قال أحد المحللين السياسيين في احدى القنوات التلفزيونية في اليومين الماضيين أن المخاوف التي يبديها البعض من انعقاد الملتقى الوطني الجامع غير مبررة.
أثارت هذه العبارة امتعاضاً من العديد من النخب السياسية، وأعتقدُ أن السيد المحلل السياسي خانه التعبير لأنه خالف تحليلات سابقة له لا تصب في هذا الاتجاه لأن المبررات التي يسوقها المتخوفون من مخرجات الملتقى المقترح عديدة ومتشعبة لعل من أهمها الغموض الذي يشوبها من حيث جدول الأعمال ونوعيات الحضور ومعايير اختيارهم وما بني على غموض كامل قد يفاجؤنا بمشاكل يصعب حلها.
فنحن نتحدث عن ملتقى نريده أن يضم شمل الليبيين ولا نتمنى أن يكون مؤتمرا يعمق خلافاتهم ويجر البلد الى متاهات أخرى من الصراعات والخلافات.
نحن ننظر للموضوع بجدية كاملة لكونه اما أن يكون ملتقى يؤسس لدولة صحصحة وعصرية التي قامت من أجلها ثورة فبراير أو أن يعيدنا هذا الملتقى الى ما قبل فبراير لتعود ليبيا مزرعة لحاكم متسلط يوزع المناصب على مؤيديه ويعبث بثروات ليبيا في مغامرات خارج الحدود ويلجم الشعب الليبي مرة أخرى.
المخاوف عديدة وخوفنا الأكبر الذي لا يختلف عليه اثنان هو سلامة الوطن وانتقاله الى مرحلة ممارسة الديمقراطية ليكون للمواطن الليبي دولة بمعنى دولة مثل بقية دول العالم دولة ديمقراطية بمؤسسات دستورية صحيحة تتداول فيها السلطة سلميا عن طريق صناديق الاقتراع وليس بحكم صناديق الذخيرة والتضليل الاعلامي.
شاهدنا هذا (الفيلم الهندي) طيلة أربع عقود ونيف تحملنا (دراه الكبد) والاعلام المضلل والكذب والتدليس على مدى الأربع وعشرين ساعة طيلة تلك العقود بأن الرجل لا يحكم وقد سلم السلطة للشعب . وأنه لم يعد هناك جيشا لأن كل الشعب أصبح مجيشا وأن النعيم الذي يرفل فيه الشعب الليبي لا مثيل له في هذا العالم. وأن المواطن الليبي أسعد انسان في هذا الوجود لأنه يتمتع بالحرية كاملة.
هذا المشهد لا نريده أن يتكرر على الاطلاق وخوفنا المبرر يأتي من علمنا وادراكنا أن هناك دولا بعينها تتدخل تدخلا سافرا ووقحا في شأننا وتعرقل بناء الدولة السليمة لأنها تريدها دولة ضعيفة يأتمر أصحاب القرار والنقوذ فيها بأوامرهم بمعنى استعمار جديد بطرق جديدة وتأتي الضربة من دول شقيقة ولم تعد بالنسبة لنا الا دول شقية.
بعثة الأمم المتحدة تعلم كل التفاصيل بل ودقائق التفاصيل ربما أكثر مما نعلم نحن ومع ذلك فهي تغطي عين الشمس بالغربال وتدّعي أمامنا بأنها تسعى للم شمل الليبيين وتحقيق تسوية سياسية منصفة للجميع بارادة ليبية!!
هذا التعبير بالذات أعتبره غامضا فهي في الحقيقة وما تعمل عليه هو أنه ليس بالامكان تحقيق التسوية السياسية الا بارضاء المتنازعين على السلطة بحكم الأمر الواقع ولذلك ينبغي أن يكونوا جزء من التسوية وأساسها عن طريق منحهم مناصب في الدولة.
نحن نرى أن من أربك المشهد وخلق تعقيداته لا يمكن أن يكون طرفا في الحل لأنه لا يملك الحلول التي تؤسس لدولة صحيحة بمفهوم عصري وانما هو يريد الحكم ويريد الاستحواذ على أموال الشعب ولذلك فاننا نرى ضرورة ايجاد حل يبعدهم عن المشهد باعادة الأمانة الى الشعب الليبي صاحب الحق الشرعي في تشكيل المشهد واختيار من يتكلم باسمه إن أصابوا الاختيار تحقق الهدف وان أخطأ الشعب فليتحمل مسؤولية خطئه ويعمل على تصحيحه.
الديمقراطية لا تبنى بين يوم وليلة وليست هي قص ولزق وانما هي ممارسة طويلة وشاقة وتحتاج لأكثر من دورة انتخابية حتى يكتشف الناس ويتعلموا أين مكمن الأخطاء هكذا بنيت الديمقراطية في دول العالم المتقدم وسلخت من عمرهم مئات السنين.
عندما تتبنى بعثة الأمم المتحدة تفاهمات في غرفة مغلقة بين ثلاثتهم (السراج وحفتر وسلامة) وفي عاصمة دولة من أشد وأشرس المتدخلين في الشان الليبي دون توضيح ما حدث نفهم من ذلك أن الشعب الليبي لا قيمة له وليست البعثة الأممية في حاجة للانتباه الى رأيه ويؤيدها في ذلك خمسة عشر دولة أوروبية وأمين عام جامعة دول عربية واتحاد أفريقي وكلهم يتفاهمون مع المبعوث الأممي ويشربون نخب الشعب الليبي ويصرحون بأنهم مع التسوية التي يقترحها غسان سلامة لتأسيس الدولة الليبية طبعا هم استمعوا لما يقوله المبعوث الأممي وهو حر فيما يقوله ولكن السؤال هل كلامه تلخيصا نزيها لرؤى ليبية محضة؟ أم تلخيصا وتزويقا لتدخلات دول معينة؟
مثل هذه التصرفات تنفع لتأسيس مزرعة في حجم وطن تُملّك بفرمان أممي لأفراد بعينهم وليس لصاحب أرض في حجم الوطن سرقت منه بقرار أممي وغيب عن الحضور وتم التدليس عليه بأنها ارادته المحضة التي أنتجت الحل.
ليس أمام البعثة الأممية الا طريق واحد وهو احترام ارادة الليبيين بالدعوة لانتخابات تشريعية لاختيار مجلس نواب يتكلم باسم الشعب الليبي وهذا المجلس هو صاحب الحق في تشكيل حكومة تسيير الأعمال واختيار رئيس تشريفي للدولة بدون سلطات وهو المخوّل بالنظر في مشروع الدستور الذي صاغته هيئة منتخبة من الشعب الليبي. هذه فترة تهدئة لابد منها.
غير ذلك يعتبر مسعا حثيثا لادخال البلد في حرب أهلية لأنه لو قدر للملتقى الجامع أن ينعقد ويفرز توصيات باعادة تشكيل المجلس الرئاسي الى ثلاثة أعضاء وفصل الحكومة عنه فسوف تقفز اسئلة مهمة: من سيختار هؤلاء الثلاثة وبأي شرعية يملكونها وكيف سيختارهم وما هي الصراعات التي سوف تتشابك لاعادة تدوير نفس الأجسام ونفس الأشخاص التي تتصارع منذ حوالي أربع سنوات على اقتسام الدولة؟.
هذا معناه الدخول في فترة انتقالية جديدة وصراعات جديدة وتدوير وتمكين لمعرقلي قيام دولة مدنية عصرية يحكمها صندوق الاقتراع وليس تقاسم السلطة بين من أساؤوا للسلطة بدعم اقليمي وأممي.
لو قدر لهذا الملتقى أن يخرج بخارطة طريق من هذا النوع السؤال الذي يبرز: من يضمن نجاح تنفيذها؟ وهل سيكون بمقدور المجلس الرئاسي الجديد والحكومة المنفصلة عنه أن يمارسا أعمالهما من العاصمة طرابلس الغرب؟
أشك في ذلك وأنبه الى أن الرافضين لتدوير (الخردة) سوف لن يمكنوا المجلس الرئاسي الجديد وحكومته من العمل بمنطق رفض تغييب الشعب ورفض الوصاية ورفض الاملاءات ورفض استمرار من أساؤوا الأداء طيلة الثلاث سنوات الماضية أن يعطوا مرحلة أخرى للاستمرار في ادائهم الفاشل.
أدعو بعثة الأمم المتحدة أن يمتد تفكيرها الى التداعيات التي ستنجم عن مخرجات الملتقى الجامع. فقد تكون المخرجات مقنعة للبعثة الأممية ومخادعة للرأي العام المحلي بتقديم صياغة رائعة لكنها مضللة.
النخبب من السياسيين والمثقفين والنشداء السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني والقوى الفاعلة على الأرض غير مقتنعة وكذلك بالنسبة لشريحة واسعة من أفراد الشعب الليبي يمثلون ثلثي سكان ليبيا وما لم تتدارك البعثة الأمر بدراسة التداعيات المحتملة فانها تكون قد حكمت على مشروعها بالفشل المسبق وحكمت على ليبيا بالانقسام وحرب أهلية.
من ناحية أخرى أرى أن حدثا ما سيحدث قبيل انعقاد الملتقى الجامع يقلب الطاولة على الجميع لأن الغموض يحمل في طياته مفاجآت غير سارة والذين يشعرون بمسؤولية وطن لن يسمحوا بأن يجرفهم السيل دون وضع سدود مانعة له.
أدعو بعثة الأمم المتحدة لأن تتحلى بالشفافية التي لطالما نصحت الليبيين بانتهاجها وتبتعد بقدر الامكان عن مخاطبة الشعب الليبي بأنها تقدم لهم الحل الذي اتفق عليه المجتمع الدولي.
لا يوجد مجتمع دولي وانما هناك دولا مؤثرة بحكم النفوذ وغزارة المال والرغبة المجنونة للسيطرة على ليبيا عن طريق عملائها رخيصي الثمن والمقابل.
في المقابل يوجد شعب يريد أن يصدق مبدأ حرية تقرير مصيره بنفسه وليس باملاءات خارجية هذه هي مهمة الأمم المتحدة ومجلسها للأمن الدولي وبعثتها لدعم الاستقرار فالاستقرار يصنعه أصحابه وليس مستعمرون جدد بأشكال جديدة.
أنا في هذا المقال أتحدث كمواطن ليبي مجروح وككاتب صحفي أحذر من الأسوأ وكسياسي متشائم أشعر بمسؤولية تاريخية بضرورة أن أنبه وأحذر من خطأ قاتل يوشك أن يقع رغم كل ما سمعته وأسمعه من كلام معسول وبيانات منمقة من قرارات لمجلس الأمن و البعثة الأممية ودول بجوارنا شرقا وغربا وشمالا.
أختم هذا المقال بما قاله الشاعر العظيم عمر الخيام:
معللتي بالوصل شيمتها الغدر
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 44
وقال تعالي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
يا شاطر هذا سيدكم اقرأ…..قال وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني إن التطرف الوحيد الذي يستدعي التنبه له هو “التطرف الإسلامي”، وذلك بعد يوم واحد من المجزرة التي حدثت في مسجدين بنيوزيلندا وأدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وقال الوزير الإيطالي -ردا على سؤال من موقع “فان بيج” (fanpage) المحلي بشأن ما إذا كان هناك قلق من تعرض إيطاليا لهجوم مماثل للهجوم الذي حدث في نيوزيلندا- إن كل أعمال العنف المرتبطة بالمتطرفين اليمينيين واليساريين في بلاده محظورة.
ولكن سالفيني استدرك قائلا إن التطرف الوحيد الذي يستحق التنبه له هو “التطرف الإسلامي”