهد ووقت كافيين، وهذا ليس في المتناول ولا في المستطاع، وهو بذلك مثّل أحد العوائق التي تقول باستبعاد إصدار الأمر بفتح صفحة الهجوم على غزة في الوقت الراهن، لأن من يدخل إلى حرب متكأ فيها على عسكر يعاني شرخ معنوي في بنيته النفسية، فهو حينها متجه بجيشه لا محالة نحو حصد هزيمة ثقيلة، فالجيوش المنكسرة نفسيا تحتاج إلى إعادة تأهيل، قد يكون من الصعوبة بمكان إجراءها والوصول بها إلى نتائج تذكر في زمننا الحاضر، كما كانت متاحة في زمن مضى عندما تمكن – وعلى سبيل المثال – الجيش المصري من تخطي نكسة حرب 67م وما ألحقته هذه بصدمتها الصاعقة من ضرر واسع بالبنية النفسية للجيش المصري، أحتاج فيها الجيش إلى جهد ووقت كافيين لتخطي مرحلة ما بعد الصدمة، والتي أنجزها وتخطاها من خلال إعادة تأهيل تمثّلت – في تقديري – وتجسّدت في الحرب التي عُرفت بحرب الاستنزاف، سواء جاء ذلك عن قصد أو غير قصد، فقد اجتاز بها الجيش مسافة الوقت والجهد الكافيين لإعادة تأهيل نفسه لاجتياز مرحلة ما بعد الصدمة.
ومما يزيد من صعوبة تخطي هذا الشرخ المعنوي لدى الصهاينة سهولة استدعاء مشاهد من مُسبباته صوت وصورة إلى الحاضر، من خلال ما يوفره العصر بتقنياته الحديثة ثلاثية الأبعاد ليكون وبسهولة مفردة في اليومي، والحاضر من حياة المكوّن البشري بالمؤسسة العسكرية الصهيونية وجبهته الداخلية بطبيعتها المركّبة، وبهذا سيكون من الشبه المستحيل احتواءه، من خلال ما نشاهده من نشاط محموم يقوم به وزير الحرب الصهيوني مع رئيس أركانه ورئيس وزراءه في لقاءاتهم مع عسكرهم في محاولة منهم للملمة الشظايا المتناثرة للروح المعنوية لجيشهم المكسور، حتى وإن جاء كل هذا بإسناد ودعم وتعزيز لجهدهم باستنفار حليفهم الإنجلوسكسوني، وحضوره في حاملات الطائرات الأمريكية وبوارج البحرية الملكية البريطانية داخل مياه شرق حوض المتوسط، ولكن وبعد المُتابعة لوقائع أحداث الهجوم الصاعق استطيع القول دونما أن اتخطى المقبل، بأن هذا الشرخ المعنوي يصعب مداواته والتئامه، إلى الحد الذي قد تحتاج فيها إلى ملامسة المستحيل.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً